سايكولوجية "ذي الوجهين" والموت غرقا

سايكولوجية ذو الوجهين والموت غرقا

د. أسامة أبو الرُّب

لو أن شخصا ممن تعرف معرفة وثيقة اكتشفت أنه يذمك ويقدحك من ورائك مع أنه يمتدحك دائما في وجهك، فمن المؤكد أنك ستشعر بالغضب عندما تتأكد مما قال فيك، سواء كان من خلال استماعك له صدفة، أو وصول ما يثبت ذلك إليك، ثم يقفز إلى ذهنك مباشرة مصطلح "ذي الوجهين"، فمن الشخص ذو الوجهين على الصعيد النفسي؟ وما الذي يدفعه لهذا السلوك؟

على الصعيد النفسي فإن التعامل وفق "ذي الوجهين" يعد من صفات الشخصية النرجسية، وهو اضطراب في الشخصية يتميز بتضخم "الأنا" المفرط لدى الشخص، والمبالغة في تعظيم ذاته وإنجازاته حتى لو كانت بسيطة أو حتى معدومة، والطلب من الآخرين والتوقع أن يعاملوه بطريقة تعبر عن مكانته العظيمة.

ومصطلح نرجسية (Narcissism) أتى من الميثولوجيا (الأساطير) اليونانية، التي تحدثت عن شخص اسمه نرسيس كان شديد الإعجاب بجماله، وكان لا يكف النظر عن وجهه في صفحة ماء بحيرة، إلى أن دفع حياته ثمنا لهذا وانتهى الأمر به غريقا، كما يقول البعض إنه تحول إلى زهرة النرجس المعروفة.

"الطغاة"
ويرى البعض أن النرجسية صفة قد تكون لصيقة بالكثير من الزعماء و"الطغاة"، وذلك بسبب امتلاكهم الكثير من القوة والسلطة، ونيلهم التمجيد والتبجيل ممن يحيطون بهم، ولهذا فإنهم لا يستغربون هذا السلوك منهم.

البعض يرون أن النرجسية صفة قد تكون لصيقة بالكثير من الزعماء و"الطغاة"، وذلك بسبب امتلاكهم الكثير من القوة والسلطة، ونيلهم التمجيد والتبجيل ممن يحيطون بهم، ولهذا فإنهم لا يستغربون هذا السلوك منهم

وقد يكون التصرف بوجهين إحدى العلامات الأولى للشخصية النرجسية، إذ يكون لدى الشخص وجهان:

  • الوجه الباسم: ويطلق عليه أيضا الوجه العلني أو التلفزيوني أو الطيب، وهو الوجه الذي يقابل به النرجسي الناس مادحا لهم ومظهرا الحب والتقدير والتواضع.
  • الوجه الغاضب: ويطلق عيه أيضا الوجه الخفي والوجه البعيد عن الكاميرا، وبه يعبر النرجسي عن حقيقة مشاعره للآخرين، وهي الاحتقار الذي ينسجم مع تضخيمه لذاته، خاصة إذا رافق سلوك الآخرين نحوه شيء لم يعجبه.

ولا يعرف على وجه التحديد سبب السلوك النرجسي، هل هو مكتسب أم جيني أم كلاهما. كما أن هناك من يقول إنه سلوك يتحمل مسؤوليته الشخص نفسه ومن الخطأ تبريره بالقول إنه مرض خارج عن سيطرته.

ويرى بعض الأطباء حاليا أنه لا يوجد علاج دوائي لاضطراب الشخصية النرجسية، وأن مقاربة العلاج تعتمد على العلاج النفسي السلوكي الذي يعمل على تعليم النرجسي طرق وأساليب جديدة للتفكير والتعامل مع الآخرين.

في المقابل فإن الكثيرين ينصحون بالابتعاد عن النرجسيين، لأنهم وإن كانوا طيبين في الظاهر فإنهم مستعدون وسيسعون للانقلاب في أية لحظة سرا أو علنا، وطعن من يحيطون بهم بمنتهى البساطة ودون أي شعور بالذنب.

وبغض النظر عن حقيقة أسباب السلوك النرجسي وعلاجه، فإن الأسطورة اليونانية تقدم نهاية مفجعة لنرسيس، وهي الموت غرقا، فهل دائما تصدق هذه النبوءة؟

المصدر : الجزيرة