مشكلات موازنة مصر بلا حل

الكاتب عبد الحافظ الصاوي "ينتظر المواطن المصري في أول يوليو/تموز من كل عام ما ستحمله له الموازنة من ارتفاع في الأسعار للسلع والخدمات وتقليص الدعم أو فرض للضرائب"

عبد الحافظ الصاوي

ظل المواطن المصري حتى الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 ينظر للحديث عن الموازنة العامة للدولة على أنه حديث لا يعنيه، حيث لا يلمس شيئا من تلك الأرقام المبهمة والمتزايدة بشكل سنوي، بينما يعاني هو الفقر والفاقة ومزيدا من البطالة وغياب الأمل في غد يحمل آفاقا إيجابية لأبنائه.

ومع تولي حكومات الانقلاب العسكري، زاد اهتمام المواطن المصري بأمر الموازنة العامة، ولكن في صورة سلبية، حيث ينتظر في أول يوليو/تموز من كل عام ما ستحمله له الموازنة من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، أو تقليص الدعم، أو فرض الضرائب.

وبدأ المارثون الإعلامي في مصر منذ أيام قليلة للترويج لتقديرات الموازنة العامة للدولة لعام 2018-2019، وهي تقديرات لا تعكس الواقع المعيش لا على مستوى حياة المواطن ولا الأداء للمؤشرات الاقتصادية الواردة بالموازنة.

ولعل أبرز المؤشرات التي تكشف عن سوء أداء الموازنة، مؤشر نسبة عجز الموازنة للناتج المحلي الإجمالي، حيث أعلنت الحكومة في بيانها المالي خلال الفترة من 2013-2014 وحتى 2016-2017، عن نسبةٍ للعجز من الناتج المحلي أقل من المتحقق.

وذلك على الرغم من تلقي الحكومة العديد من المساعدات الخارجية، خلال الفترة المشار إليها وتوسعها بشكل غير مسبوق في الدين العام (المحلي والخارجي)، حيث بلغ الدين المحلي 3.16 تريليونات جنيه في يونيو/حزيران 2017، كما وصل الدين الخارجي لنحو ثمانين مليار دولار في التاريخ نفسه، وهو ما يظهر الحكومة في موقف من لا يحسن التقدير أو من يسيء إدارة الموارد المالية للبلاد.

‪مصر تنوي إدراج 23 شركة ومؤسسة بالبورصة‬ (رويترز)
‪مصر تنوي إدراج 23 شركة ومؤسسة بالبورصة‬ (رويترز)

تقديرات بخلاف الواقع
صرح رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل الأحد الماضي في 18 مارس/آذار 2018، في إطار استعراض حكومته لمشروع الموازنة للعام المالي 2018-2019 قبل إحالتها لمجلس النواب، بأن عجز الموازنة سيكون بحدود ما نسبته 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة لا تتوافق والمقدرات المالية والاقتصادية للحكومة المصرية.

وحتى يكون المواطن المصري وقارئ الجزيرة نت على بينة من مبالغة الحكومة في محاولة تحسين وجهها عبر بيانات غير حقيقية، نعرض البيانات الخاصة بعجز الموازنة على مدار الفترة 2013-2014 وحتى 2016-2017، معتمدين في ذلك على بيانات الحكومة المصرية نفسها.

العجز الكلي كنسبة من الناتج المحلي

بيان

2013-2014

2014-2015

2015-2016

2016-2017

نسبة العجز المستهدف

9.6

10

8.9

9.8

نسبة العجز الفعلي

12

11.4

12.5

10.9

قيمة العجز بالمليار جنيه

255

279

339

379

المصدر: وزارة المالية، والبيان المالي للموازنة العامة للدولة سنوات 2013-2014  وحتى 2016-2017، والبيان المالي الشهري لوزارة المالية عن ديسمبر/كانون الأول 2017.

ويلاحظ من الجدول أن العجز المستهدف أقل من الفعلي بشكل يعكس دلالتين سلبيتين: الأولى سوء التقدير من قبل معدي الموازنة، والثاني عدم نجاح الحكومة في إدارة ما توفر لها من موارد مالية، وما فرض عليها من نفقات عامة.

والملاحظة الثانية أن العجز الفعلي، وإن كان قد شهد انخفاضا كنسبة من الناتج في 2016-2017 إلى 10.9%، مقارنة بما كان عليه في 2013-2014 عند نسبة 12%، فإنه ارتفع من حيث القيمة، فوصل في 2016-2017 إلى 379 مليار جنيه، بعد أن كان 255 مليار جنيه في 2013-2014.

ونخلص من ذلك إلى أن حديث رئيس الوزراء عن انخفاض عجز الموازنة في 2018-2019 سيصل إلى 8.5% من الناتج المحلي هو ضرب من الخيال، ينفيه فشل الحكومة في تجاوزها نسبة العجز المستهدفة خلال السنوات الماضية، ولا تبشر به إمكانيات مصر الاقتصادية في ظل أزمتها التمويلية.

المارثون الإعلامي في مصر بدأ منذ أيام قليلة للترويج لتقديرات الموازنة العامة للدولة لعام 2018-2019، وهي تقديرات لا تعكس الواقع المعيش لا على مستوى حياة المواطن ولا الأداء للمؤشرات الاقتصادية الواردة بالموازنة

مضار الخصخصة
تظل مشكلة قلة الإيرادات بالموازنة العامة للدولة واحدة من المشكلات المؤرقة لصناع السياسة المالية، بسبب ضعف أداء النشاط الاقتصادي.

وحسب تقديرات رئيس الوزراء، فإن النفقات بالموازنة تقدر بنحو 1.4 تريليون جنيه مصري، بينما تبلغ الإيرادات المقدرة نحو 980 مليار جنيه، بعجز قدره نحو 432 مليار.

وتعكس هذه الأرقام استهداف الحكومة زيادة الإيرادات للعام المالي 2018-2019 بنحو 146 مليار جنيه، مقارنة بإيرادات كانت مستهدفة في 2017-2018 بنحو 834 مليار جنيه.

أي أن هناك أعباء مالية سوف يتحملها المواطن بنحو 146 مليار جنيه، سيكون مصدرها الضرائب وإلغاء أجزاء من الدعم، وبعض عوائد برنامج الخصخصة الذي أعلن عنه وزير المالية عمرو الجارحي خلال الأيام القليلة الماضية، الذي يتضمن طرح 23 شركة ومؤسسة عامة للبيع في البورصة، ويتوقع أن تحصل الحكومة على نحو ثمانين مليار جنيه من هذا البرنامج على مدار عامين.

ولآليتي الضرائب وتخفيض الدعم مردود سلبي مباشر على المواطن الذي لم يتحسن دخله على مدار السنوات الماضية بما يتناسب مع زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، ولذلك فأي إجراء مصاحب لموازنة 2018-2019 يرتبط بزيادة الضرائب أو تخفيض الدعم سيلقى سخط رجل الشارع.

أما الآلية الثالثة، وهي الاستفادة بجزء من عوائد برنامج الخصخصة، فهي آلية غير مستمرة كمصدر للإيراد العام، وتنتهي بعملية البيع.

وقد جربت الحكومة المصرية من قبل الاستفادة من عوائد الخصخصة لبيع ما يصل إلى 350 مشروعا اقتصاديا، وكانت المحصلة خمسين مليار جنيه، ذهب ثلثها للموازنة العامة للدولة، دون أن يكون لها أي أثر إيجابي.

وسيكون هناك تأثير من عدة وجوه لبيع شركات برنامج الخصخصة على الموازنة العامة للدولة، من حيث إن البرنامج سيستغرق سنتين وقد يمتد لثلاث سنوات، وبالتالي إذا نجحت الحكومة في تحصيل القيمة المقدرة بثمانين مليار جنيه، فستستفيد الموازنة بجزء من هذه الأموال لمرة واحدة فقط، وستصرف باقي الحصيلة في إعادة هيكلة مؤسسات وشركات عامة أخرى، وكذلك سداد جزء من الدين العام.

