إيبولا والحدود التالية

Indian health workers add disinfectants to a water storage tank at Kolat village near Ahmadabad, India, Wednesday, Jan. 19, 2011. An Ebola-like hemorrhagic fever has killed three people in western India and dozens of doctors will screen a community of about 16,000 people in efforts to contain the disease, a state health minister said Wednesday.
خارج المدن الكبيرة بالهند تعجز أغلب مرافق الرعاية الصحية عن توفير أي شيء يزيد على الرعاية الصحية الأولية (أسوشيتد برس)

هيرشاب سانديليا* وداني شوهام**

تُرى ما هي البلدان الأكثر عُرضة لوباء إيبولا غير بلدان غرب أفريقيا؟ إن أغلب علماء الأوبئة لا يخشون كثيرا انتقال الوباء إلى العالم المتقدم حيث توجد تدابير الحجر الصحي وإجراءات التتبع الفعّالة، أو حتى إلى البلدان النامية ذات الكثافة السكانية المنخفضة. ففي المجموعتين من البلدان يمكن احتواء انتشار المرض بسهولة. ولكن المناطق الواسعة ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والتي تفتقر إلى آليات الاحتواء اللائقة، مُعرضة إلى حد بعيد لذلك.

فالهند التي يقطنها عدد كبير من السكان المهاجرين والنازحين -ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم- وحيث توجد الكثافة السكانية العالية في المناطق الحضرية وقصور البنية الأساسية للرعاية الصحية العامة، من المرجح أن تخسر الكثير إذا انتشر فيروس إيبولا هناك. ومن المعروف أن الروابط بين الهند ومنطقة غرب أفريقيا وثيقة وتمتد عبر القرن الماضي، ويعيش في المنطقة نحو خمسين ألف هندي أو أشخاص من أصل هندي.

والواقع أن عشرات الأشخاص يطيرون يوميا بين أكرا أو لاغوس أو فريتاون أو مونروفيا أو أبيدجان، وبين نيودلهي أو مومباي أو كلكتا أو تشيناي، عبوراً بمنطقة الشرق الأوسط أو أوروبا. ورغم أن ضوابط الخروج تعمل كما ينبغي لها في كل المطارات الدولية في المناطق المتضررة، فإن فترة حضانة الفيروس (التي تبلغ ثمانية أيام في المتوسط في الوباء الحالي ولكنها قد تصل إلى 21 يوما) تعني أن أي شخص لم تظهر عليه بعد أعراض المرض من عدوى حديثة من الممكن أن يقوم برحلة إلى الهند دون أن يثير أي انتباه.

الهند يقطنها عدد كبير من السكان المهاجرين والنازحين، فهي ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم

ضوابط متراخية
وتشير تجربة شخصية حديثة في مطار نيودلهي إلى أن تنفيذ ضوابط الوصول الشكلية، كما تفرضها الحكومة، كان متراخيا ومتساهلا، مع خروج عدد من الركاب من المطار وهم يحملون بطاقات معلومات إيبولا التي كان من المفترض أن تسلم إلى مسؤولي الهجرة والجوازات. ولا يبدو من المرجح أن تتمكن حكومة الهند من إحكام الرقابة على كل الوافدين من غرب أفريقيا.

إن الكثافة السكانية في مدن الهند الكبرى قد تصل إلى عشرة آلاف نسمة في كل كيلومتر مربع، وقد نجد نفس المستوى حتى في المدن من الدرجة الثانية والدرجة الثالثة هناك، حيث تتكاثر المناطق العشوائية والفقيرة لاستيعاب الهجرة الواسعة النطاق من المناطق الريفية. والإنفاق على البنية الأساسية للرعاية الصحية هناك غير كافٍ على الإطلاق، الأمر الذي يعني فشلها في مواكبة وتيرة الانفجار السكاني في المناطق الحضرية.

وخارج المدن الكبيرة تعجز أغلب مرافق الرعاية الصحية عن توفير أي شيء يزيد على الرعاية الصحية الأولية. وتُظهِر بيانات البنك الدولي أن الهند لديها حالياً 6.5 أطباء و13 ممرضة وتسعة أسرة في المستشفيات لكل 10 آلاف نسمة، وهذه المستويات أقل من نصف المتوسط العالمي وأدنى كثيرا مما توصي به منظمة الصحة العالمية.

