قصة الحمى الصفراء

كيف يختار البعوض ضحاياه من البشر؟
الحمى الصفراء نشأت بغابات أفريقيا المطيرة منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة (دويتشه)

هي عدوى فيروسية يتسبب في حدوثها فيروس يندرج تحت عائلة الفيروسات المصفرة (Flavivirus)، وينتقل من خلال بعوضة الزاعجة المصرية (Aedes aegypti) التي تعيش وتزدهر بالقرب أو في مناطق السكن، وتمتاز بقدرتها على التكاثر حتى في أنظف المياه.

وتتسبب العدوى في أضرار تؤثر على كل من الكبد والكلى والقلب وكذلك الجهاز الهضمي. وقد تشمل الأعراض الرئيسية ظهورا مفاجئا للحمى، واليرقان والنزف. وتنتشر العدوى بشكل كبير في مناطق أميركا الجنوبية وجزر الكاريبي وأفريقيا، فتؤثر على المسافرين إلى تلك المناطق وكذلك المقيمين فيها. وينتقل المرض من خلال لدغات البعوض المصاب. 

يعتقد العلماء أن الحمى الصفراء نشأت في غابات أفريقيا المطيرة منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة. وكان الفيروس في بادئ الأمر ينتقل (دائرة الحياة للفيروس) ما بين البعوض والقرود، وقد أصاب بعض الأشخاص ولكن بأعداد قليلة، ذلك لأن البشر كانوا يعيشون في القرى، إلى أن تكيف البعوض الحامل للفيروس مع حياة القرى ثم المدن الكبيرة والساحلية.

ومع توسع صناعة النقل البحري والتجارة العالمية، تمكنت الحمى الصفراء من الوصول إلى نصف الكرة الغربي، وذلك من خلال سفن الرقيق (تجارة البشر) القادمة من غرب أفريقيا.

وفي عام 1648، تم تسجيل أول حالة وبائية موثقة للحمى الصفراء في شبه جزيرة يوكاتان (Yucatan Peninsula). وبين عام 1668 و1699، تم الإبلاغ عن حالات تفشٍ على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بما في ذلك نيويورك 1668، بوسطن 1691، تشارلستون 1699. ثم شقت الحمى الصفراء طريقها إلى أوروبا عام 1730، حيث تم الإبلاغ عن 2200 حالة وفاة في قادس (إسبانيا) تلاها حالات تفشٍ في الموانئ الفرنسية والبريطانية.

وحتى منتصف القرن الـ 19، كان العلماء يعتقدون أن الحمى الصفراء تنتشر عن طريق الاتصال المباشر مع الأشخاص المصابين أو الأشياء الملوثة، إلى أن تم تقديم أول إشارة بأن الناقل قد يكون بعوضة، وذلك من قبل الطبيب الأميركي جوشيا كلارك نوت عام 1848 والطبيب الكوبي كارلوس فينلي عام 1881.

وبين عام 1839 و1860، أصيب حوالي 26 ألف شخص في نيو أورليانز بالحمى الصفراء. ومع نهاية الـ 19 وخلال الحرب الإسبانية الأميركية القصيرة، توفي أقل من ألف جندي في المعركة، ولكن أكثر من خمسة آلاف لقوا مصرعهم بسبب المرض في كوبا، وكانت معظم هذه الوفيات بسبب الحمى الصفراء.

وقام الجيش الأميركي بتشكيل لجنة الحمى الصفراء لدراسة سبب انتشار العدوى، وفي عام 1900 أثبتت اللجنة أن الحمى الصفراء تنتقل عن طريق البعوضة الزاعجة المصرية، وحدث آخر تفشٍ في الولايات المتحدة في نيو أورليانز عام 1905.

 

بعوض
وبعد إثبات أن البعوض هو المسؤول عن نقل الحمى، بدأت برامج الصرف الصحي المكثفة في بنما وهافانا (كوبا). وأدت هذه الجهود إلى استئصال المرض في تلك المناطق عام 1906.

ومنذ ذلك الوقت أصبح القضاء على البعوض الطريقة الرئيسية للسيطرة على الحمى الصفراء، إلى أن تم تطوير لقاح للحمى الصفراء في الأربعينيات من القرن الماضي. وبحلول أواخر الثمانينيات، قامت منظمة الصحة العالمية ببذل جهود إضافية لزيادة تغطية اللقاحات. في السنوات الثلاثين الماضية، كانت هناك حالات محدودة في كينيا ونيجيريا وليبيريا والكاميرون وساحل العاج والسنغال في أفريقيا. وفي الأميركيتين: في بيرو وإكوادور وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل.

قدّرت منظمة الصحة العالمية أنه في عام 2013 تم تسجيل ما يصل إلى 170 ألف حالة إصابة بالحمى الصفراء وستين ألف حالة وفاة بسبب المرض. وفي عام 2016، أصبح المرض على عناوين الصحف مرة أخرى، حيث حدث تفشٍ للمرض في أنغولا، وبلغ عدد حالات الاشتباه بالإصابة حوالي 3867 حالة، وانتشر التفشي إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث بلغ عدد حالات الاشتباه بالإصابة 2269 حالة.

وفي الفترة بين 6 يناير/كانون الثاني و4 مايو/أيار 2017، أبلغت البرازيل عن 392 من حالات الحمى الصفراء (663 حالة مشتبها بها و729 حالة مؤكدة) منها 294 حالة وفاة (45 حالة مشتبها بها و249 حالة مؤكدة).

ويبلغ معدل الوفيات بين الحالات المؤكدة 34.2%. وفي الفترة من بداية عام 2017 إلى 8 مايو/أيار، أبلغت خمسة بلدان أخرى عن حالات مشتبه بها أو مؤكدة للحمى الصفراء، وهي بيرو (14) وكولومبيا (2) وبوليفيا (1) وإكوادور (1) وسورينام (1).

وتجدر الإشارة إلى أن هناك نقصا في لقاح الحمى الصفراء، مما جعل منظمة الصحة تقوم بشيء لم تفعله من قبل، وهو إعطاء الناس جرعات أصغر من اللقاح، والتي توفر حصانة لمدة سنة بدلا من الحصانة الدائمة التي كانت توفرها الجرعات الكاملة. وقد قامت المنظمة بالفعل بتطعيم أكثر من 16 مليون شخص وتخطط لتطعيم 13 مليونا آخرين.

المصدر : منظمة المجتمع العلمي العربي