حقيقة إمكانية استغناء مصر عن السياحة

"ستظل السياحة رغم ما يعتريها من سلبيات، أحد النوافذ التي يتنفس منها الاقتصاد المصري"

تبقى المؤشرات الفعلية كاشفة لتصريحات المسؤولين المصريين الذين يحاولون تجميل وجه الاقتصاد الذي يعد أبرز ملفات فشل إدارة الانقلاب العسكري بعد 3 يوليو/تموز 2013.

وكان للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجموعة من التصريحات لوسائل الإعلام خلال مؤتمر الشباب الذي عقد مؤخرا بمدينة شرم الشيخ، تصب جميعها في إطار تجميل وجه الاقتصاد على غير الحقيقة، مثل أن هناك تحسنا في مؤشرات التنمية، أو أن سعر الدولار سينخفض أمام الجنيه قريبا، أو أن اقتصاد البلاد لن يعتمد مستقبلا على السياحة.

والحقيقة الدامغة أن السياحة -رغم ما أصابها- ما زالت تشكل أحد أهم روافد تدفق النقد الأجنبي في مصر، وأن الحكومة تعتمد عليها بشكل رئيسي في تحقيق نمو اقتصادي، وأنها ما زالت تنفق على برامج الترويج السياحي في الخارج، واستقدام المشاهير من الدول الغربية لزيارة المعالم السياحية من أجل الترويج للسياحة بهدف الخروج من كبوتها.

ولكن هل تستطيع مصر أن تستغني عن السياحة كأحد أعمدة أداء الاقتصاد المصري بسبب ما تتعرض له من انتكاسات نتيجة ممارسات العنف، والتقصير الأمني في المطارات وأماكن السياحة المصرية؟ وهل يمكنها خلال الفترة القادمة أن تغير خريطتها الإنتاجية لتحقق قفزات في هيكل الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات الصناعة والزراعة وإنتاج التكنولوجيا، ليكون عماد الناتج هو الإنتاج، لا المصادر الريعية ومن بينها السياحة؟

إمكانيات محدودة
بنية الناتج المحلي الإجمالي لمصر تظهر مشكلة ضعف الإنتاجية، واعتمادَ البلاد على الأنشطة الريعية والخدمية ذات القيمة المضافة الضعيفة، فبيانات وزارة المالية توضح أن الاستهلاك النهائي لا يزال يمثل 94.1% من قيمة الناتج، وأن الاستثمارات الكلية لا تتجاوز 14.4%، بينما يحقق صافي التجارة الخارجية (السلع والخدمات) نسبة نمو سالب تمثل 9.2%، وذلك عن العام المالي 2015-2016، وعن الفترة بين يوليو/تموز 2016 ومارس/آذار 2017، مما يعني أنه لا جديد في القاعدة الإنتاجية لمصر، وأنها قاعدة هشة، وأن السياحة ستظل ركيزة مهمة للنقد الأجنبي.

إيرادات السياحة في ظل الانقلاب العسكري تراجعت بشكل كبير وتدنت إلى 3.7 مليارات دولار، بينما بلغت في عهد الرئيس محمد مرسي 9.7 مليارات، وهو أقرب المعدلات إلى إيرادات ما قبل ثورة يناير والبالغة 10.5 مليارات

ومن بيانات خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية لعام 2017-2018، يتضح أن المستهدف هو أن ينمو قطاع السياحة بنسبة 10%، كما أن الاستثمارات المستهدفة خلال نفس العام بقطاع السياحة قدرت بـ13.3 مليار جنيه (754 مليون دولار)، منها 842 مليون جنيه من القطاع العام، والباقي من مساهمة القطاع الخاص.

كما يظهر من خلال البيانات أن إيرادات السياحة في ظل الانقلاب العسكري تراجعت بشكل كبير، حيث تدنت إلى 3.7 مليارات دولار بعد حادث سقوط الطائرة الروسية وأحداث سيناء وغيرها من حوادث العنف. وحتى حينما تحسنت في عام 2016-2017، بلغت 4.3 مليارات دولار، وهي نسبة تصل إلى 44.3% مما تحقق في عام الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي بلغت الإيرادات السياحية في عهده 9.7 مليارات دولار، وهو أقرب المعدلات إلى إيرادات ما قبل الثورة عام 2010-2011 والبالغة 10.5 مليارات دولار.

لذلك فإن أحد أسباب أزمة مصر من عجز النقد الأجنبي هو تراجع إيرادات السياحة. والجميع لا يزال يعول على أن حالة الاستقرار التي يشهدها سعر الصرف في مصر غير حقيقية، بسبب الاعتماد على التوسع في الدين الخارجي واستثمارات الأجانب في الدين الحكومي المحلي، والاعتماد على ودائع للحكومات المؤيدة للانقلاب لدى البنك المركزي المصري.

من جانب آخر لا تزال موارد النقد الأجنبي التقليدية لمصر كما هي دون أن تشهد أي جديد، وهي السياحة، وتحويلات العاملين، وقناة السويس، والصادرات السلعية. أما النفط فقد أصبحت مدفوعات وارداته تفوق متحصلات صادراته، ويحقق الميزان التجاري النفطي عجزا يصل إلى خمسة مليارات دولار.

تأثير سلبي
جميع مصادر النقد الأجنبي في مصر تأثرت سلبا بعد الانقلاب العسكري، لذلك لم يجد نظام السياسي مفرا من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 رغم تصريحات أكثر من وزير في فترات سابقة بأن مصر ليست بحاجة لإبرام اتفاق مع الصندوق، وأن دعم الدول الخليجية يكفي.