وصول شخص واحد مصاب بالعدوى من غرب أفريقيا إلى الهند، الذي يصبح تتبعه بعد ذلك مستحيلا، قد يؤدي بسهولة إلى انفجار الوباء

مدن الصفيح
ونظراً لهذه العوامل -الكثافة السكانية العالية في المناطق الحضرية، والأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان، ومدن الصفيح حيث مرافق الصرف الصحي بالغة السوء، والبنية الأساسية الهزيلة للرعاية الصحية- فمن السهل أن نتخيل كيف قد ينتشر فيروس الإيبولا بسرعة رهيبة. فوصول شخص واحد مصاب بالعدوى من غرب أفريقيا الذي يصبح تتبعه بعد ذلك مستحيلا، قد يؤدي بسهولة إلى انفجار الوباء.

وتصر حكومة الهند على أنها مستعدة. ولكن مع محدودية الموارد والمعدات وضعف تدريب العاملين في مجال الدعم الطبي خارج المناطق الحضرية الكبرى، يصبح من السهل أن نتخيل إصابة العاملين في مجال الصحة أنفسهم بالمرض، كما تثبت الحالات الأخيرة في مدريد ودالاس، ناهيك عن الحالات في غرب أفريقيا.

ولأن أعراض إيبولا مماثلة لأعراض الملاريا وحمى الضنك وغير ذلك من الأمراض المدارية المتوطنة، فإن العاملين في المجال الطبي قد لا يتحرون الاحتياطات الكافية، أو ما هو أسوأ من ذلك، قد يرسلون المرضى إلى بيوتهم في مرحلة شديدة العدوى من المرض.

تحديات عميقة
والخيارات المتاحة للحكومة محدودة. إذ يواجه نظام الرعاية الصحية تحديات جهازية أشد عمقا ولا يمكن معالجتها بين عشية وضحاها أو أثناء الاستجابة لوباء إيبولا فحسب. وكل ما قد تتمكن السلطات من القيام به هو أن تعمل على تحسين سبل تتبع كل المسافرين القادمين من غرب أفريقيا، تماماً كما بدأت تفعل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

في الظروف المثالية، يتم حجز كل المسافرين القادمين من المنطقة في الحجر الصحي بمجرد وصولهم، ومراقبة الأعراض لمدة ثمانية أيام على الأقل. ولكن هذا لن يكون عادلا، والواقع أن قدرة الحكومة على تنفيذ مثل هذا البرنامج في جميع المطارات والموانئ الدولية في الهند مشكوك فيها إلى حد بعيد.

كما أنه لابد من تنبيه كل المسافرين القادمين من غرب أفريقيا إلى أعراض المرض، وإرشادهم إلى كيفية مراقبة أنفسهم، وتوعيتهم بأهمية طلب المساعدة الطبية عند ظهور أولى علامات المرض. ومن الضروري فضلا عن ذلك تثقيف العاملين في مجال الرعاية الصحية في كل المناطق الحضرية بشأن الفيروس وأعراض الإصابة به، وتدريبهم على التحقق من تاريخ المرضى الطبي وسفرياتهم.

وباء إيبولا الحالي في غرب أفريقيا يعكس خللا أساسيا في التوازن البيئي. فقد انتقل الفيروس الذي كان يصيب خفافيش الفاكهة من قبل إلى البشر، الذين تتعارض أنماط نمو تجمعاتهم وكثافتها مع الدعم الذي قد تتمكن البيئة الطبيعية من تقديمه

خلل أساسي
إن وباء إيبولا الحالي في غرب أفريقيا يعكس خللا أساسيا في التوازن البيئي. فقد انتقل الفيروس الذي كان يصيب خفافيش الفاكهة من قبل إلى البشر، الذين تتعارض أنماط نمو تجمعاتهم وكثافتها مع الدعم الذي قد تتمكن البيئة الطبيعية من تقديمه. والواقع أن هذا الخلل لا تنفرد به غينيا وليبريا وسيراليون.

ورغم أنه من المرجح أن يهبط وباء إيبولا على الهند في المستقبل القريب، فإن الاستجابة الملائمة في حكم الإمكان، كما أثبتت حالة نيجيريا. والواقع أن لاغوس، حيث بذلت السلطات النيجيرية جهوداً استثنائية رائعة لمنع انتشار الفيروس، تشبه إلى حد بعيد المناطق الحضرية الكبرى في الهند. ويتعين على حكومة الهند أن تستفيد من هذه الحقيقة.
_______________
* هيرشاب سانديليا محاضر سياسة جنوب آسيا في جامعة تشارلز في براغ.
** داني شوهام كبير الباحثين لدى مركز بيجين-السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان في إسرائيل.
الكاتبان زميلان زائران لدى معهد دراسات الدفاع والتحليل في نيودلهي، وهذا التعليق يعكس آراء المؤلفين الشخصية وليس آراء معهد دراسات الدفاع والتحليل.

المصدر : بروجيكت سينديكيت