تحرير مسقط من البرتغاليين

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة الخامسة من سلسلة بالهجري حدثا من أحداث شهر المحرم الجاري طبقا للتقويم الهجري، وهو تحرير مسقط من البرتغاليين الذي تم في مثل هذا الشهر من عام 1060 للهجرة.

ساد عُمان في السنين الأولى للألفية الهجرية الثانية نزاعات وخلافات متشعبة بين القوى العُمانية، فلم يجد علماء البلاد بدا من التحرك للتخلص من حالة التفكك والضعف والاقتتال واستعادة أمن واستقرار البلاد وتوحيد كلمة أهلها.

توسم العلماء في ناصر بن مرشد قيم العدالة وتحمل المسؤولية، فشدّ سبعون عالما منهم الرحال إلى منزله قرب الرستاق عام 1034 للهجرة، وتمنوا عليه أن يقبل منصب الإمامة، وهكذا كان.

أصبحت الرستاق عاصمة دولة اليعاربة التي أسسها الإمام ناصر بن مرشد، واستطاع أن يوحد البلاد تحت رايته بعد أن واجه الكثير من الصعوبات والانتكاسات. وبعد نجاحه في تأمين العمق العُماني، توجه باهتمامه نحو مدن الساحل التي كانت تحت سيطرة البرتغاليين.

وعندما أحس البرتغاليون بقوة ما أسسه الإمام ناصر، طلبوا الصلح، فقبل بن مرشد وفرض عليهم الجزية وكتب معهم اتفاقا يقضي بتخليهم عن ممتلكاتهم في صحار وأن يفتحوا أبواب مسقط للعُمانيين بدون قيد أو شرط.

نكث البرتغاليون عهدهم ووضعوا العراقيل أمام تنفيذ ما اتفقوا عليه، وتم عقد اتفاقية ثانية ولكن العلاقة لم تستقم أبدا بين المستعمر وبين العُمانيين.

انتعشت عُمان في عهد سلطان بن سيف وازدهرت وارتاح أهلها.. وانخفضت الأسعار وأصبحت الطرق آمنة وأرباح التجار كبيرة والغلال وفيرة

وفاة الإمام ناصر
وبعد وفاة الإمام ناصر عام 1059 للهجرة، خلفه ابن عمه سلطان بن سيف، وكان حكم هذا الإمام الجديد تطبيقا حيّا لما وصفه القرآن الكريم "أشداء على الكفار رحماء بينهم".

حمل الإمام سلطان على البرتغاليين وأعلن الجهاد ضدهم، فطردهم من مسقط ومدن عُمانية أخرى بعد سلسلة معارك حقق فيها نجاحات عسكرية باهرة، وحتى بعد طرد البرتغاليين من البلاد، ظلّ بن سيف يطاردهم وأرسل أساطيل هاجمت القواعد البرتغالية في سواحل الهند وأفريقيا.

ويلخص المؤرخ ابن زريق إنجازات الإمام سلطان كحاكم بالقول: انتعشت عمان في عهده وازدهرت وارتاح أهلها (..) وانخفضت الأسعار وأصبحت الطرق آمنة وأرباح التجار كبيرة والغلال وفيرة، وكان الإمام نفسه متواضعا لله تعالى رؤوفا بشعبه (..) ولا ينأى بنفسه عنهم أو يعتزلهم وكان يتجول في الشوارع دون حراسة ويجلس مع أبناء الشعب ويتجاذب معهم أطراف الحديث دون تكلف ويسلم على الكبير والصغير والحر والعبد.

وفاة الإمام سلطان
توفي الإمام سلطان عام 1079 للهجرة، وتوالى بعده الحكام اليعاربة الذين نهجوا منهج سلفهم في الحكم، حتى أصبحت عُمان في وقت من الأوقات قوة إقليمية يُحسب لها حساب، وتمتلك أسطولا ضخما يتألف من سفن حربية مرهوبة الجانب، حتى تولى الحكم سلطان بن سيف الثاني.

أنفق سلطان بن سيف الثاني ثروته واستدان من أموال الأوقاف ليعزز قوة عُمان العسكرية ووضعها في مصاف القوى الكبرى. اشتهر هذا الحاكم بعدالته وقوته وحزمه مع البرتغاليين والأوروبيين.

وفي يوم من أيام عام 1131 كان بن سيف الثاني يطبق ما تعوّد عليه حكام الدولة اليعاربة وما استقوه من سيرة الخليفة هارون الرشيد، فكان يمشي في الأسواق متنكرا للاطلاع بنفسه على أحوال الرعية وعليه قربة ماء، فخرج عليه رجل وهدده بسيف طالبا منه أن يسلمه الماء.

سأل الإمام المتنكر الرجل قائلا "وإن لم أعطك الماء؟" فطعنه الرجل بالسيف وهو يقول "سأبادرك بهذا السيف طالما أن هذا الماء ليس لسلطان بن سيف".

لم يكن ابن سلطان بن سيف الثاني قد بلغ سن الرشد بعد، وبرزت مشكلة الخلافة، وتطورت إلى خلافات وصراعات ومواجهات بين القوى العُمانية وبذلك انتهى قرن من الوحدة حقق خلاله العُمانيون إنجازات تاريخية كبيرة.

غير أن التاريخ يكتب للعُمانيين بأنهم نجحوا في جميع المراحل رغم خلافاتهم الداخلية في
إبقاء بلادهم بعيدة عن الاستعمار الأوروبي الذي اجتاح المنطقة في القرون الأخيرة من الألفية الثانية، واستطاعوا بعد خروج البرتغاليين أن ينظموا علاقاتهم مع القوى الدولية بواسطة معاهدات تجارية وسياسية تنظم العلاقة، ويتضح ذلك من إيفاد سعيد بن سلطان ألبو سعيدي كأول ممثل تجاري عُماني إلى الولايات المتحدة عام 1840.

المصدر : الجزيرة