وديعة السعودية المشروطة تفشل في إنقاذ الريال اليمني

الريال اليمني يفقد 40% من قيمته منذ منتصف يوليو الماضي (لجزيرة نت)
الريال اليمني فقد 40% من قيمته منذ منتصف يوليو/تموز الماضي (الجزيرة)

الجزيرة نت-خاص

في مطلع العام الجاري، أعلنت السعودية تقديم ملياري دولار وديعة نقدية للبنك المركزي اليمني لإنقاذ الريال اليمني من التدهور، وخلافا لما كان يُعتقد حينذاك فإن الريال اليمني فقد 40% من قيمته منذ منتصف يوليو/تموز الماضي وهوى إلى أدنى مستوياته بسعر 800 ريال للدولار.

واعتقد اليمنيون للمرة الأولى أن تلك الوديعة منحة مالية قدمتها "الشقيقة الكبرى"، وهي التي تقود حربا في بلادهم منذ مارس/آذار 2015، ألقت بظلالها على الاقتصاد اليمني وتوقف معها تصدير النفط والغاز الذي يمثل 70% من ميزانية البلاد.

يقول عمار صالح -وهو مجوهراتي في العاصمة صنعاء تضرر كثيرا من انهيار الريال- إن الوديعة السعودية لم تنقذ الاقتصاد اليمني المنهار.

وأضاف "منحوا مصر أكثر من 12 مليار دولار وهي تعيش في وضع شبه طبيعي، وفي بلادنا أشعلوها حربا مدمرة وحتى اليوم لم يقدموا لنا إلا الفتات، عدا وديعة سعودية ما تزال لديهم".

وديعة مشروطة
ورغم مرور تسعة أشهر على إعلان الوديعة السعودية فإن صندوق النقد العربي السعودي وضع اشتراطات كبيرة على الجانب اليمني للاستفادة منها، أولها أنها لن تحوّل إلى حسابات المركزي اليمني ولن تكن متاحة له، وفق مصدر مالي في البنك.

وأفاد المصدر في حديث للجزيرة نت بأن الوديعة ما تزال لدى السعوديين الذين خصصوها لدعم البنك في تغطية احتياجاته من توفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية فقط، وعبر البنك الأهلي السعودي، وغير ذلك لا يسمح للبنك بصرف تلك الأموال.

وأوضح -مفضّلا عدم كشف هويته- "حينما تم الإعلان عن الوديعة كان يعتقد أنها ستكون أموالا في حساب البنك المركزي اليمني، لكن الأشقاء في السعودية وضعوا مصارف محددة لها، وهذا ما سبب إحباطا كبيرا لنا بعد أن عوّلنا كثيراً على تلك الوديعة".

وأشار المصدر إلى أن البنك بحاجة إلى نحو ستة مليارات دولار تضخ في حساباته، ليتمكن من خلالها إعادة ضبط السوق المصرفي في اليمن، الذي يسيطر عليه حاليا المضاربون بالعملة في السوق السوداء.

‪رئيس الحكومة اليمنية طالب السلطات السعودية بتسهيل استخدام الوديعة‬  رئيس الحكومة اليمنية طالب السلطات السعودية بتسهيل استخدام الوديعة (الصحافة اليمنية)
‪رئيس الحكومة اليمنية طالب السلطات السعودية بتسهيل استخدام الوديعة‬  رئيس الحكومة اليمنية طالب السلطات السعودية بتسهيل استخدام الوديعة (الصحافة اليمنية)

آلية الاستفادة صعبة
وعلاوة على حصر السعوديين الاستفادة من الوديعة في توفير الدولار للتجار الذين يستوردون السلع الأساسية (الدقيق والأرز والسكر وحليب الأطفال وزيت الطعام)، إلا أن الآلية باتت معقدة للتجار والبنوك اليمنية.

وأمس الثلاثاء، دعا رئيس الحكومة أحمد بن دغر في كلمته التي ألقاها في اجتماع لمناقشة الوضع الاقتصادي بالرياض؛ السلطات المالية السعودية إلى "تسهيل وتبسيط استخدام الوديعة أمام البنك المركزي والشركات والتجار اليمنيين"، حسبما أوردته وكالة الأنباء الحكومية (سبأ).

وقال المصدر المتحدث للجزيرة نت في البنك المركزي إن الإجراءات تتمثل في تقديم التاجر الراغب في الحصول على الدولار للاستيراد ملفا كاملا يتضمن الفاتورة التجارية وبيانات الشحنة ووثائق الجمارك ووثائق إخلاء طرف، وأمورا أخرى.

وأضاف "يُراجع الملف في البنك التجاري (داخل اليمن) الذي يتعامل معه التاجر، ومن ثم يرسل البنك الملف إلى البنك المركزي اليمني الذي يبدأ بمراجعته في غضون أيام، وفور صدور موافقته يُرسل الملف -ضمن ملفات تجار آخرين- إلى وزارة المالية السعودية لطلب موافقة مؤسسة النقد العربي السعودي".

و"عقب ذلك يتم تحويل المبالغ المقرّة من صندوق النقد العربي السعودي إلى حساب البنك الأهلي السعودي الذي بدوره يراسل البنك المركزي اليمني، ومن ثم يقوم الأخير بتعزيز حسابات البنوك التجارية اليمنية الخارجية"، وفق ما يضيفه المصدر.

ويقول إن "هذه الإجراءات المعقدة التي تأخذ وقتا طويلا يصل إلى أكثر من شهر، دفعت التجار إلى توفير الدولار من السوق السوداء والاعتماد على المضاربين وشركات الصرافة".

وظيفة الوديعة
وحتى اليوم فإن معظم الأموال التي قدمتها السعودية بما فيها 200 مليون دولار التي قدمها الملك سلمان بن عبد العزيز للبنك المركزي اليمني الاثنين الماضي لإنقاذ "المركز المالي للبنك"؛ لم تُصرف، حسب ما تحدث مسؤول حكومي للجزيرة نت.

ويقول المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي إن وظيفة الوديعة السعودية هي إصدار الاعتمادات المستندية الخاصة باستيراد الغذاء والمشتقات النفطية لليمنيين، التي يدفعها التجار أصلا، لا الحكومة اليمنية.

ويضيف للجزيرة نت أن البنك المركزي والحكومة اليمنييْن كانا يريدان صرف الوديعة في غير الأغراض التي خصصت لها، وهذا لا يحق لهم، فهي ليست منحة، كما أن السعودية رفضت هذا الأمر فهي نوعا ما نظمت أمورها المالية في اليمن، وجعلت المنح تمر عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.

وأوضح العوبلي أن "وجود وديعة بمليارين مع المنحة الجديدة المقدمة، كان يمكن أن يؤدي دورا جيدا لو تم إلزام التجار بالاستيراد عبر البنك المركزي، لكن ما يحصل الآن هو أن التجار يسحبون الدولار من السوق ويهربونه إلى الخارج لتوريد بضائعهم".

ويضيف "تلك الودائع لن تحمي الريال إلا لأيام معدودات، ومن الضروري أن تُورد مداخيل النفط والغاز للبنك المركزي اليمني، حتى تدخل العملة الصعبة إلى البلاد".

المصدر : الجزيرة