والأمر الثاني أن كافة الشركات المطروحة في برنامج الخصخصة هي مؤسسات وشركات تحقق أرباح، ويؤول فائض أرباحها للموازنة العامة للدولة، وبعد بيعها سيكون ذلك خصما من أرباح شركات المؤسسات العامة وقطاع الأعمال العام التي تؤول للموازنة العامة.

دخل المواطن المصري لم يتحسن بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار (الجزيرة)
دخل المواطن المصري لم يتحسن بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار (الجزيرة)

وثمة ملاحظة مهمة في ما يتعلق ببرنامج الخصخصة المصري، وهي استحواذ القطاع الخاص الأجنبي على أهم المؤسسات والشركات التي تم بيعها سواء كانت للقطاع العام أو الخاص، ووضح ذلك في قطاع الإسمنت والاتصالات والصناعات الغذائية والأدوية والخدمات المالية والصحية.

وحسب بيانات التقرير المالي الشهري لوزارة المالية في ديسمبر/كانون الأول 2017، فقد بلغت مدفوعات مصر لأرباح الشركات الأجنبية العاملة على أراضيها خلال الفترة 2013-2014 حتى 2016-2017 نحو 23 مليار دولار؛ أي أن الأجانب هم المستفيدون بشكل رئيسي من برنامج الخصخصة.

وبنظرة سريعة لقائمة الشركات والمؤسسات العامة التي ستطرحها الحكومة المصرية خلال الشهور القادمة، نجد أنها تتضمن كيانات لها واقعها على اعتبارات الأمن الاقتصادي المصري، مثل شركة التأمين وشركات البترول والبنوك، وهو ما يعني أن الحكومة تتخلى بشكل كبير عن دورها في توفير الأمن الاقتصادي للبلاد.

علة دائمة
تظل علة الموازنة العامة بمصر دائمة لطبيعة تكونها الاستهلاكي، فهي تتضمن نفقات حتمية جارية بين الأجور وسداد الديون وفوائدها وأجزاء من الدعم، ونفقات الدفاع والأمن، ليتبقى جزء يسير لا يتجاوز 7% للاستثمار في مشروعات البنية الأساسية والصيانة، ومردودها الاقتصادي طويل الأجل.

وحسب التقديرات المنشورة عن موازنة عام 2018-2019 فإن فوائد الديون ستصل إلى 540 مليار جنيه، وهو ما يمثل 55% من الإيرادات العامة، ونحو 38% من النفقات، بينما الاستثمارات العامة ستكون بحدود مئة مليار جنيه فقط، وهو ما يعادل 7% فقط من إجمالي الإنفاق العام البالغ 1.4 تريليون جنيه.

ووصلت الموازنة العامة لهذه الحالة المتأزمة بسبب السياسات الاقتصادية التي اتبعت منذ 1991-1992، والتي ركزت على الخروج شبه التام للدولة من نشاط الإنتاج، وعدم وجود برنامج جاد لإصلاح مؤسسات القطاع العام والجهاز الحكومي، وكذلك إلقاء تبعات التنمية على قطاع خاص ضعيف وغير مؤهل للقيام بهذا الدور، فزادت فاتورة اعتماد الاقتصاد المصري على الخارج.

ما تُخشى عواقبه في سلوك الحكومة تجاه الحلول التي تقدمها لعلاج الموازنة العامة للدولة أن تستمر سياساتها الضعيفة التي لا تعتمد على حسن توظيف الموارد، وتمضي في دوامة الديون والخصخصة، حتى تصل البلاد لمرحلة اللارجعة، وتوريط الأجيال القادمة في التزامات لا قبل لهم بها على الأجل الطويل.

المصدر : الجزيرة