الأسباب الرئيسية لهبوط الدينار التونسي

تراجع الدينار التونسي - تعليم
الدينار التونسي يواصل تراجعه مقابل العملات الصعبة (غيتي)

خميس بن بريك-تونس

يرجع خبراء اقتصاد الهبوط الحاد للدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية الرئيسية إلى تدهور الوضع المالي والاقتصادي على جميع المستويات، ناهيك عن تداعيات التصريحات المثيرة للجدل لوزيرة المالية، ويربط خبراء آخرون هبوطه القياسي بضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي.

وقد تراجع الدينار بشكل غير مسبوق قبل أسبوع عقب تصريحات وزيرة المالية لمياء الزريبي بأن البنك المركزي سيقلل تدخلاته في سوق الصرف في الفترة المقبلة حتى ينخفض الدينار تدريجيا، مبررة ذلك بأن الخبراء يرون أن القيمة الحقيقية للدينار مقارنة باليورو هي ثلاثة دنانير.

وبعدما كان سعر اليورو يساوي قبل أسبوع نحو 2.55 دينار، وسعر الدولار يساوي نحو 2.26 دينار قفز سعر اليورو إلى 2.7 دينار قبل أن يتراجع قليلا إلى 2.6 دينار، بينما قفز سعر الدولار إلى 2.5 دينار قبل أن يشهد بدوره تراجعا طفيفا ليصل إلى 2.4 دينار، ومع ذلك يتوقع الخبراء أن ينخفض الدينار أكثر.

توقعات بارتفاع أسعار السلع بعد هبوط الدينار (الجزيرة نت)
توقعات بارتفاع أسعار السلع بعد هبوط الدينار (الجزيرة نت)

تدهور الاقتصاد
ربط وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ تراجع سعر الدينار باختلال التوازنات المالية وتدهور الوضع الاقتصادي، ولا سيما في السنتين الماضيتين جراء تفاقم عجز الميزان التجاري وتراجع الإنتاجية وتدني عائدات السياحة والاستثمار.

وشهد عجز الميزان التجاري العام الماضي ارتفاعا، حيث بلغ 12.6 مليار دينار (5.3 مليارات دولار)، وقد بلغ هذا العجز التجاري خلال الربع الأول من العام الجاري نحو أربعة مليارات دينار (1.5 مليار دولار)، ويرجع الفخفاخ تفاقم هذا العجز لغياب إجراءات تحد من توريد الكماليات وتشجع على التصدير.

وأوضح الفخفاخ للجزيرة نت أن ارتفاع قيمة الواردات وتراجع عائدات الصادرات والسياحة والاستثمار الخارجي وعائدات المغتربين وتسديد بعض الديون تسبب في انخفاض مخزون العملة الصعبة، وهذا كان له تأثير على التوازنات المالية والعجز الجاري، مما جعل قيمة الدينار تتراجع.

ولم يخف الوزير الأسبق وجود انعكاسات سلبية على قيمة الدينار بسبب تصريحات وزيرة المالية بشأن التعويم الجزئي للعملة، معتبرا أنها "تدخلت" في صلاحيات البنك المركزي المسؤول المباشر عن السياسة النقدية، قائلا "تلك التصريحات لم تكن موفقة وأحدثت هلعا في سوق الصرف".

وقد انتقد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة تصريحات وزيرة المالية واعتبرها "سلبية" على المؤسسة والاقتصاد، وهو الموقف ذاته الذي عبر عنه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، حيث اعتبرها تصريحات "غير مسؤولة" و"مربكة" للاقتصاد والمؤسسات.

‪الفخفاخ عزا تراجع الدينار إلى اختلال التوازنات المالية وتدهور الوضع الاقتصادي‬  (الجزيرة نت)
‪الفخفاخ عزا تراجع الدينار إلى اختلال التوازنات المالية وتدهور الوضع الاقتصادي‬ (الجزيرة نت)

ضغوط الصندوق
وفي السياق ذاته، يقول الخبير الاقتصادي معز الجودي إن الدينار كان يشهد انزلاقا منذ سنوات، غير أن هذا الانزلاق أصبح حادا، خصوصا عقب تصريحات لوزيرة المالية خلفت حالة من الهلع والارتباك داخل أسواق الصرف.

ولكن هذا ليس السبب الرئيسي لهبوط العملة التونسية، إذ يقول إن الدينار كأي عملة من العملات يمثل المحور الذي تقاس به صحة الاقتصاد، وبالتالي فإن هبوط قيمته يعكس الوضع الاقتصادي المتأزم نتيجة اختلال التوازنات وتراجع المؤشرات بجميع المستويات.

كما فسر الجودي للجزيرة نت تراجع الدينار إلى ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي مقابل تمويل قرض ائتماني بقيمة قدرها 2.9 مليار دينار على أربع سنوات، كاشفا أن خبراءه طلبوا من المركزي التونسي عدم التدخل بطريقة مفتعلة لتعديل الدينار حتى يأخذ حجمه النقدي الحقيقي.

الجودي ربط تراجع الدينار بضغوط يمارسها صندوق النقد مقابل تمويل قرض ائتماني لتونس (الجزيرة نت)
الجودي ربط تراجع الدينار بضغوط يمارسها صندوق النقد مقابل تمويل قرض ائتماني لتونس (الجزيرة نت)

ويوضح الجودي أن البنك المركزي دأب على تحديد سعر مرجعي للدينار خلال بداية عملية العرض والطلب في سوق الصرف لكنه كان يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة من أجل تعديل قيمته وليحد من انزلاقه، وهو ما يرفضه الصندوق، معتبرا أن هذا التدخل لا يعكس قيمته الحقيقية.

وبعيدا عن هذه التحاليل يفسر اقتصاديون يساريون هبوط الدينار بوجود "إملاءات فوقية" من صندوق النقد الذي يتهمونه بالسعي إلى خدمة مصالح الشركات الأجنبية التي ستجني أرباحا طائلة من تدني تكلفة إنتاجها واستثماراتها بعد تدني الدينار.

وعن انعكاسات هبوط الدينار، أوضح الجودي أنها ستكون وخيمة على تكلفة إرجاع الديون وحجم المديونية وعلى ارتفاع التضخم الذي سيزيد بشكل كبير بسبب غلاء قيمة الواردات، وبالتالي ستكون تأثيراته سلبية على المؤسسات وعلى القوة الشرائية للمواطن.

المصدر : الجزيرة