الخطوط التونسية.. "الغزالة" المنهكة

توقيع محضر انتهاء المفاوضات بشأن الأجواء المفتوحة بين المدير العام لطيران المدني كمال بن ميلاد (يمين) والمفوضة للنقل بالمفوضية الأوروبية فيولاتا بلوك(يسار)/
توقيع محضر انتهاء المفاوضات بشأن الأجواء المفتوحة بين تونس والمفوضية الأوروبية (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

سقطت الخطوط التونسية في دوامة من الاحتجاجات عقب توقيع مذكرة إنهاء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية "الأجواء المفتوحة" التي اعتبرتها نقابات الموظفين بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الشركة المنهكة ماليا، في حين تعلق جهات رسمية آمالا كبيرة على هذا الاتفاق.

والمذكرة تم توقيعها بين الوفدين المفاوضين التونسي والأوروبي، الاثنين الماضي في مقر ديوان الطيران المدني والمطارات الحكومي.

لكن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ خلال مطلع العام المقبل بعد إنهاء التوقيع بصفة رسمية على اتفاق "السماوات المفتوحة" بين 27 وزيرا يمثلون الاتحاد الأوروبي ووزير النقل التونسي رضوان عيارة، مما يعني آليا تحرير النقل الجوي أمام شركات الطيران لنقل المسافرين والبضائع بين تونس ودول الاتحاد.

ويثير توقيت توقيع هذا الاتفاق مخاوف كبيرة لدى جميع العاملين بالخطوط التونسية، وعلى رأسهم المدير العام لهذه الشركة الحكومية إلياس المنكبي العارف بخفايا أوضاعها المالية المتردية، مما جعله ينزاح عن حياد المسؤول ويدق ناقوس الخطر من الانعكاسات السلبية لهذا الاتفاق.

وموظفو "الخطوط التونسية" أو "الغزالة" يخشون من تقهقر نشاطها وإفلاسها أمام شركات طيران ذات كلفة منخفضة تنافس بقوة على اكتساح السوق مستفيدة من اتفاق رفع القيود على حركة النقل، وسعة الطائرات، وعدد الرحلات، وجدول الخطوط الجوية ومطارات الانطلاق والوصول، وتحرير الأسعار.

‪جانب من احتجاجات موظفي الخطوط التونسية‬ جانب من احتجاجات موظفي الخطوط التونسية (الجزيرة)
‪جانب من احتجاجات موظفي الخطوط التونسية‬ جانب من احتجاجات موظفي الخطوط التونسية (الجزيرة)

"انتحار"
يرى إلياس بن ميلاد كاتب عام مساعد بنقابة الخطوط التونسية أن توقيت اختيار توقيع الاتفاقية "غير مدروس" بسبب تعطل عملية إعادة هيكلة الشركة الغارقة في الديون والمنهكة ماليا جراء اختلال توازناتها مما يجعل عملية تحرير الأجواء بمثابة الانتحار لأنها غير مؤهلة للمنافسة، وفق تعبيره.

وعانت الخطوط التونسية من متاعب كثيرة بعد ثورة عام 2011  مع تراجع حركة المسافرين جراء الاضطرابات، لتتكبد خسائر طائلة بسبب ارتفاع كلفة نفقاتها وتطور عدد عمالها لأكثر من سبعة آلاف شخص وتراجع رقم معاملاتها وأرباحها بسبب تضرر خطوطها لاسيما نحو ليبيا وسوريا بسبب الحرب.

ويقول بن ميلاد لـ الجزيرة نت إن توقيع اتفاقية الأجواء المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي "خطورة ارتجالية" ستقود الخطوط التونسية نحو الهلاك لعدم قدرتها على الصمود بأسطولها الضعيف الذي لا يتجاوز ثلاثين طائرة بعضها يعود إلى عشرين عاما، في وقت ستواجه شركات عملاقة بأساطيل كبيرة.

