أزمة طرح أرامكو.. ما أسباب تعثر القرار السعودي؟

An Aramco employee walks near an oil tank at Saudi Aramco's Ras Tanura oil refinery and oil terminal in Saudi Arabia May 21, 2018. Picture taken May 21, 2018. REUTERS/Ahmed Jadallah
أرامكو أكبر منتج للنفط في العالم بواقع 10.2 ملايين برميل يوميا (رويترز)

تشكل عملية إدراج شركة أرامكو في الأسواق الدولية العنوان الأبرز لحالة التخبط التي يشهدها القرار الاقتصادي السعودي في ظل ما باتت تعرف بـ "رؤية 2030"، التي يسعى ولي العهد محمد بن سلمان من ورائها لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، حسب مراقبين.

فقد نقلت وكالة رويترز أمس الأربعاء عن أربعة مصادر كبيرة بالصناعة أن الرياض ألغت الطرح المحلي والعالمي لشركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو، وأنه جرى تسريح المستشارين الماليين للإدراج مع تحول اهتمام السعودية صوب استحواذ مقترح على حصة إستراتيجية في مُصنّع البتروكيماويات المحلي الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك).

وبعد ساعات من ذلك، جاء النفي من جانب وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، لكن هذا النفي نفسه لم يكن واضحا بما يكفي ليبدد الغموض بشأن عملية إدراج كانت ستعد الأضخم من نوعها في التاريخ، كما يقول مراقبون.

ذلك أن هذه العملية -حسب الفالح- ستتم وفق "الظروف الملائمة وفي الوقت المناسب الذي تختاره الحكومة"، وتوقيتها سيتوقف على عوامل من بينها مناسبة السوق لتنفيذ هذه العملية وعملية استحواذ محتملة في شركة سابك خلال الأشهر القليلة القادمة.

‪محمد بن سلمان كان يرغب في الحصول على مئة مليار دولار من إدراج 5% من شركة أرامكو بالأسواق‬ محمد بن سلمان كان يرغب في الحصول على مئة مليار دولار من إدراج 5% من شركة أرامكو بالأسواق (رويترز)
‪محمد بن سلمان كان يرغب في الحصول على مئة مليار دولار من إدراج 5% من شركة أرامكو بالأسواق‬ محمد بن سلمان كان يرغب في الحصول على مئة مليار دولار من إدراج 5% من شركة أرامكو بالأسواق (رويترز)

ارتباك وغموض
تصريحات الفالح لا تعدو أن تكون تكرارا لما ذكره عدد من المسؤولين منذ أن أعلن محمد بن سلمان عن نيته لإدراج 5% من أسهم أرامكو بالأسواق العالمية، وذلك قبل نحو عامين، ليجني منها مئة مليار دولار لدعم "رؤية 2030".

فقد قال الرئيس التنفيذي لأرامكو أمين الناصر في مارس/آذار الماضي إن جميع الأعمال المطلوبة من شركة أرامكو لطرحها ستتم خلال النصف الثاني من 2018، قبل أن تنقل صحيفة فايننشال تايمز أن مسؤولين سعوديين قالوا لنظرائهم البريطانيين إنه من المرجح تأجيل هذا الطرح العام الأولي حتى 2019.

لكن الناصر هو نفسه عاد في يوليو/تموز الماضي ليقول إن الصفقة المحتملة لشراء حصة في "سابك" ستؤثر على توقيت الطرح الأولي لأرامكو.

وتعليقا على نفي وزير الطاقة السعودي، قال المتخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي خالد الخاطر للجزيرة نت إن تصريحات الفالح "استمرار لسياسة عدم الوضوح، وعنوان بارز على ارتباك القرار السعودي، وغموض واضح بشأن مصير إدراج أرامكو".

ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مصدر قريب من العملية قوله إن تركيز أرامكو ينصب حاليا على شراء حصة إستراتيجية في "سابك"، مما سيؤدي إلى مزيد من التأخير وليس الإلغاء لإدراج 5% من أسهم عملاق النفط السعودي.

بيد أن مصدرا سعوديا مطلعا أكد لرويترز أن "قرار إلغاء الطرح اتُخذ منذ فترة، لكنه لا أحد يستطيع الكشف عن ذلك، لذا تمضي التصريحات تدريجيا في ذلك الاتجاه.. أولا التأجيل ثم الإلغاء".

‪الفالح سبق أن عبر عن تخوفه من إدراج أرامكو في بورصة نيويورك‬ الفالح سبق أن عبر عن تخوفه من إدراج أرامكو في بورصة نيويورك (رويترز)
‪الفالح سبق أن عبر عن تخوفه من إدراج أرامكو في بورصة نيويورك‬ الفالح سبق أن عبر عن تخوفه من إدراج أرامكو في بورصة نيويورك (رويترز)

أسباب الإلغاء
ويعتقد خالد الخاطر بأن القول إن تركيز أرامكو حاليا على شراء حصة في "سابك" هو ما قد يكون وراء التأجيل أو الإلغاء؛ "أمر غير صحيح، بل عذر يخفي وراءه الأسباب الحقيقية وراء التراجع عن الإدراج".