ورغم الحديث عن ارتفاع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر وبلوغها نحو 8.6 مليارات دولار، فإن معظم هذه الأموال يأتي في إطار استخراج النفط بنسبة 70% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومع ذلك تستفيد الشركات الأجنبية من الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات في شكل شراء أو إيجار العُدد والآلات، وأجور خبراء.

ومن هنا ستظل السياحة -رغم ما يعتريها من سلبيات من الداخل أو الخارج- إحدى النوافذ التي يتنفس منها الاقتصاد المصري وتساعد على تدفق النقد الأجنبي.

فعوائد السياحة قبل ثورة 25 يناير كانت تمثل 29.1% من احتياطي النقد الأجنبي في ذلك الوقت والمقدر بنحو 36 مليار دولار، وفي 2017 باتت عوائد السياحة تمثل 11.9% من احتياطيات النقد الأجنبي، وترتفع هذه النسبة إذا ما استبعدت الديون الخارجية والودائع الأجنبية من مكون احتياطي النقد الأجنبي.

‪إيرادات السياحة المصرية تراجعت بسبب الأحداث الأمنية‬ إيرادات السياحة المصرية تراجعت بسبب الأحداث الأمنية (الأوروبية-أرشيف) 
‪إيرادات السياحة المصرية تراجعت بسبب الأحداث الأمنية‬ إيرادات السياحة المصرية تراجعت بسبب الأحداث الأمنية (الأوروبية-أرشيف) 

ثمة حزمة من الرسائل السلبية التي تبعث بها تصريحات السيسي بشأن مستقبل السياحة في مصر، منها ما يضر بالاستثمارات المحلية، ومنها ما يتعلق بالخارج. نذكر بعضها فيما يلي:

– في الوقت الذي تروج فيه مصر مشروعاتها للأجانب، ومن بينها المشروعات السياحية، وبخاصة في جنوب سيناء وفي الساحل الشمالي، تأتي تصريحات السيسي لتنسف تلك الجهود، وتؤكد للمستثمرين أن السياحة ليست من اهتمامات خطة الدولة خلال الفترة القادمة.

– أتت تصريحات السيسي بشأن السياحة في سياق حديثه عن الإجراءات الأمنية، وهو الأمر الذي يفهم منه أن مصر يئست من نجاحها في تحقيق الأمن، مما يجعل السائحين يغيرون وجهتهم إلى بلدان أخرى تحظى بجانب أفضل في مجال الأمن.

– على الصعيد الداخلي ستسوء أحوال قطاع السياحة أكثر مما هي عليه الآن بسبب تصريحات السيسي السلبية، وهو ما يعني المزيد من معدلات البطالة، لما يتمتع به قطاع السياحة من علاقات تشابكية مع العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، فضلا عن تعرض القطاع لحالات تعثر في سداد القروض للبنوك بسبب تراجع النشاط السياحي وانصراف الدولة عنه.

رهانات واهمة
ثمة مشروعات يروج لها النظام على أنها المخرج للاقتصاد المصري من كبوته، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، أو ما يسوق عن مشروعات تطوير محور قناة السويس. والحقيقة أن هذه المشروعات لا تحظى بمقومات يمكن من خلالها تغيير وجه مصر التنموي.

فمشكلة مصر الاقتصادية التي يعلمها الجميع أن لديها إنتاجا ضعيفا لا يساهم بأكثر من 60% من استهلاكها، وأن مدخراتها أقل من احتياجاتها من الاستثمار.

"
داخليا ستسوء أحوال قطاع السياحة أكثر مما هي عليه الآن بسبب تصريحات السيسي السلبية، مما يعني المزيد من معدلات البطالة لما يتمتع به قطاع السياحة من علاقات تشابكية مع القطاعات الاقتصادية المختلفة

فمعدل الادخار بمصر في حدود 5.8% من الناتج المحلي، وصادراتها ما زالت في حدود ثلث أو نصف وارداتها على أحسن تقدير.

ومن هنا فكل نشاط لا يؤدي إلى علاج هذه المشكلات الجوهرية، سيكون مردوه التنموي غير ملموس، ولا يستطيع أن يخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية.

ما البديل إذن لكي تستغني مصر مستقبلا عن السياحة؟ البديل أن تطور صناعتها أو تحدث طفرة في الزراعة، أو تمتلك تقنية متقدمة. وللأسف هذه المجالات الثلاثة تفتقد مصر فيها مقومات النجاح، أو حتى توفير احتياجاتها الذاتية، فضلا عن أن تكون مصدّرة لها.

فمصر تستورد قرابة 60% من احتياجاتها من الغذاء، كما تستورد العُدد والآلات ووسائل النقل، ولا تطور من إمكانياتها الهائلة في الموارد البشرية، بل تعتبرها إحدى مشكلاتها التي تعوق التنمية. وبين مصر وبين تصدير التقنية بون شاسع، فصادراتها من السلع العالية التقنية -وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي- بلغت 88.3 مليون دولار بما يعادل نسبة 0.78% من صادراتها الصناعية عام 2015.

وإذا كان التعويل على قطاع السياحة أو اعتباره قاطرة للتنمية -كما ادعى البعض سابقا- غير صحيح، فإن عدم اعتماد الاقتصاد عليها مستقبلا هو تقدير يفتقد الصحة بشكل كامل، خاصة في ظل التراجع الاقتصادي وسوء إدارة التنمية في البلاد.
_________
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة