المغول يستبيحون بغداد

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة 13 من سلسلة "بالهجري" حدثا تاريخيا وقع في مثل شهر صفر الجاري حسب التقويم الهجري، وهو غزو المغول بغداد عام 656 للهجرة، وقد أدى ذلك الغزو إلى انهيار الدولة العباسية التي استمر حكمها خمسة قرون.

ورغم أن دخول المغول إلى بغداد وتخريبها ونهبها وإنهاء دولة الخلافة كان من أشد الكرب التي ضربت الأمة وأكثرها إيلاما، فإن هناك جانبا مشرقا أظهر عظمة الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي الحنيف.

يحدثنا التاريخ الإنساني أن المغلوب عادة ما يتبع الغالب، وهذا ما اتفق عليه أيضا علماء النفس والفلاسفة والأحداث التاريخية التي تثبت ذلك موجودة وموثقة. وقد تطرق إلى ذلك الفيلسوف العربي ابن خلدون الذي قال إن المغلوب يحاول دائما التشبه بالغالب في المأكل والملبس والدين.

إلا أن ما حدث بعد غزو المغول بغداد كان خارجا عن القاعدة، حيث لم يمض وقت طويل حتى دخل المغول في دين الله أفواجا.

وبعد أقل من نصف قرن على غزو بغداد، عمّ نور الإسلام النصف الغربي من الإمبراطورية المغولية التي تصنف تاريخيا على أنها ثاني أكبر إمبراطورية في التاريخ بعد الإمبراطورية البريطانية.

شاهد فيديو الحلقة
شاهد فيديو الحلقة

وقد حرص ملوك المغول على تشجيع رعيتهم للدخول في الإسلام ومن اشتهر بذلك السلطان محمود غازان الذي ينحدر من سلالة تنتمي إلى مؤسس إمبراطورية المغول جنكيز خان، وحكم إيران لثلاثين عاما في القرن السابع الهجري، وجعل الإسلام دين الدولة الرسمي وقطع صلاته ببلاط المغول في مركز الدولة المغولية شمالي الصين، التي كانت تدين بالبوذية في الغالب.

ورغم دخول قسم كبير من المغول الإسلام فإن ذلك لم يفد في دمل الجرح الغائر الذي تسببوا به لجسد الأمة الإسلامية، التي تبعثرت بعد سقوط بغداد وانتهاء عهد العباسيين.

ودخل العراق والمنطقة بعد ذلك في دوامة من الحروب وأصبحت الأبواب مشرعة لقوى كثيرة لتجرب حظها في السيطرة على هذه المنطقة الحيوية من العالم، وتسبب ذلك في تراجع الحركة العلمية التي سادت إبان حكم العباسيين وانتشر الفقر والمرض والجهل في المنطقة التي لم تتاعف أبدا ولم تسلم من الغزو الأجنبي منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا.

وقد كانت الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية في القرن العشرين امتدادا لتداعيات سقوط دولة الخلافة في بغداد والبداية لحالة الضعف والتشرذم التي سادت الأمة الإسلامية التي تعرضت أجزاؤها بشكل عام لسلسلة من حملات الغزو الأجنبي لم تنته إلى اليوم، وكان آخر غزو أجنبي للمنطقة هو احتلال القوات المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة للعراق في 16 المحرم من عام 1424 للهجرة (20 مارس/آذار 2003 ميلادي)، وقبل ذلك بسنتين احتلال التحالف نفسه لأفغانستان.

المصدر : الجزيرة