ويعيب هذا النقابي على الحكومة عدم البدء فعليا بمسار إعادة هيكلة المؤسسة، وتأهيلها على غرار الخطوط المغربية المستفيدة من دعم المملكة قبل خوض تجربة السماوات المفتوحة.

 وقال بن ميلاد أيضا "ليس هناك إرادة أو رؤية لإنقاذ الشركة التي ستحتفل بعيد ميلادها السبعين في أجواء مشحونة".

 ويشير إلى أنه تم تقديم برنامج إصلاحي لإعادة هيكلة الخطوط التونسية منذ 2014، لكنه بقي مطمورا برفوف الحكومة، وظلت الشركة تعاني من عدم استقرار إداري مع تغيير ستة مديرين عامين منذ 2011، مما أثقل موروث المؤسسة العاجزة ماليا بسبب المشاكل المتراكمة.

شروط حمائية
غير أن كمال بن ميلاد المدير العام للطيران المدني الموقع على اتفاقية الأجواء المفتوحة يقول إن الخطوط التونسية ستعمل على تنفيذ برنامج إصلاحي لإعادة تأهيلها في غضون 2020  من أجل استعادة توازناتها والحد من كلفة الاستغلال، وتسريح عمال بصفة طوعية حتى تكون قادرة على المنافسة.

‪نقابة موظفي الخطوط التونسية وصفت توقيع الاتفاقية بالخطة الارتجالية‬ نقابة موظفي الخطوط التونسية وصفت توقيع الاتفاقية بالخطة الارتجالية (الجزيرة)
‪نقابة موظفي الخطوط التونسية وصفت توقيع الاتفاقية بالخطة الارتجالية‬ نقابة موظفي الخطوط التونسية وصفت توقيع الاتفاقية بالخطة الارتجالية (الجزيرة)

ويؤكد المسؤول أن اتفاقية السماوات المفتوحة ستحرر النقل الجوي بجميع المطارات التونسية، ماعدا مطار تونس قرطاج القلب النابض للخطوط التونسية الذي سيستثنى من تلك الاتفاقية طيلة خمس سنوات بهدف الإبقاء مؤقتا على احتكارها لهذا المطار في انتظار استكمال مرحلة تأهيلها.

وستكون هناك شروط حمائية للخطوط التونسية عند تطبيق اتفاقية السماوات المفتوحة مطلع العام المقبل، كأن تمنع شركات الطيران الأوروبية منخفضة الكلفة بما يعرف بـ "الحرية الخامسة" وهو أن تتنقل الطائرات من بلدانها الأم باتجاه دولة أجنبية ومنها باتجاه دولة أجنبية ثانية دون شروط.

ومع أن نقابات الخطوط التونسية تؤكد أن الاتفاقية لن تدر أرباحا على الاقتصاد بحجة أن الناقلة تستأثر بنسبة 80% من حركة نقل المسافرين الأجانب لتونس، فإن المدير العام للطيران المدني يقول إن الاتفاقية ستعزز حركة النقل الجوي حيث يتوقع أن يرتفع العدد من 8.5 ملايين مسافر حاليا إلى عشرين مليونا مع حلول 2028.

وتبدي إدارة الخطوط التونسية تفاؤلا كبيرا مع توجه الشركة لفتح عديد الخطوط مع بلدان أفريقية، واقتراب فتح خط بعيد يربط تونس بـ نيويورك بعد نجاح خط تونس ومونتريال.

وكانت وزيرة السياحة سلمى اللومي علقت آمالا كبرى على توقيع الاتفاقية لدعم قطاع السياحة، من خلال تنظيم رحلات جوية منخفضة التكلفة للسياح باتجاه الوجهة التونسية.

وقللت من مخاوف تضرر الخطوط التونسية لأنها ستظل تحتكر مطار تونس قرطاج طيلة خمس سنوات، فترة تقول النقابات إنها لا تكفي لإعادة هيكلة الشركة وتأهيلها في ظل الأوضاع التي تعيشها.

المصدر : الجزيرة