تشجيع التعاون والأبحاث للقضاء على الملاريا

Close up stylized view of the Anopheles mosquito sucking blood. The Anopheles mosquito transmits malaria parasites to humans.
بعوضة أنوفيليس الناقلة للملاريا (غيتي)

باتريك فالنس* وتيم ويلز**

في السنوات الأخيرة تم إحراز تقدم هائل في المعركة ضد الملاريا. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية انخفض عدد الوفيات الناجمة عن هذا المرض بنسبة مذهلة بلغت 60% منذ عام 2000، وذلك نتيجة لتحسين الحصول على اختبارات التشخيص والعلاج.

وللتأكد من ذلك لا يزال هناك عمل كثير يتعين القيام به، لكن الاتجاه في حالات الإصابة والوفيات الجديدة يؤكد قوة التعاون بين الحكومات في البلدان المصابة وغير المصابة بداء الملاريا على حد سواء، وبين المؤسسات التجارية وغير الربحية، وبين العلوم الأكاديمية والطب.

ومن دون هذه الشراكات سيكون التقدم في مكافحة هذا المرض القاتل أمرا مستحيلا. وجنبا إلى جنب مع العمل المنسق، سيمهد الانفتاح والتعاون بين الباحثين الطريق لمزيد من التقدم ولتطوير جيل جديد من الأدوية واللقاحات.

هناك اعتراف متزايد في الأوساط العلمية أنه لا توجد منظمة واحدة أو مجموعة لديها الدراية أو الموارد اللازمة لمعالجة الملاريا وحدها، كما هو الحال مع العديد من الأمراض الأخرى التي يعاني منها العالم النامي. فالعلم معقد بشكل كبير والفرص التجارية محدودة جدا، وذلك على عكس وباء الملاريا الذي يتطلب منا تجميع الموارد والاستفادة من الخبرات المتنوعة ومن خبرة العلماء من مختلف الخلفيات والتخصصات.

ولحسن الحظ، فقد أدرك العلماء هذه المسألة، والنتيجة هي ظهور وانتشار نهج جديد وخلاق للبحث والتجديد. فقد قلب ما يسمى بـ"الابتكار المفتوح" النموذج التقليدي للبحث والتطوير رأسا على عقب، كما أزال الحواجز أمام التعاون. وبناء على الاعتراف بأن الاتحاد قوة، فالابتكار المفتوح وسيلة جماعية للعمل، والمشاركة فيه تعني كل شيء.

وقد تم هذا الانفتاح بشكل جيد على مستويات غير مسبوقة من تبادل البيانات، ففي عام 2010 أصدرت شركة غلاكسو سميث كلاين ومعهد الجينوم من مؤسسة أبحاث نوفارتيس ومستشفى أبحاث سانت جود للأطفال في ممفيس، تينيسي، في المجال العام تفاصيل لأكثر من عشرين ألف مجمع نشيط ضد طفيليات الملاريا، منها 13500 جاءت من مكتبة مجمع ملكية غلاكسو سميث كلاين. وكانت هذه خطوة تاريخية، تهدف إلى حشد المجتمع الدولي للبحوث.

تخلق البحوث المفتوحة إطارات للعلماء من مؤسسات وخلفيات مختلفة للعمل معا، وذلك سواء عن قرب أو عن بعد، للاستفادة من نقاط القوة لدى الآخر وتبادل الدراية

صندوق للملاريا
وعمل مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا (MMV) -وهو منظمة غير ربحية- على تطوير الأمور بصفة ملحوظة. فمن خلال "صندوق الملاريا المفتوح"، وفر مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا الولوج الفعلي إلى مجموعة متنوعة من أربعمئة مجمع متاح تجاريا. ويمكن للعلماء الحصول عليه مجانا في جميع أنحاء العالم، طالما أنهم سيقومون بتوفير نتائج أبحاثهم للعموم.

وحتى الآن، تم تقاسم رزمة الملاريا مع أكثر من 250 مجموعة أبحاث في ثلاثين بلدا في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى الشروع في عدة برامج اكتشاف أدوية جديدة عبر مجموعة من الأمراض المهملة.

وبالإضافة إلى تسهيل تبادل الأدوات والأفكار، تخلق البحوث المفتوحة إطارات للعلماء من مؤسسات وخلفيات مختلفة للعمل معا، وذلك سواء عن قرب أو عن بعد، للاستفادة من نقاط القوة لدى الآخر وتبادل الدراية.

ومن أهم نماذج هذا النوع من التعاون "المختبر المفتوح" الأول في العالم للبحث في أمراض العالم النامي، والذي أنشئ عام 2010 في موقع أبحاث شركة غلاكسو سميث كلاين في تريس كانتوس، إسبانيا.

ويعمل هذا المختبر في إطار الدعم والمشورة لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك شركة غلاكسو سميث كلاين، ويلكوم ترست، والاتحاد الأوروبي، ومشروع الأدوية لمكافحة الملاريا؛ فضلا عن غيرها من شراكات تطوير المنتجات والمراكز الأكاديمية المختلفة. فهي تمكن الباحثين من أبرز المؤسسات في جميع أنحاء العالم من العمل جنبا إلى جنب مع علماء صناعة العقاقير في بيئة ديناميكية تعاونية، وذلك بهدف تحويل الأفكار البحثية الأولى إلى برامج اكتشاف الأدوية.

وقد أنجزت هذه المبادرة ستين مشروعا منذ تأسيسها، واكتسبت اعترافا كبيرا باعتبارها حاضنة للأفكار الجديدة ونموذجا قيما للبحث والتطوير في علاج التحديات الصحية الرئيسية الأخرى. كما حققت مبادرات البحث والتطوير التعاونية الأخرى نجاحا كبيرا. وهناك ثلاثة علاجات جديدة محتملة للملاريا تم تطويرها من قبل شركة غلاكسو سميث كلاين (اثنان منها بشراكة مع مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا) تتقدم نحو التجارب السريرية.

وهناك دواء جديد محتمل آخر يجري تطويره وتنميته لمكافحة الملاريا النشيطة، من خلال التعاون بين شركة غلاكسو سميث كلاين ومشروع أدوية الملاريا، وقد وصل للمراحل النهائية من التجارب السريرية. وفي حال نجاحه، سوف يكون أول علاج معتمد لأكثر من ستين عاما للقضاء على الملاريا.

لا يزال هناك نحو مئتي مليون حالة من الملاريا كل عام، تؤدي إلى مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، الغالبية العظمى منهم من الأطفال دون سن الخامسة

الضوء الأخضر
وعلاوة على ذلك، في العام الماضي، أعطى المنظمون الضوء الأخضر للقاح الملاريا الذي أطلقته شركة غلاكسو سميث كلاين. ويعد الأول عالميا، وهو تتويج لثلاثة عقود من البحث ومن مستويات غير مسبوقة من التعاون بين شركة غلاكسو سميث كلاين، ومبادرة لقاح الملاريا (PATH)، ومراكز البحوث الأفريقية البارزة.

لكن وإن كانت هذه النتائج المُحرَزة مؤخرا مشجعة للغاية، فإنه يجب علينا ألا نتهاون في جهودنا لهزيمة داء الملاريا. فكل إحصائية إيجابية تصطدم بالواقع الصارخ الذي يبين أنه لا يزال هناك نحو مئتي مليون حالة من الملاريا كل عام، تؤدي إلى مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، الغالبية العظمى منهم من الأطفال دون سن الخامسة.

لكن بفضل تأسيس مجتمع بحوث تعاوني قوي والتدفق المتزايد للمعرفة، نحن الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى لتكثيف جهودنا وتشجيع الآخرين على اتباع المسار نفسه. ورغم أن هذا المجال يتسم بمكاسب تجارية محدودة، فإن القدرة على تحسين الصحة واقتصادات بلدان بأكملها هائلة، لذا يجب أن يستمر العلماء في كسر الجدران والتعاون من أجل الصالح العالمي.
_______________
* رئيس البحوث والتطوير في شركة غلاكسو سميث كلاين.
** المسؤول العلمي في مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا.

المصدر : بروجيكت سينديكيت