الجزائر.. المصارف الإسلامية حل اقتصادي أم ضرورة شرعية؟

مصرف السلام
مدير مصرف السلام: المعاملات البنكية للبنوك الإسلامية في الجزائر لا تتجاوز حصتها 2% (الجزيرة)

إسلام عبد الحي

يجلس أحمد داخل مصرف السلام في قلب العاصمة الجزائرية حاملا تذكرة "رقم 43" منتظرا دوره ومنهمكا في قراءة مجموعة من المنشورات تعرض مختلف المنتوجات التي يقدمها المصرف، يقرأ بتركيز تام حتى داهمه صوت "رقم 43 شباك 2".

الشاب أحمد (38 سنة) محاسب في مؤسسة حكومية يرغب في شراء سيارة، لكن المبلغ الذي بحوزته لا يحقق رغبته نظرا للارتفاع الكبير في أسعار السيارات بعد قرار الحكومة الجزائرية منع استيرادها، فلم يجد سبيلا إلا اللجوء إلى "بنك إسلامي".

ويرجع أحمد سبب اختياره مصرف السلام إلى "مراعاة البنوك الإسلامية للأحكام الشرعية في التعاملات المالية واحتساب الأرباح بعيدا عن الوقوع في مخالفة الفوائد الربوية المحرمة بنصوص الشريعة، عكس ما هو متداول في البنوك التقليدية".

عقبات البنوك الإسلامية
وترجع أول محاولة لتأسيس بنك إسلامي في الجزائر إلى ثلاثينيات القرن الماضي بمبادرة من الشيخ أبي اليقظان عندما تقدم بعض كبار التجار والأثرياء الجزائريين بطلب الترخيص لتأسيس مصرف إسلامي جزائري، لكن السلطات الفرنسية آنذاك رفضت الطلب.

واعتمدت الجزائر المستقلة أول بنك إسلامي عام 1991، وهو بنك البركة الجزائري برأسمال نصفه من القطاع الخاص الأجنبي، ثم تلاه عام 2008 مصرف السلام الجزائري، وقبل عامين أقبلت بعض البنوك التقليدية على فتح نوافذ تقدم خدمات مصرفية إسلامية.

ويؤكد المدير العام لمصرف السلام ناصر حيدر للجزيرة نت أن موقع القطاع البنكي الإسلامي في الجزائر لا يزال متواضعا.

وأِشار إلى أن "المعاملات البنكية لهذا القطاع لا تتجاوز حصتها 2% من إجمالي السوق البنكي بالبلاد التي تستحوذ عليها البنوك الحكومية، و16% من القطاع البنكي الخاص الذي يضم 220 بنكا ومؤسسة مالية خاصة".

ويعزو ناصر تواضع حصة هذه البنوك لأسباب عدة، أهمها عدم وجود فروع لها في كافة مراكز النشاط بالبلاد، كما أن التعامل مع هذه البنوك يخضع لشروط وآليات قد تصعب على المتعاملين التجاوب معها، ولا سيما في مجال التمويل.

‪‬ حيدر: القطاع البنكي الإسلامي في الجزائر لا يزال متواضعا(الجزيرة)
‪‬ حيدر: القطاع البنكي الإسلامي في الجزائر لا يزال متواضعا(الجزيرة)

 توقعات بالنمو
وبعد نحو نصف ساعة خرج أحمد من المصرف مبتسما وكله أمل في تحقيق حلمه، وقال للجزيرة نت "إن حلم اقتنائي سيارة سيتحقق بعد أسبوعين على أقصى تقدير، وذلك بعد اختياري نوع السيارة ولم يبق إلا دفع جزء من التكلفة الإجمالية، والمبلغ المتبقي يقتطعه المصرف من أجرتي الشهرية (30%) لمدة خمس سنوات".

وعلى الرغم من أن حصة البنوك الإسلامية ضئيلة في السوق الجزائري فإن ناصر حيدر يتوقع نموها، ويؤكد أن نسبة نمو هذا القطاع أكبر من نسبة متوسط نمو القطاع البنكي الإجمالي، لأن الديناميكية التي يتمتع بها هذا القطاع الناشئ تسمح له بحضور أفضل في السوق من خلال تقديم منتجات بديلة تلبي احتياجات الجزائريين.

ويرى المختص في المالية صالح صالحي أن السوق المصرفي الجزائري واعد جدا، و"أكاد أقول إنها سوق بكر لأن نسبة الاستثمارات الأجنبية لا تزال ضعيفة جدا مقارنة بالإمكانيات والقدرات التي تزخر بها".

 وأضاف أن الجزائر مؤهلة لأن تكون المركز الرئيسي للمصرفية الإسلامية في المنطقة، وإن كانت قد تخلفت خطوات عن جيرانها نظرا لضعف عملية التسويق إلا أنه "في الحقيقة السوق الجزائري أعمق وأشمل وأكبر من الدول المجاورة مجتمعة".

‪(‬ صالح صالحي: السوق المصرفي الجزائري واعد جداالجزيرة)
‪(‬ صالح صالحي: السوق المصرفي الجزائري واعد جداالجزيرة)

التشريع يعيق انتشارها
وتتزايد المطالب بضرورة توسيع نشاط البنوك الإسلامية في الجزائر للاستفادة قدر الإمكان من خدماتها في عمليات الادخار والقروض وتمويل المشاريع، لكن ثمة عوائق إدارية تعترض إيجادها فعليا في السوق البنكي.

وبرأي محمد بوجلال الخبير في الصيرفة الإسلامية وعضو المجلس الإسلامي الأعلى فإن "قانون القرض والنقد الحالي لا يتسع لاحتضان المؤسسات المالية الإسلامية، ولهذا قام المجلس الإسلامي الأعلى بإعداد مشروع تعديل لقانون البنوك".

ويقترح العياشي فداد أستاذ اقتصاد وعضو مجموعة البنك الإسلامي الأعلى على الجهات المختصة "منح رخص للمصارف الإسلامية لمزاولة نشاطها وفق أحكام الشريعة، وتطبيق الرقابة الشرعية على هذه المصارف، كما ينبغي إضافة صيغ التمويل الإسلامي الجديدة مثل المرابحة وغيرها".

وفي وقت فشلت الحكومات الجزائرية السابقة في جلب الأموال المتداولة في السوق الموازية والمكتنزة في البيوت عبر عملية الالتزام الطوعي والقرض السندي أطلقت حملة جديدة من خلال فتح المجال للبنوك العمومية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية بالموازاة مع مواصلة التعامل بالطريقة الكلاسيكية، لتشجيع أصحاب الأموال على التعامل مع البنوك وفتح الحسابات والأرصدة المصرفية، دون الوقوع في المحاضر الشرعية واختلاط أموالهم بالفوائد الربوية.

المصدر : الجزيرة