هل تنقذنا العاثيات من مقاومة المضادات؟

عاثيات، فيروسات آكلة للبكتيريا (بيكسابي)

في عام 1890 كان إيرنست هانكين يدرس تفشي بكتيريا الكوليرا على ضفاف نهر جانجين في الهند، نظرا لأن طائفة الهندوس كانت تلقي برفات موتاها في ذلك النهر، ولاحظ هانكين وجود شيء ما غامض في ماء النهر يقتل البكتيريا ومن ثم يقضي على المرض بسرعة، وظل هذا الأمر لغزا محيرا للعالم هانكين الذي تعذر عليه تفسير هذه الظاهرة الغريبة والمحيرة.

وفي عام 2013 استطاع العالم جرمي بار اكتشاف هذا السر وإزاحة اللثام عن هذا المنقذ المسمى بلاقم البكتيريا "البكتريوفاج" (Bacteriophage) "العاثيات"، وهي فيروسات تتكون فقط من حامض نووي وبروتين. ورغم أنها غاية في الضآلة استطاعت أن تقضي على بكتيريا الكوليرا في ماء النهر، دون أن يتسبب في تلويث الماء أو تغيير خاصياته الطبيعية، لذا فإن بعض الباحثين أطلقوا على هذه الفيروسات اسم "فيروسات النينجا"، وذلك لخاصيتها الفتاكة والمدمرة للبكتيريا الضارة للإنسان.

مع بداية حقبة المضادات الحيوية واكتشاف البنسلين، تم إنقاذ حياة الملايين من الموت المحقق بسبب الإصابات البكتيرية، مما جعل استخدام هذه المضادات أمرا ضروريا لا محيد عنه. إلا أن الإفراط في استخدامها نتجت عنه سلالات بكتيريا مقاومة لتلك المضادات الحيوية، مما شكل تهديدا وخطورة أكبر على حياة الملايين من البشر عبر العالم.

وتكمن خطورة هذه المضادات في كونها لا تميز ولا تفرق بين البكتيريا النافعة والبكتيريا الضارة للإنسان، وبالتالي فهي تقتل وتبيد جميع أنواع البكتيريا التي تصادفها داخل جسم الإنسان، ومن جهة أخرى يؤدي سوء استعمال هذه المضادات إلى تمكين البكتيريا من تقوية مناعتها ضد هذه المضادات الحيوية، فتصبح أقوى وأشد مقاومة لهذه المضادات.

وفي ندوة عقدت في سيدني في أستراليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تحت عنوان "أفكار ستغير العالم" (World-Changing Ideas Summit)، طرح المشاركون فكرة استخدام العاثيات للقضاء على البكتيريا الضارة.

وتعتبر تركيبة العاثيات في غاية البساطة، فبعض الأنواع تتكون من رأس مكعب وذيل منقبض، وهذا الأخير مزود بألياف وظيفتها تحسس الطريق بحثا عن البكتيريا، وعندما تصل إليه، ترتبط به عن طريق مستقبلات خاصة، ويبدأ الذيل في الانقباض ليحقن الحمض النووي الموجود في الرأس إلى داخل خلية البكتيريا.

وعندما يصبح الحمض النووي داخل البكتيريا يسيطر عليها تماما ويعمل على استنساخ ملايين النسخ منه، وبعد إتمام عملية الاستنساخ التي تصل إلى ملايين النسخ، تنفجر البكتيريا وتخرج العاثيات الجديدة لتكرار إصابة بكتيريا أخرى.

الباحثون يسعون لعزل العاثيات سواء الموجودة في الإنسان أو في التربة وغيرها من المصادر التي يحتمل وجود العاثية فيها (بيكسابي)
الباحثون يسعون لعزل العاثيات سواء الموجودة في الإنسان أو في التربة وغيرها من المصادر التي يحتمل وجود العاثية فيها (بيكسابي)

عزل
وعن طريق استخدام التحاليل الجزيئية والبصمة الوراثية، يسعى الباحثون لعزل العاثيات سواء الموجودة في الإنسان أو في التربة وغيرها من المصادر التي يحتمل وجود العاثية فيها، وجمع المعلومات اللازمة عنها والتعرف على خصائصها العلاجية تمهيدا للاستفادة منها في العلاج والقضاء على البكتريا الممرضة للإنسان.

وتعتبر دول أوروبا الشرقية سباقة إلى استخدام العاثيات في علاج عدد من الأمراض، إلا أن العلماء يخشون الآثار السلبية لهذا النظام العلاجي، بسبب إمكانية حدوث تفاعلات عكسية بسبب بروتين العاثية حين دخوله جسم الإنسان باعتباره جسما غريبا.

نشير إلى أنه تم استعمال هذه العاثيات دواءً بديلا عن المضادات الحيوية في روسيا، خاصة في أوقات الحروب. وهنا نورد حالة لرجل يدعى ألفريد جيرتلر، الذي جرب كافة المضادات الحيوية كي يعالج جرحا أصيب به في ساقه أثناء ممارسته رياضة التسلق، وكان السبيل الوحيد أمام الأطباء لعلاجه هو بتر ساقه، إلا أنه وبعد استخدام بكتيريا العاثية لمدة لم تتجاوز عشرة أيام، شفي تماما وأنقذت ساقه من البتر.
______________
* رئيس قسم النبات- كلية العلوم/ جامعة الفيوم في مصر.

المصدر : منظمة المجتمع العلمي العربي