أين الخلل في توزيع النفقات بالسعودية؟

أزمة انهيار أسعار النفط كانت كاشفة لضعف اقتصادات الدول النفطية ومن بينها السعودية كأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم
عبد الحافظ الصاوي

تظهر نجاعة السياسات الاقتصادية وكفاءة القائمين عليها في ظل الأزمات، وليس في أوقات الوفرة ووجود البدائل. ولا يعني هذا أن الأزمات تمر على الاقتصادات القوية بلا أثر، ولكن الأزمات تبين قدرة الاقتصادات الصلبة على تقليل الآثار السلبية وتحويل الأزمة إلى فرصة، كما حدث في ماليزيا عام 1997 إبان أزمة أسواق المال في دول جنوب شرق آسيا. فقد رفضت ماليزيا أجندة المنظمة المالية الدولية وأصرت على تنفيذ أجندتها الوطنية، وتمكنت من الخروج من أزمتها الاقتصادية في أقل مما حددته زمنيا، وهو مدى عامين.

إلا أن أزمة انهيار أسعار النفط كانت كاشفة لضعف اقتصادات الدول النفطية، ومن بينها السعودية كأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. فبعد أن وصل رصيد صندوق الثروة السيادية للسعودية في 2013 إلى 737 مليار دولار، تراجع في مارس/آذار 2017 إلى 514 مليار دولار، ويتوقع أن يشهد المزيد من التراجع في ظل السياسات الاقتصادية الحالية.

السعودية اضطرت للسحب من احتياطياتها المالية لمواجهة أزمة أسعار النفط (رويترز)
السعودية اضطرت للسحب من احتياطياتها المالية لمواجهة أزمة أسعار النفط (رويترز)

ولم يكن تراجع أرصدة الصندوق السيادي السعودي هو فقط المظهر الوحيد لاختلال الوضع المالي، بل لجأت السعودية للاقتراض المحلي والدولي لتصل قيمة الدين العام لنحو مئة مليار دولار بنهاية عام 2016. وتعتزم الحكومة السعودية إصدار الصكوك الإسلامية في السوق الدولية، وكذلك المزيد من السندات الدولية، فضلا عن تبني برنامج كبير للخصخصة سينال من أكبر الأصول الرأسمالية للدولة السعودية "شركة أرامكو"، كما تم تطبيق حزمة من الإجراءات التقشفية التي أصابت الاقتصاد بحالة من الركود، وبلغ العجز بالميزانية العامة قرابة 20%.

سوء التقديرات
من الضروري إجراء مطابقة بين تقديرات الميزانية العامة للسعودية والبيانات الفعلية، وهو ما تتيحه بيانات وزارة المالية السعودية للفترة 2010-2014، حيث لوحظ أن الإيرادات الفعلية دوما أكبر من الإيرادات التقديرية، ونفس الشيء للمصروفات إذ وجد أن الفعلي منها أعلى من التقديري.

وقد يكون هذا مناسبا في شأن الإيرادات لاعتبارات تقلبات سوق النفط والتحسب لحدوث انهيار في الأسعار، أما وجود زيادات في الإنفاق على المقدر فهذا يدل على عدم كفاءة السلطات المالية. واستمرار الظاهرة في جانب الإنفاق يعني إهدار الموارد العامة، وخاصة إذا لم يكن لها عائد تنموي كما سنذكر فيما بعد بخصوص بعض القطاعات.

undefined

الملاحظ من الرسم البياني أن أداء الإيرادات والنفقات الفعلية أعلى بكثير من الإيرادات والنفقات التقديرية، وخاصة في السنوات ما قبل عام 2014، وقد تقلص الفارق بين الفعلي والتقديري لكل من الإيرادات والنفقات في عام 2014، لأنه العام الذي شهد في منتصفه بداية أزمة انهيار أسعار النفط.

تنوع لم يتحقق
ثمة عبارات ثابتة في البيان المالي الذي تصدره وزارة المالية السعودية مع ميزانية كل عام، من أن السياسات الاقتصادية تستهدف تحقيق تقدم في التنوع الاقتصادي للبلاد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة.

وصاحب ذلك كما ذكرنا تجاوزات في النفقات العامة المقدرة خلال الفترة التي تتناولها هذه السطور، فعلى سبيل المثال في عام 2010 كانت المصروفات المقدرة نحو 540 مليار ريال (نحو 144 مليار دولار)، بينما المصروفات الفعلية 653 مليار ريال (174 مليار دولار)، بفارق 113 مليار ريال (30 مليار دولار)، وبنسبة تجاوز تزيد على 20%. وتكرر الأمر على مدار سنوات الفترة المذكورة، وكان في عام 2014 بنسبة 29.7%.

أتت أزمة انهيار أسعار النفط ليتضح أن مستهدف التنوع الاقتصادي لم يتحقق، ولتعلن رؤية 2030 بأن المستهدف القديم أصبح مستهدفا جديدا

وحسبما تذكر بيانات وزارة المالية، كانت الفوارق بين التقديري والفعلي للنفقات بالموازنة تتم تغطيتها من خلال صندوق فروق أسعار النفط، والتي كانت تزيد على الأسعار المقدرة من قبل السلطات المالية، إلا أن الحسابات الاقتصادية لها تقديرات أخرى، ليس فقط مجرد توفير التمويل، ولكن هناك ما يسمى بالفرصة البديلة، لتوظيف هذه الأموال والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.

