العمانيون يهبّون لنجدة البصرة

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة الـ55 من سلسلة بالهجري حدثا وقع في مثل شهر ذي القعدة الجاري، وهو إرسال العمانيين جيشا لنجدة البصرة من حصار جيش كريم خان مؤسس السلالة الزندية في بلاد فارس عام 1188 للهجرة.

مرت عمان باحتلالين في القرنين الـ16 والـ17 الميلاديين، هما الاحتلال البرتغالي والاحتلال الفارسي. قادت دولة اليعاربة العمانية النضال ضد البرتغاليين، وتمكن العمانيون من طردهم عام 1060هـ (1650م)، ثم تبعهم الأسطول العماني باتجاه أفريقيا والهند، وزيادةً في تأديبهم احتل مستعمراتهم في أعالي البحار.

كانت العلاقة بين عمان وبلاد فارس غير مستقرة بشكل عام، إذ ظل الحكام الفرس على اختلاف سلالاتهم ينظرون إلى عمان على أنها جزء من إمبراطوريتهم ويطالبونها بدفع الضريبة. وعندما نشأت خلافات عمانية داخلية، استعان سيف بن سلطان اليعربي بحاكم بلاد فارس نادر شاه الأفشاري الذي سارع الأخير إلى إرسال قوات نقل جزءا منها على ظهر سفن هولندية.

وبعد قتال طويل استطاع أحمد بن سعيد حسم الموقف وإخراج القوات الفارسية من عمان وتولي الحكم فيها. وتمكن العمانيون بعد ذلك من الحفاظ على استقلالهم، وسط تنافس محموم بين العثمانيين والفرس للسيطرة على المشرق العربي الذي كان وما يزال محط أنظار القوى الكبرى في العالم.

‪تشهد منطقة المشرق العربي تنافسا محموما للسيطرة عليها من قبل القوى العالمية الكبرى‬ غيتي إيميجز
‪تشهد منطقة المشرق العربي تنافسا محموما للسيطرة عليها من قبل القوى العالمية الكبرى‬ غيتي إيميجز

بنى العمانيون قوة بحرية ضخمة وأقاموا علاقات سياسية واقتصادية مع عدد من القوى العالمية مثل الولايات المتحدة التي استقبلت سعيد بن سلطان البوسعيدي كأول ممثل تجاري عُماني عام 1256هـ (1840م).

وضمن الصراع للسيطرة على المنطقة، أرسل كريم خان مؤسس السلالة الزندية في بلاد فارس جيشا لحصار البصرة في جنوب العراق تمهيدا لاحتلالها بدعوى سوء المعاملة التي يلقاها ‏الفرس، والضرائب التي تفرض عليهم وهم في طريقهم لزيارة أماكن يقدسها الشيعة في النجف وكربلاء وسط العراق.

وكان كريم خان قد وضع مطالب تعجيزية أمام الباب العالي في إسطنبول لتجنب الحرب في العراق الذي كان تحت الحكم العثماني، حيث طالب برأس والي بغداد عمر باشا وهدد ‏بغزو العراق إذا ما رفض طلبه, رغم أنه كان يعلم أنه يستحيل أن تسلم دولة طوعًا أحد ولاتها إلى قوة معادية. ‏

وصلت القوات الفارسية إلى البصرة حيث اجتمعت القوات العثمانية وأهالي البصرة في جيش واحد لملاقاة جيش كريم خان، لكن المواجهة لم تحدث، وضرب الجيش الفارسي حصاراً حول المدينة لأكثر من عام تعرضت خلاله إلى قصف مكثف وساءت أوضاع أهلها.

الاستنجاد بحاكم عمان
العاصمة العراقية بغداد كانت ترزح تحت صراع قوي بين مراكز القوى التركية أدى إلى مقتل واليها ومجيء والٍ مؤقت جديد هو مصطفى باشا الذي -إلى جانب حالة عدم الاستقرار السياسي- ابتلي بوباء الطاعون الذي ضرب المدينة. وأمام عجز بغداد عن تقديم العون، استنجدت القبائل العربية في البصرة بالحاكم العماني الإمام أحمد بن سعيد.

وصل الأسطول العماني إلى مصب شط العرب جنوب العراق، ووجد أن الجيش الفارسي قد استعد بوضع عدة عراقيل تكتيكية لإعاقة تقدم الأسطول، إلا أن العمانيين الذين اكتسبوا خبرة طويلة في البحرية الحربية استطاعوا شق طريقهم ودخول شط العرب رغم القصف الفارسي المستمر.‏

انضم العمانيون إلى الجيش المدافع عن البصرة، واستعد جيش كريم خان ‏ودارت معارك ضارية سالت فيها دماء كثيرة، واستشعر قائد الجيش الفارسي تصميم المدافعين عن البصرة على الانتصار فأعلن ‏عن منح جنوده مكافآت مالية لقاء قتل أو أسر أي مقاتل من الجيش المدافع عن البصرة.

استمرت المعارك شهورا عديدة كان خلالها المدد يتدفق على الفريقين من بلاد فارس وعمان، لكن الأسطول العماني استطاع المساعدة في تحقيق الحماية الكاملة لمنطقة شط العرب وأمن المساعدات القادمة ‏من عمان.

ورغم انسحاب الأسطول العماني بعد استشعار العمانيين وجود نية لغزو بلادهم من قبل بلاد فارس، فإن انسحابهم جاء بعدما ساعدوا في حسم الموقف على الأرض وقلب ميزان القوى وإفشال الحصار على البصرة.

دخل الموقف بعدها في حالة من الجمود فاضطر كريم خان إلى عقد الصلح، وعادت البصرة إلى الحكم العثماني بعد ذلك بسنتين، وأمر الباب العالي في إسطنبول بصرف مكافأة سنوية لعمان من خزينة البصرة.

المصدر : الجزيرة