التلاعب في الأسواق أصبح عالميا

تصميم لصفحة قضايا اقتصادية/ التلاعب في الأسواق أصبح عالميا ستيفن س روتش

ستيفن س روتش

دفاعا عن التيسير الكمي
بين نهجي الغرب والصين
الإصلاح التنظيمي وسعر الفائدة

لقد أصبح التلاعب في الأسواق من التدابير التشغيلية المعتادة في الدوائر السياسية في مختلف أنحاء العالم، والآن تتجه كل الأعين صوب المحاولات التي تبذلها الصين للتعامل مع انهيار فقاعة الأسهم الكبرى. ولكن الجهود التي تبذلها بكين ليست فريدة من نوعها، فالاقتصادات الغربية المتقدمة تفعل نفس الشيء تقريبا، ولكنها تلبس التلاعب ملابس مختلفة.

ولنتأمل التيسير الكمي الذي استخدم لأول مرة في اليابان في العقد الأول من القرن الحالي، ثم في الولايات المتحدة بعد عام 2008، ثم في اليابان مرة أخرى بداية العام 2013، والآن في أوروبا. وفي كل هذه الحالات، كان التيسير الكمي في الأساس محاولة هجومية للتلاعب في أسعار الأصول.

ويتجلى التيسير الكمي في المقام الأول في عمليات شراء مباشرة تنفذها البنوك المركزية في سوق السندات السيادية الطويلة الأجل، وبالتالي ينخفض سعر الفائدة على المدى الطويل، وهذا بدوره يجعل الأسهم أكثر جاذبية.

وسواء أكان التيسير الكمي كشكل من أشكال التلاعب في السوق قد حقق هدفه -توفير الحوافز للاقتصادات التي أثقلتها الأزمة والتي تعتمد على الأصول- أو لم يحققه، فهو أمر مطروح للمناقشة، فقد كان التعافي الحالي في العالم المتقدم هزيلاً على نحو غير عادي على أية حال، ولكن هذا لم يمنع السلطات من المحاولة.

لنتأمل التيسير الكمي الذي استخدم لأول مرة في اليابان في العقد الأول من القرن الحالي، ثم في الولايات المتحدة بعد عام 2008، ثم في اليابان مرة أخرى بداية 2013 والآن في أوروبا. ففي كل هذه الحالات، كان التيسير الكمي في الأساس محاولة هجومية للتلاعب في أسعار الأصول

دفاع عن التيسير الكمي
وفي دفاعها عن التيسير الكمي، تسوق البنوك المركزية حجة لا أساس لها مفادها أن الأمور كان لتصبح أسوأ كثيراً لو لم تنفذ برامج التيسير الكمي. ولكن في ظل مخاطر عدم الاستقرار المالي الجديدة التي تفرضها الأسواق المتلاعب بها فإن المداولات لا تزال جارية حول هذه النقطة أيضا.

ولا تقل الجهود التي تبذلها الصين في التلاعب بالسوق سفورا، ففي رد فعل على انخفاض مؤشر سي إس آي 300 بنسبة 31% (المؤشر المركب للأسهم في بورصتي شنغهاي وشنتشن) عن الذروة التي بلغها في الـ12 من يونيو/حزيران الماضي تحركت الأجهزة التنظيمية الصينية بقوة لاحتواء الضرر.

والآن تدرس بكين كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك مساندة سوق الأسهم بدعم من الحكومة بقيمة 480 مليار دولار تحت إشراف شركة الصين لتمويل الأوراق المالية، فضلا عما قيمته 19 مليارا من شركات السمسرة المحلية الكبرى، زيادة على الوعد المفتوح من لدن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) باستخدام ميزانيته العمومية لدعم أسعار الأسهم. وعلاوة على ذلك، تم تعليق تداول نحو 50% من الأسهم المسجلة (أكثر من 1400 من أصل 2800 سهم).

وخلافاً للتلاعب في السوق باستخدام التيسير الكمي في الغرب، والذي يعمل بطريقة غير مباشرة عبر عمليات ضخ البنوك المركزية للسيولة، فإن السياسة الصينية موجهة بشكل مباشر نحو سوق أسهم تمر بمحنة.

والمثير للانتباه هو أن التيسير الكمي نهج تفاعلي إلى حد كبير، ويهدف إلى تنشيط الأسواق والاقتصادات المنكوبة بعد انهيارها. وأما النهج الصيني فهو أكثر استباقية، ويشبه محاولة التقاط سكين ساقطة، إذ تحاول السلطات إيقاف هبوط سوق تشهد سقوطاً حراً.

بين نهجي الغرب والصين
وهناك العديد من الفوارق الأخرى الجديرة بالملاحظة بين تلاعب الصين بالأسواق وما نراه في الغرب. فأولا تبدو بكين أقل تركيزاً على المخاطر الجهازية التي يتعرض لها الاقتصاد الحقيقي، وهو أمر منطقي لأن تأثيرات الثروة أصغر بشكل كبير في الصين، إذ يمثل الاستهلاك الخاص نحو 36% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما لا يزيد على نصف النسبة في الاقتصادات الأكثر اعتماداً على الثروات مثل الولايات المتحدة.

ويضاف إلى ذلك أن القدر الكبير من الارتفاع الحاد الذي سجلته قيم الأسهم الصينية كان قصير الأمد للغاية، فكان ما يقرب من 90% من ارتفاع مؤشر سي إس آي 300 لمدة 12 شهراً متركزاً في الشهور السبعة التالية لبداية تدفقات الاستثمار العابر للحدود عن طريق ما يسمى ربط سوقي شنغهاي وهونغ كونغ في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ونتيجة لهذا كان الوقت المتاح للمضاربين قصيرا جدا لجعل مكاسبهم الرأسمالية تستقر، ويكون لها أثر دائم على التوقعات المرتبطة بأسلوب الحياة.

وثانيا، كانت إصلاحات ما بعد الأزمة في الغرب تكتيكية عادة، واستهدفت إصلاح العيوب في الأسواق المستقرة بدلاً من تعزيز أسواق جديدة. وعلى النقيض من ذلك كانت إصلاحات في الصين في مرحلة ما بعد الفقاعات تركز على أمر إستراتيجي، وذلك لأن ضائقة سوق الأسهم تخلف تأثيرات مهمة تتصل بإصلاحات الحكومة لأسواق رأس المال، والتي تعتبر شديدة الأهمية لإستراتيجيتها الرامية إلى إعادة التوازن البنيوي.

وبعد فترة طويلة، كانت فيها الصين مثقلة بنظام الوساطة الائتمانية القائم على البنوك، أصبح تطوير أسواق الأسهم والسندات الآمنة والمستقرة بمثابة أولوية قصوى في الجهود التي تبذلها سلطات البلاد لتعزيز منصة أكثر تنوعاً لتمويل الأعمال. ويدعو انهيار فقاعة الأسهم إلى التساؤل بجدية حول جدوى هذه الجهود.

كانت إصلاحات ما بعد الأزمة المالية في الغرب تكتيكية عادة، واستهدفت إصلاح العيوب بالأسواق المستقرة بدلاً من تعزيز أسواق جديدة. وعلى النقيض كانت إصلاحات في الصين تركز على أمر إستراتيجي

الإصلاح التنظيمي وسعر الفائدة
وأخيرا، أصبح المركزي الصيني في وضع أفضل من غيره للحفاظ على سيطرته على السياسة النقدية وعدم الانزلاق إلى فخ توفير السيولة بلا نهاية، وتم ذلك عبر الإصلاح التنظيمي والذي أدى إلى الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي أعلى كثيراً من حد الصِفر البغيض.

وعلى النقيض مما يعتمده الغرب، تسهم التدابير الموجهة تبعاً للسهم على التقليل من خطر العدوى المالية الناجم عن وفرة السيولة بشكل غير مباشر إلى أسواق الأصول الأخرى.

ومع استمرار إغلاق قسم كبير من سوق الأسهم المحلية في الصين، فمن الصعب أن نعرف متى تنتهي موجة التصحيح الفني الطبيعي لمؤشر الأسهم.

ورغم أن الحكومة تمكنت من تجميع قوة تحرك كبيرة للحد من تفكيك فقاعة ضخمة، فإن الأعباء المترتبة على الطلب على المضاربة العالية الاستدانة محبطة للغاية. والواقع أن هامش تمويل مشتريات الأسهم في الشهور الـ12 التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي ارتفعت إلى ثلاث مرات كنسبة من رأسمال أسواق الأسهم المحلية القابلة للتداول.

ورغم هبوط الأسهم الصينية في البداية 14% من أعلى من المستوى الأدنى الذي بلغته في الثامن من يوليو/تموز 2015، فإن هبوطها بنسبة 8.5% في الـ27 من الشهر نفسه يوحي بأن ذلك ربما كان استراحة مؤقتة. وتؤكد الدعوات إلى تقليص هامش الديون القسري على احتمال وقوع المزيد من التدهور بمجرد استئناف التداول الكامل.

وعلى نطاق أوسع، وكما هي الحال في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا، ليس من الممكن أن نجهل الأسباب التي دفعت الصين إلى التلاعب، وهي المخاطر المتمثلة في نشوء فقاعات كبيرة. ومرة أخرى كان القائمون على التنظيم وصناع السياسات -ناهيك عن الزعماء السياسيين- غافلين عن تجاوزات السوق.

وفي عالم تحكمه العولمة حيث يخضع دخل العامل لضغوط مستمرة، فإن أنشودة أسواق الأصول الفاتنة باعتبارها إكسيرا للنمو أصبحت أكثر إغراء لمؤسسات الدولة السياسية من أن تقاوم.

وتمثل فقاعات المضاربة الصورة الجلية لهذا الإغراء، فمع انفجار الفقاعات -وهي تنفجر دائما- ينكشف الازدهار الزائف وتصبح التكتيكات الدفاعية المتمثلة في التلاعب في السوق أمرا مستعجلا ومنطقيا في ظاهره.

وهنا تكمن المفارقة الكبرى، فكلما زاد اعتمادنا على الأسواق أصبحنا أقل ثقة فيها. وغني عن القول إن ذلك بعيد كل البعد عن "اليد الخفية" التي تستند إليها الأسواق الفعالة. ونحن نزعم، كما فعل آدم سميث، أن الأسواق غير الشخصية تضمن التوزيع الأكثر كفاءة لرأس المال النادر، ولكن ما نريده حقاً هو أسواق لا تعمل إلا وفقاً لشروطنا.
ـــــــــــــ
عضو هيئة التدريس بجامعة ييل، والرئيس السابق لبنك مورغان ستانلي بآسيا، ومؤلف كتاب "انعدام التوازن.. الاعتماد المتبادل بين أميركا والصين".

المصدر : بروجيكت سينديكيت