وبعد أكثر من عقد من الزمن تدفقت فيه الإيرادات النفطية بوفرة، أتت أزمة انهيار أسعار النفط ليتضح أن مستهدف التنوع لم يتحقق، ولتعلن رؤية 2030 بأن المستهدف القديم أصبح مستهدفا جديدا، ولكن في 2030، وبفاتورة عالية الثمن، وغير محسوبة العواقب، في ظل تداعيات سياسية وأمنية غير مستقرة تمر بها المنطقة.

اختبار الإنفاق على التسليح
يعد الإنفاق على الأمن والدفاع من أكبر مخصصات الميزانية السعودية، فبحسب بيانات وزارة المالية فإن مخصصات الدفاع والأمن في عام 2010 بلغت 169 مليار ريال وقفزت في عام 2015 لتصل إلى 306 مليارات ريال، بزيادة قدرها نحو 137 مليار ريال، وبذلك تصل نسبة الزيادة بين عامي المقارنة إلى 81%.

وبشكل عام تصل نسبة مخصصات الدفاع والأمن على مدار سنوات إلى 30% من إجمالي الإنفاق العام، وتعد السعودية رابع أكبر دولة على مستوى العالم من حيث الإنفاق على التسليح.

السعودية من أكثر دول العالم إنفاقا على التسليح (أسوشيتد برس)
السعودية من أكثر دول العالم إنفاقا على التسليح (أسوشيتد برس)

ويتوقع في ظل أزمة حصار دولة قطر أن يزيد الإنفاق على التسليح بالمنطقة، وبخاصة من قبل السعودية التي بدأت تعاني من مشكلات داخلية أخرى، فضلا عن فتحها ملفات للنزاع في المنطقة. وما أحداث الداخلية السعودية بمنطقة العوامية ببعيدة عن المتابع للشأن السعودي، وهي أحداث تتعلق بالنزاع الطائفي، حيث يسكن هذه المنطقة عدد كبير من السكان الشيعة، وتحاول السلطات السعودية السيطرة على هذه المنطقة لاعتبارات أمنية.

وثمة اختبار لكفاءة الإنفاق على التسليح بالسعودية على مدار العقود الماضية، وظهر عدم كفاءة هذا الإنفاق من خلال الحرب في اليمن، حيث ما زال ملف هذه الحرب مفتوحا على الرغم من مرور أكثر من عامين، دون حسم، بل سيكون ملف حرب التحالف الخليجي بقيادة السعودية على الحوثيين باليمن أحد مظاهر عدم الاستقرار الأمني، وقد يُفشل بعض التوجهات الاقتصادية الجديدة المرتبطة برؤية السعودية 2030، مثل التوجه نحو تطوير شواطئ البحر الأحمر من خلال القطاع السياحي واستهداف جلب مليون سائح سنويا لهذه الشواطئ.

مفهوم خاطئ للتنمية البشرية
يتضمن مؤشر التنمية البشرية العالمي مؤشرات رئيسة وأخرى فرعية، وتصنف السعودية وفق هذا المؤشر ضمن أعلى فئة، وهي تنمية بشرية مرتفعة جدا، ولكن يرجع ذلك لزيادة حجم الإنفاق على التعليم والصحة ونصيب الفرد من الدخل.

نسبة البطالة بين السعوديين تتجاوز 12% (غيتي)
نسبة البطالة بين السعوديين تتجاوز 12% (غيتي)

أما المردود الحقيقي للتنمية البشرية فهو تطور الدور الذي يؤديه الإنسان في المجتمع من أجل الارتقاء تنمويا، وهذا لم يتحقق في السعودية التي لم يكن بوسعها طول الفترة الماضية الاستغناء عن العمالة الوافدة، بل الأدهى -في ظل وجود نحو عشرة ملايين عامل أجنبي بالسعودية- أنها تعاني من ارتفاع نسبة البطالة بين مواطنيها لتصل إلى 12.3% بنهاية عام 2016.

وبالرجوع لمخصصات تنمية الموارد البشرية في تقديرات الميزانية، نجد أن هذا البند استحوذ عام 2016 على 216 مليار ريال، مقابل 137 مليار ريال في عام 2010، بزيادة قدرها 79 مليار ريال، وبما يمثل 57.6%.

ومع ذلك لا يزال سوق العمل في السعودية يعاني من مشكلات هيكلية، حيث لا يوجد ارتباط بين احتياجات سوق العمل ومخرجات مؤسسة التعليم، أو بقاء ثقافة العمل كما هي لدى شرائح كبيرة من المجتمع السعودي الذي ينظر إلى العمل المهني أو الحرفي نظرة دونية، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير لدى الإناث، حتى فيما يتعلق بالأعمال المنزلية، بسبب سيطرة العادات والتقاليد السلبية تجاه ثقافة عمل الإناث.

كما لم يلاحظ أثر ملموس لزيادة مخصصات الإنفاق لتنمية الموارد البشرية في إنتاج التكنولوجيا، فقاعدة بيانات البنك الدولي تبين أن نصيب الصادرات العالية التكنولوجيا من إجمالي الصادرات الصناعية بالسعودية كانت بحدود 0.77% في عام 2015، والأعجب أن هذه الصادرات تشهد تراجعا خلال السنوات الماضية على الرغم من تواضع نسبتها، ففي عام 2009 كانت هذه النسبة بحدود 1.07%.

والمفارقة هنا أنه مع زيادة نسبة الإنفاق على تنمية الموارد البشرية بالميزانية السعودية على مدى سنوات، كما بينا عاليه، نجد أن الصادرات العالية التكنولوجيا تتراجع، وهو ما يجعلنا نؤكد على مسلّمة أن الإنفاق بالميزانية السعودية لا يحقق مستهدفات التنمية.
——————————-
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة