في الكويت.. الشعب يريد إسقاط القروض

صور اخرى من داخل المؤسسة العامة للرعاية السكنية
مواطنون كويتيون داخل المؤسسة العامة للرعاية السكنية في انتظار دورهم بقرعة أحد المشاريع الإسكانية (الجزيرة نت)

محمود الكفراوي-الكويت

خارج مبنى المؤسسة العامة للرعاية السكنية بالكويت يحاول المواطن "أبو محمد" تمضية وقت انتظاره في قرعة أحد المشاريع الإسكانية بتدخين السجائر، لكن ملامح وجهه تتغير حين سألناه عن رأيه في إسقاط القروض ويرد مسرعا قائلا "معها على طول الخط.. فهي باتت مطلبا شعبيا وربما شرعيا في ظل ما نشاهده من مشاكل مرتبطة بها من بينها التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق وشيوع الجريمة".

يضرب الرجل مثالا بوضعه الشخصي، إذ يبلغ إجمالي قروضه 13 ألف دينار تستقطع من راتبه 180 دينارا شهريا التزامات مرتبطة بها، وهو مبلغ يراه كبيرا بالنظر إلى تدني الأجور من وجهة نظره كون 75% من المواطنين تتراوح رواتبهم بين 1100 و1200 دينار (نحو 4000 دولار).

في هذه الأيام بالكويت، لا صوت يعلو على صوت المطالب الشعبية بإسقاط القروض عن المواطنين، وهو أمر دفع مؤيدي الفكرة للإعلان عن تدشين حملة رسمية باسم "حملة إسقاط القروض" على مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة للتعبير عن مطالبهم.

وعلى مدى الأيام العشرة الأخيرة تزايدت وتيرة المطالبات وتضاعف التفاعل مع الحملة شعبيا، وبات من المألوف أن يطالع رواد تويتر يوميا وسما جديدا مرتبطا بالأزمة مثل: #اسقاط_القروض_مطلب_شعبي أو #القروض_دمار_وضيقة أو غيرهما من الوسوم التي تظل محافظة على تصدرها قائمة الأكثر تفاعلا حتى يتم اللجوء لوسم جديد.

ويبرر القائمون على الحملة تغيير الوسوم بوجود تدخلات من جهات لم يفصحوا عنها تحاول التأثير على تصدرها، وهو ما يدفعهم لاستخدام وسوم أخرى.

وتقدر البيانات الحكومية حجم القروض المستحقة على المواطنين بما يزيد عن مليار دينار (نحو 3.30 مليارات دولار) بينما تشير إحصاءات وزارة العدل إلى صدور منع سفر بحق آلاف المواطنين على خلفية تعثرهم في سداد ديونهم.
 
ويتفق المواطن طلال الدهام مع وجهة النظر السابقة، مؤكدا أن الديون ورطة يعيش فيها هو وغيره من المواطنين ممن حصلوا على قروض متنوعة منها ما كان للزواج أو تأثيث المنزل أو لاقتناء سيارة.

ويرى الدهام أن إسقاط القروض ينبغي أن يواكبه وضع ضوابط تمنع منح أخرى جديدة للمستفيدين لبضع سنوات، وتحدد كذلك سقفا للقروض التي يحصلون عليها مستقبلا.

يرى معارضو الإسقاط أنه يمثل نهجا كارثيا بمكافأة غير الملتزمين عبر إسقاط قروضهم(الجزيرة نت)
يرى معارضو الإسقاط أنه يمثل نهجا كارثيا بمكافأة غير الملتزمين عبر إسقاط قروضهم(الجزيرة نت)

ويؤكد المواطن علي ملا حسين أنه لا بديل عن إسقاط قروضه البالغة 14 ألف دينار اضطر إليها لترميم بيت والده الذي يقطن فيه حاليا.

يحصل الرجل على نحو 850 دينارا نظير عمله في وزارة الصحة، يدفع منها 189 دينارا أقساطا للقروض، وعليه بعد ذلك أن يعيش هو وزوجته وطفلاه بالمبلغ المتبقي، وهو أمر يراه شديد الصعوبة ولا سيما أنه على وشك الحصول على قرض آخر لبناء مسكنه الذي اقترب تخصيصه له من الدولة وفق القوانين المعمول بها.