ويرى الخاطر أن التراجع عن خطة طرح أسهم أرامكو في الأسواق يعود لعاملين: الأول جيو اقتصادي، والثاني اقتصادي بحث.

ويقول للجزيرة نت إن العامل الأول ربما تعلق بما قد تشكله هذه العملية من مخاطر وتهديد للأمن الاقتصادي القوي للسعودية، وهو ما نبّه إليه عدد من المسؤولين.

ويضيف أن "بيع أرامكو هو بمثابة بيع للسعودية"، وحتى إذا كان طرح نسبة 5% في الأسواق تبدو قليلة -حسب الخاطر- فإن لها تأثيرا على الأمن القومي لأنها يمكن أن تدخل الرياض مستقبلا في تعقيدات هي في غنى عنها، على غرار قانون جاستا الذي يمكن أن يستغل من قبل أية جهة متضررة لرفع قضايا في المستقبل؛ مما سيكون له تأثير سلبي على الشركة والمملكة.

ويذهب الخاطر إلى أن طرح أسهم أرامكو للمستثمرين الأجانب سيتيح لهم الاطلاع على معلومات قد تكون غاية في الحساسية للأمن الاقتصادي القومي للسعودية، كخطط الاستثمار والإنتاج وحجم الاحتياطات.

وكانت مصادر أبلغت رويترز من قبل أن خلافات بين المسؤولين السعوديين ومستشاريهم بشأن موقع الإدراج العالمي قد أبطأت تحضيرات الطرح الأولي.

وسبق لوزير الطاقة السعودي أن عبر –في مارس/آذار الماضي- عن تخوف السعودية بشأن المخاطر التي قد تواجه شركة أرامكو إذا اختارت بورصة نيويورك كموقع للطرح الأولي، بالنظر إلى ما قد يطرح من إشكالات على صعيد التقاضي، بينما تحدث بإيجابية عن بورصة لندن التي قال إنها محكومة بقواعد تنظيمية جيدة.

وقال موقع "مديل إيست آي" البريطاني في يوليو/تموز الماضي إن ولي العهد محمد بن سلمان قاطع وزير الطاقة خالد الفالح لمدة شهر بعدما عبر عن رأيه في موضوع إدراج أرامكو، معتبرا أن طرح أسهم أرامكو لن يكون في مصلحة اقتصاد البلاد.

تقييم مبالغ فيه
وفي ما يتعلق بالعامل الاقتصادي، فإن الخبير النقدي خالد الخاطر أكد مجددا أنه كان هناك تقييم مبالغ فيه لأسهم شركة أرامكو عند وضع الخطة، ليتضح في ما بعد أنه لا يمكن الحصول سوى على نصف المبلغ المستهدف من عملية إدراج 5%، أي خمسين مليار دولار وليس مئة مليار دولار كما كان مخططا له.

وكان ابن سلمان يأمل في جمع مئة مليار دولار من طرح 5% من أسهم أرامكو التي قدرت قيمتها وقتها بتريليوني دولار، لكن محللين ذهبوا -حسب ما أوردته بلومبيرغ- إلى أن قيمة أرامكو أقل من ذلك بكثير.

كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الخميس عن خبراء قولهم إن التردد والتأخير يعود إلى عدم قدرة أرامكو على توليد تقييم بقيمة تريليوني دولار سعى إليه ولي العهد، إلى جانب المخاوف القانونية من أن الطرح العام الأولي قد يستدعي تدقيقا غير مسبوق للشركة.

وفي تصريح سابق، قال الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول في شركة فورترس مصطفى فهمي إن تقييم أرامكو بتريليوني دولار "مبالغ فيه".

وبلغ معدل إنتاج أرامكو -أكبر منتج للخام في العالم- من النفط الخام 10.2 ملايين برميل يوميا، بما في ذلك المكثفات، وتم تصدير 6.9 ملايين برميل يوميا منها للخارج، وفق التقرير السنوي للشركة لعام 2017.

تصدع
يتحدث خالد الخاطر أيضا عن أن الأداء الضعيف والمخيب للآمال للاقتصاد السعودي، سواء من جهة معدلات النمو أو عجز الموازنة مع استمرار الاستنزاف في اليمن، قد يكون أثر على الإقبال على أسهم أرامكو.

ويخلص إلى أن "قرار طرح أرامكو كان خطأ فادحا، وأن التراجع عنه يعد بمثابة قرار تصحيحي".

ويعتقد الخاطر بأن السعودية عانت خلال الفترات الأخيرة من التخبط والعشوائية في القرارين الاقتصادي والسياسي على حد سواء، فقد "رأينا التصدع في العلاقات مع الدول المؤثرة، وكان آخرها كندا وقبلها ألمانيا، بالإضافة إلى عدم الوضوح والتردد في طرح أرامكو".

وهذه لا شك عوامل تثير قلق المستثمرين -يضيف الخاطر- وتضعف الثقة والمصداقية في الاقتصاد السعودي وفي صانع القرار وفي قابلية السياسات الاقتصادية للاستدامة والاستمرار، وهذا مهم جدا لخلق مناخ جاذب للاستثمارات.

وتشير التقديرات إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر بالسعودية انخفض إلى 1.4 مليار دولار عام 2017، بعد أن بلغ 7.4 مليارات دولار في 2016.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية