معركة ضريبية مع المهن الحرة في تونس
يتصاعد الغضب في أوساط بعض المهن الحرة في تونس مثل المحامين والأطباء والصيادلة احتجاجا على إجراءات ضريبية جديدة في مشروع قانون الموازنة. وفي حين يعتبر هؤلاء أنها إجراءات ظالمة، تعتبرها الحكومة مشروعة للحد من التهرب الضريبي.
وتتعلق أبرز انتقادات أصحاب المهن الحرة -التي تشمل عديد القطاعات على غرار المهندسين والخبراء المحاسبين- بأحكام الفصول 30 و31 و32 من مشروع قانون الموازنة لعام 2017 والتي ستتم مناقشتها بالبرلمان خلال أيام.
وتنص تلك الأحكام التي وضعتها حكومة يوسف الشاهد على تحسين استخلاص الضرائب من المهن الحرة التي توجهُ لأصحابها تهم بعدم الكشف عن مداخيلهم الحقيقية والتهرب من دفع ضرائبهم بشكل كامل، وذلك عن طريق فرض طوابع وفواتير على كل نشاط.
وفي حين يقضي مشروع قانون الموازنة -الذي ما زالت مناقشته تشهد تعطلا بلجان البرلمان- باقتناء طابع جبائي إجباري على المحامين على كل عملية تقاض، فإنه يجبر الأطباء على التنصيص الوجوبي على فواتيرهم كما هو الشأن بالقطاع التجاري.
وتصر الحكومة التونسية على تمرير مشروع الموازنة بشكله الحالي لتعبئة موارد إضافية في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة بسبب ارتفاع النفقات وانخفاض الموارد وارتفاع نسب التداين الخارجي وتراجع قيمة الدينار ونقص العملة الصعبة.
استياء وتصعيد
غير أن المحامين الذين ينظرون بعدم الرضا لهذا المشروع أعلنوا الدخول في إضراب جديد أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس هذا الأسبوع، مع الاعتصام بمقر البرلمان وبالمحاكم وذلك عقب أسبوع واحد من دخولهم بإضراب عام ومحاولتهم اقتحام البرلمان للتعبير عن غضبهم.
يقول المحامي المعروف عبد الناصر العويني -الذي اشتهر بكلماته التلقائية بالشارع عقب هروب الرئيس السابق "بن علي هرب"- إن الأحكام المتعلقة بجباية المحامين "تم فرضها أحاديا من قبل الحكومة دون تفاوض، وهي لا تتماشى مع المنهج العام بعد الثورة".
ويضيف العويني -الذي يؤكد أنه يستأجر منزلا متواضعا ويتشارك مع زوجته في سيارة اقترض ثمنها من البنك- أن أوضاع أغلب المحامين التونسيين متردية في ظل غلاء الأسعار وأن فرض ضرائب جديدة عليهم "سيزيد من تدهور معيشتهم البسيطة".
ويؤكد للجزيرة نت أنه لا يوجد توزيع عادل للقضايا بين المحامين، لافتا إلى أن "هناك فئة قليلة فقط من المحامين قادرة على تأمين مكاتبها لأنها تُسخّر من قبل المحاكم للترافع عن مؤسسات الدولة بالقضايا النزاعية التي تمثل نصف مجموع القضايا".
طبقة متآكلة
ويقول هذا المحامي إن هناك نسبة من الأثرياء لا تتجاوز 10% من مجموع ثمانية آلاف محام تقريبا، بينما ينتمي البقية إلى الطبقة الوسطى التي "بدأت تتآكل وتعمل من أجل العيش وتلجأ للاقتراض من البنوك لتسيير شؤون حياتها".
وينفي ما كشفته الحكومة عن وجود ثلاثة آلاف محام لا يدفعون ضرائبهم، مبينا أن هناك نحو 1800 محام تخلوا عن مهنة المحاماة لإتمام دراساتهم أو الالتحاق بسلك القضاء بينما يظل يعيش ضعفهم بوضعية هشة كمتمرنين لعدم قدرتهم على فتح مكاتب.
عدالة جبائية
غير أن المتحدث باسم الحكومة إياد الدهماني قال للجزيرة نت إن معطيات إدارة الأداءات والاستخلاص بوزارة المالية تؤكد أن قرابة ثلاثة آلاف محام لا يقومون بأي تصريح على الدخل السنوي، وذلك وفق النظام التقديري الذي يخضعون إليه.
وكشف أن مشروع قانون الموازنة للعام القادم لا يستهدف فئة دون أخرى من المهن الحرة، مشددا على أن "مساهمة بعض الفئات في دفع الضريبة على غرار الأطباء والمحامين تبقى ضعيفة، وهو ما تطلب اتخاذ إجراءات جديدة لتقاسم أعباء المرحلة".
ويضيف أن هذا المشروع ينص على دعم العدالة الجبائية بفرض إجراءات جديدة من شأنها أن تحد من ظاهرة التهرب الضريبي الذي يساهم بتراجع الموارد المالية للدولة التي تعاني من وضع اقتصادي صعب بسبب انخفاض النمو (معدل 1.5% لهذا العام).
وإلى جانب محاربة التهرب الضريبي، يهدف مشروع الموازنة الجديدة وقيمتها نحو 15 مليار دولار لتجميد مستوى أجور الموظفين بالشركات الحكومية وتطبيق إصلاحات بنيوية يطلبها صندوق النقد الدولي، لكن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أقر خطة للإضراب العام في الوظيفة الحكومية مطلع الشهر القادم.