نيابيا، تقدم البرلماني في مجلس الأمة ماجد المطيري بمقترح يقضي بسن قانون يسمح بإسقاط القروض التي تثقل كاهل نحو 25% من أبناء الشعب الكويتي، مؤكدا أن المقترح المقدم منه لن يحمل الخزينة العامة أي أعباء نتيجة إسقاطها.

وفي حديث مع الجزيرة نت أكد المطيري أن بعض المواطنين يظلون في دوامة سداد قروضهم حتى بلوغهم عامهم السبعين وهو أمر غير مقبول ما يجعل من إسقاطها مطلبا مستحقا وشعبيا، خاصة وأنه لا يخلو بيت كويتي من وجود مقترض.

ويضيف أن فكرة المقترح تعتمد على قيام البنوك بحصر جميع القروض المستحقة وتزويد البنك المركزي بها ليقوم بدوره نيابة عن الدولة بإيداع تلك المبالغ لدى البنوك على هيئة ودائع طويلة الأجل تتولى إدارتها لتحصيل قيمة القروض التي تم إسقاطها من فوائد وأرباح الوديعة التي تؤول للدولة في نهاية المطاف.

ويشدد المطيري على أن الإسقاط مرهون بوضع ضوابط يمنع بموجبها إقراض من يتم إسقاط ديونهم لعدة سنوات تالية، مشيرا إلى أن إسقاط الديون من شأنه إنعاش السوق المحلي وبالتالي العودة بالنفع على المواطن والدولة معا.

معارضة لإسقاط الديون
في المقابل يرى معارضو الإسقاط أنه يمثل نهجا كارثيا يتم خلاله مكافأة غير الملتزمين عبر إسقاط قروضهم ومعاقبة الملتزمين بالسداد أو هؤلاء الذين لا يعتمدون على الاقتراض في شؤون حياتهم، ما يخلق منظومة من القيم تشجع على الاقتراض والاتكالية.

النائب ماجد المطيري قدم مقترحا يقضي بسن قانون يسمح بإسقاط القروض(الجزيرة نت)
النائب ماجد المطيري قدم مقترحا يقضي بسن قانون يسمح بإسقاط القروض(الجزيرة نت)

ويرى رافضو الإسقاط أن الهدف من تبني البعض لهذا التوجه سواء من داخل الحكومة أو البرلمان هو كسب الرأي العام عبر تمرير مقترحات شعبوية تأتي على حساب الأجيال المقبلة.

وحسب الإحصاءات الحكومية ارتفع الإنفاق العام من 4 مليارات دينار (نحو 13.5 مليار دولار) عام 2000 إلى 21.5 مليار دينار حاليا، منها 11 مليارا رواتب وأجور و4 مليارات لأنواع الدعم المختلفة.

وينتظر سوق العمل الكويتي نحو 400 ألف خريج جديد من الآن حتى عام 2032، وهو رقم يستبعد المختصون قدرة القطاع الحكومي على استيعابه، مؤكدين أن الدولة لن تكون قادرة على تدبير رواتب هذا العدد، مما يجعل التفكير في أمر الأجيال القادمة أولوية ينبغي التركيز عليها.

الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون يؤكد أن جذور هذا السلوك تعود إلى أزمة المناخ في فترة ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان أكبر اثنين من المدينين فيها من كبار المسؤولين لذا استطاعا تطويع القوانين لخدمة مصالحهم الشخصية للاستفادة من إسقاط القروض.

ويذكر السعدون للجزيرة نت أن الحكومة استمرت بعد ذلك على نفس الطريق، فظهر صندوق المتعثرين ومن بعده صندوق الأسرة مرورا بقانون إعفاء غير القادرين، وهو ما خلق بيئة عامة الأصل فيها مكافأة غير الملتزم، وبالتالي أصبحنا أمام منظومة قيم تشجع على الاقتراض.

ويرى أن قرار البنك المركزي الصادر أخيرا بشأن زيادة الحد الأقصى للقروض الاستهلاكية من 15 ألف دينار (نحو 50 ألف دولار) إلى 25 ألفا هو تطبيق عملي لهذا الانفلات.

المصدر : الجزيرة