غلاء الأسعار يفاقم معاناة التونسيين

صورة 4: المواطن التونسي توفيق حمدي يحتج أمام البرلمان على زيادة الأسعار/العاصمة تونس/يناير/كانون الثاني 2018
المواطن التونسي توفيق حمدي يحتج أمام البرلمان على زيادة الأسعار (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

يرفع الدَّهان توفيق حمدي بصره الضعيف قليلا إلى السماء وكأنه يستغيث، عقب جلوسه ساعات طويلة مملة في مقهى بحي الزهور الفقير في العاصمة تونس دون أن يطلب منه أي زبون طلاء منزله.

يخرج توفيق كل صباح باكر إلى المقهى منتظرا أن يقصده من يطلب تشغيله، وفي ساعات متأخرة من النهار يعود الدهان إلى مسكنه جارا ذيول الخيبة، ومنذ شهرين تستمر هذه الحال ولم تمسك يداه فرشاة الطلاء.

يواظب الرجل على حلاقة لحيته وشعره، ومع ذلك يبدو أكبر بكثير من عمره الخمسين، حيث تبرز جليا على وجهه المهموم الشاحب تضاريس من التجاعيد المحفورة.

لم يجد نفعا بقاء هذا الرجل يوميا ساعات طويلة في المقهى، بينما زاد مقت البطالة ووطأة غلاء المعيشة من شعوره بغضب عارم غالبا ما دفعه للمشاركة في الاحتجاجات الأخيرة على رفع الأسعار.

ويوم الجمعة الماضي هتف الرجل غاضبا مع محتجين أمام البرلمان في العاصمة بشعارات معارضة لسياسات الحكومة عقب موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار، مطالبا معهم بإسقاط قانون المالية الجديد.

كغيره من التونسيين شارك توفيق في ثورة 2011 أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة تونس، حيث هتف الجميع بالإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكن أمله خاب بسبب تضرر قدرته الاستهلاكية.

وقبل الثورة بسنوات يتذكر الرجل كيف كان المواطنون يواظبون على طلاء منازلهم سنويا لتلميعها، آنذاك كان بمقدوره استئجار منزل مع عائلته وادخار بعض المال بفضل توفر الرزق وانخفاض الأسعار.

توفيق حمدي يجلس في مقهى بحي الزهور بالعاصمة تونس (الجزيرة)
توفيق حمدي يجلس في مقهى بحي الزهور بالعاصمة تونس (الجزيرة)

تدهور
أما اليوم فإنه يستأجر غرفتين في مسكن قديم بسبب ارتفاع الإيجار، وتتقاسم معه هذا المسكن أرملة عجوز وابنتها الحامل وزوجها العاطل عن العمل، ويعيشون في الغرف الثلاث المتبقية، أما الحمام فللجميع.

وحمّل توفيق مسؤولية تدهور الأوضاع للحكومات المتعاقبة والبرلمان، إذ يقول "لقد كنا ننتظر بصبر أن تتحسن أحوالنا، لكن السياسيين أرهقوا الناس بمشاكلهم وأثقلوا كاهلهم بالزيادات بكل الأسعار".

ورغم أن المواطن التونسي توفيق حمدي اتصل مرارا بمعتمدية الزهور في العاصمة تونس حيث يقيم للحصول على بطاقة علاج مجانية، فإنه لم ينجح إلى الآن في الحصول عليها، فهم في كل مرة يطلبون منه العودة لاحقا، وفق قوله.

قبل أيام شعر توفيق وزوجته بفرح شديد بعدما استطاع ابنه الصغير (12 عاما) اقتلاع ضرسه المرتجة بمفرده وإنهاء الألم الذي كان يعذبه بسبب عدم امتلاك والده دفتر علاج أو مالا يذهب به إلى طبيب أسنان.

وتشهد البلاد منذ فترة حالة من الاحتقان بسبب زيادة قانون المالية الجديد للضرائب، فضلا عن فرض الحكومة زيادة في أسعار المحروقات واقتطاعها 1% من الرواتب لتوفير موارد إضافية.

وما زالت حملة "فاش نستناو؟" (ماذا ننتظر؟) المطالبة بإسقاط قانون المالية مستمرة بعد سلسلة من الاحتجاجات آخرها قبالة مقر البرلمان، ورغم إيقاف المئات من نشطائها فإنها تواصل تعبئة الرأي العام.

يقول حمزة العبيدي أحد أعضاء الحملة –للجزيرة نت– إن المئات من المتظاهرين تم إيقافهم بسبب ممارسة حقهم في الاحتجاج رفضا لقانون المالية الجديد الذي "عمق معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة".

هذا الشاب يرى أن الحكومة تتجه لمزيد من تفقير الشعب والإضرار بقوته الشرائية بعد فرضها زيادات في الضرائب ورفع أسعار المحروقات وخصم أجور الموظفين في القطاعين العام والخاص.

ودفاعا عن لقمة عيش الطبقات الضعيفة، يؤكد أن حملة "فاش نستناو؟" ستواصل خوض جميع التحركات السلمية لإسقاط بنود في قانون المالية، مشيرا إلى أنه يجري توقيع عريضة شعبية لإسقاط القانون.

‪حمزة العبيدي أحد أعضاء حملة
‪حمزة العبيدي أحد أعضاء حملة "فاش نستناو؟"‬ (الجزيرة)

إجراءات ظرفية
وحول إمكانية صياغة مشروع قانون مالية تكميلي قريبا، يقول النائب عن الجبهة الشعبية اليسارية نزار عمامو للجزيرة نت "لا توجد نية لدى الحكومة في التراجع عن قانون المالية الجديد رغم الاحتجاجات".

وحتى الإجراءات الحكومية الأخيرة بشأن زيادة منحة العائلات المعوزة نحو 12 دولارا في الشهر، ومنح العاطلين عن العمل بطاقة علاج مجانية؛ يؤكد عمامو أنها سيتم تمويلها بالنفقات الطارئة في الموازنة.

وكان المستشار الاقتصادي لحركة نداء تونس محسن حسن، أكد للجزيرة نت أن الحكومة ستتجه حاليا إلى استعمال بعض النفقات الطارئة في الموازنة لتمويل تلك الإجراءات، مستبعدا مراجعة قانون المالية.

ومع أنه يرحب بالإجراءات الحكومية المزمع تنفيذها في حق العائلات الفقيرة والعاطلين عن العمل، فإنه يقر بأنها مجرد إجراءات ظرفية لا تقدر على حل مشكلة غلاء الأسعار والبطالة وتعثر التنمية.

المصدر : الجزيرة