التوحد يداهم الأطفال العراقيين بسبب العنف

طفل متوحد
الطفل المصاب بالتوحد لا يستطيع الاستماع لمحدثه ولا يدرك مشاعر وأحاسيس الآخرين (الجزيرة نت)

عبد الله الرفاعي-البصرة

تزايدت حالات التوحد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتصاعدت أعدادها مع أعمال العنف الطائفي عامي 2006 و2007. ومع بدء القتال بين القوات الحكومية والمسلحين في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك، نزحت آلاف العوائل نتيجة هذا العنف وبدأت تظهر حالات التوحد على أطفالها.

والتوحد مجموعة اضطرابات عصبية في التطور تشمل أعراضها وجود مشاكل في السلوك الاجتماعي للشخص المصاب، وصعوبة في التواصل مع الآخرين. ويشير مسؤول منظمة ذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة ميسان فرات كاظم البديري إلى أن التوحد انتشر خلال السنوات الأخيرة بسبب انتشار عمليات القتل والعنف الطائفي، وأنه يصيب الأطفال في عمر 4 إلى 18 عاما.

ومن الأمثلة على الدور السلبي الخطير للعنف على سلوك الأطفال، قصة جاسم سالم (15 عاما) الذي توقف عن الكلام منذ سنتين إثر مقتل والده خنقا من قبل عصابة للسطو المسلح أمام عينيه، بعد أن سرقوا مبلغ خمسين ألف دولار مع مصوغات ذهبية وهددوا عائلته بالخروج من المحافظة خلال يومين.

ونزحت والدة جاسم من الموصل مع طفلها وبناتها الأربع ضمن مجموعة من العائلات بفعل انتشار المسلحين في المدينة، لتحط رحالها في مدينة العمارة جنوب العراق.

‪البديري: التوحد انتشر مؤخرا بسبب‬  (الجزيرة نت)
‪البديري: التوحد انتشر مؤخرا بسبب‬  (الجزيرة نت)

تعطل الكلام
وتقول والدة جاسم للجزيرة نت إنها راجعت عددا من أطباء الصحة النفسية في البصرة دون أن يستطيع أحد منهم تشخيص حالة ابنها، غير أن البعض من الأطباء وصف حالته بالصدمة النفسية، بينما قال آخرون إنها نوع من الكآبة أدى إلى تعطل الكلام عنده وعدم قدرته على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم.

ويقول البديري إنه باعتباره معلما لصف خاص بالأطفال المتوحدين ضمن مدرسة التضامن الابتدائية في محافظة ميسان يضم 18 طالبا يعانون من التوحد، يتعامل معهم بشكل خاص ويسعى لزرع ثقتهم بأنفسهم بعد عملية التأهيل المبكر، وصولا إلى مخالطتهم للآخرين كي يواجهوا صعوبات الحياة.

ويضيف أنهم يعتمدون في التعامل مع هؤلاء الأطفال الطريقة الصوتية، وهي طريقة حديثة تعتمد على استخدام لوحة الكتابة الإلكترونية الذكية، فضلا عن إسماعهم الأغاني لتنشيط مخزونهم الفكري والعقلي.

ويعتقد البديري أن نسبة الإصابة -بحسب التقارير والإحصائيات- تتراوح  بين 4 و5% على صعيد المحافظة.

غير أن الاختصاصي في العلوم التربوية والنفسية والإرشاد التربوي بجامعة البصرة الدكتور عبد الكريم الموزاني يقول إن عدد الحالات المشخصة بالتوحد تزداد باطراد، ومن غير المعروف حتى الآن هل يعود هذا الازدياد إلى حالات العنف والقتل والخطف وخاصة أمام الأطفال أم لا؟

‪اللامي: محافظة ميسان استقبلت‬ (الجزيرة نت)
‪اللامي: محافظة ميسان استقبلت‬ (الجزيرة نت)

سلوك الفرد
وأوضح الموزاني أن من تداعيات هذا المرض "انعكاسه على سلوك الفرد المصاب اجتماعيا، إذ لايستطيع الاستماع لمحدثه ولا يدرك مشاعر وأحاسيس الآخرين، بل ينكمش على نفسه وقد نجده يلعب لوحده ويتقوقع في عالم خاص، وربما لا يرى بعينيه أشياء تحدث أمامه رغم سلامة عينيه من أية أعراض في البصر".

ويرى الأستاذ المتخصص في التوحد الدكتور حيدر عبد الأمير سلمان إن العلماء يفسرون غموض التوحد ويضعون نظريات افتراضية لأسباب الإعاقة النمائية التي سميت باللغز، وقد بدؤوا بدراسة التوحد في علم الأعصاب الحديث ووجدوا أن هذا المرض يشوه حقائق عديدة في السلوك الإنساني، بما في ذلك الحركة والانتباه والتعلم والذاكرة واللغة والمجاز والتفاعل الاجتماعي.

من جانبه أشار مدير مكتب حقوق الإنسان في محافظة ميسان أحمد عاشور اللامي إلى أن المحافظة  استقبلت مائتي عائلة من النازحين بجميع أفراده، وتم إسكانهم في دور غير مكتملة البناء بالاتفاق مع أصحابها.

وأضاف اللامي في حديث للجزيرة نت أنه تم تخصيص عشر مدارس في مركز المحافظة ومدرستين في كل قضاء أو ناحية كمراكز إيواء، مع تزويدهم بالمساعدات المالية الغذائية والمستلزمات المنزلية، وتم تخصيص مركز علاج لبعض الأطفال الذين اكتشفوا أنهم يعانون من مرض التوحد.

المصدر : الجزيرة