ما خطة اليونان البديلة؟

تصميم لقضية اقتصادية - الكاتب كينيث روغوف

كينيث روغوف

استبعاد انتقال العدوى
اليونان والمخاطر المالية العالمية
مأزق اليونان ومسؤولية الآخرين
 

استبعاد انتقال العدوى
استقبلت الأسواق المالية انتخاب حكومة أقصى اليسار الجديدة في اليونان بالترحاب كما كان متوقعا.

ورغم أن فوز حزب سيريزا أدى إلى انهيار أسعار الأسهم والسندات اليونانية، فإنه لا توجد إشارة تذكر إلى انتقال العدوى إلى البلدان المتعثرة الأخرى على أطراف منطقة اليورو.

فعلى سبيل المثال، لا يزال التداول على السندات الإسبانية لعشر سنوات جارياً بأسعار فائدة أقل من سندات الخزانة الأميركية.

والسؤال الآن هو: إلى متى سيسود هذا الهدوء النسبي؟

يبدو أن بعض صناع السياسات في منطقة اليورو على يقين من أن خروج اليونان من اليورو -سواء كان مؤلماً أو سلسا- لن يفرض تهديداً على البلدان الأخرى على محيط منطقة اليورو

يفترض أغلب المراقبين أن حكومة اليونان الجديدة "التي تنفث النار" لن تجد خيارات كثيرة غير التمسك ببرنامج سابقتها للإصلاح البنيوي، ربما في مقابل تخفيف التقشف المالي بدرجة متواضعة.

ومع ذلك، فإن الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفوز سيريزا أكثر أهمية من أن نتجاهلها. الواقع أنه من المستحيل أن نستبعد تماماً خروج اليونان الموجع من اليورو، ناهيك عن فرض ضوابط رأس المال التي تجعل اليورو داخل اليونان أقل قيمة من اليورو في أي مكان آخر فعليا.

يبدو أن بعض صناع السياسات في منطقة اليورو على يقين من أن خروج اليونان من اليورو -سواء كان مؤلماً أو سلسا- لن يفرض تهديداً على البلدان الأخرى على محيط منطقة اليورو، ولعلهم على حق. لكن مرة أخرى، في عام 2008، تصور صناع السياسات في الولايات المتحدة أن انهيار إحدى المؤسسات الاستثمارية (بير شتيرنز) كان كافياً لإعداد الأسواق لتحمل إفلاس مؤسسة أخرى (ليمان براذرز)، ونحن نعلم إلى أين انتهى ذلك.

صحيح أن بعض التقدم السياسي والمؤسسي تحقق منذ أوائل عام 2010، عندما بدأت الأزمة اليونانية تتكشف لأول مرة، فالاتحاد المصرفي الأوروبي -رغم كونه غير مثالي- وتعهد البنك المركزي الأوروبي بإنقاذ اليورو من خلال القيام "بكل ما يلزم"؛ يشكل ضرورة أساسية لدعم الاتحاد النقدي. ومن بين الإبداعات المهمة الأخرى كان تطوير آلية الاستقرار الأوروبي، التي تتمتع -مثل صندوق النقد الدولي- بالقدرة على تنفيذ عمليات إنقاذ مالي واسعة، وفقاً للشروط.

اليونان والمخاطر المالية العالمية
لكن حتى مع هذه الموانع المؤسسية، فإن المخاطر المالية العالمية المترتبة على عدم استقرار اليونان تظل عميقة.

فليس من الصعب أن نتخيل استخفاف قادة اليونان المتهورين الجدد بتعنت ألمانيا بشأن تخفيف أعباء الديون أو إعادة التفاوض على حزم الإصلاح البنيوي. وليس من الصعب أيضاً إن نتخيل إساءة تقدير الديناميكيات السياسية في اليونان من قِبَل البيروقراطيين الأوروبيين.

وفي أي سيناريو، سوف يقع -بلا شك- أغلب عبء للتعديل على عاتق اليونان. وأي دولة مسرفة تضطر فجأة إلى العيش في حدود إمكاناتها تجد نفسها في مواجهة تعديلات ضخمة، حتى ولو أعفيت من كل ديونها السابقة.

 والواقع أن إسراف اليونان كان هائلا. ففي الفترة السابقة للأزمة التي ضربتها عام 2010، كان عجز ميزانية الحكومة الأولي (المبلغ الذي يتجاوز به الإنفاق الحكومي على السلع والخدمات مجموع العائدات باستثناء أقساط الفائدة على الديون) يعادل 10% من الدخل الوطني.

بمجرد اندلاع الأزمة وخسارة اليونان قدرتها على الوصول إلى الإقراض الخاص الجديد، قدمت لها "الترويكا" (صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية) تمويلاً مدعوماً بشكل كبير وطويل الأجل.

ولكن حتى لو أعفيت اليونان من ديونها كاملة، فإن الانتقال من عجز أولي يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي إلى موازنة منضبطة يتطلب شد الحزام بقوة، والركود الحتمي.

والألمان على حق عندما يزعمون أن الشكاوى من "التقشف" لا بد أن توجه إلى حكومات اليونان السابقة، فقد أدت تجاوزات تلك الحكومات إلى رفع استهلاك اليونان إلى مستويات أعلى بكثير من قدرة الحكومة على التحمل، وكان السقوط إلى الأرض حتميا.

ورغم هذا، يتعين على أوروبا أن تكون أكثر سخاءً في شطب الديون بشكل دائم، بل وحتى بشكل أكثر إلحاحا، والحد من دفعات سداد الدين قصيرة الأمد.

فالأمر الأول ضروري لتخفيف حالة عدم اليقين في الأمد البعيد، ويشكل الثاني ضرورة أساسية لتسهيل النمو في الأمد القريب.

مأزق اليونان ومسؤولية الآخرين
ودعونا نواجه الحقيقة: إن مأزق اليونان اليوم ليس من صنع يديها بالكامل.

فأولاً وقبل كل شيء، كان قرار بلدان منطقة اليورو بقبول انضمام اليونان إلى العملة الموحدة عام 2002 غير مسؤول بالمرة، مع استحقاق المناصرة الفرنسية لانضمامها قدراً كبيراً من اللوم.

ففي ذلك الوقت، فشلت اليونان بشكل واضح في تلبية عدد كبير من معايير التقارب الأساسية، نظراً لديونها الهائلة وتخلفها الاقتصادي والسياسي النسبي.

إن مأزق اليونان اليوم ليس من صنع يديها بالكامل، فقبل كل شيء، كان قرار بلدان منطقة اليورو بقبول انضمام اليونان إلى العملة الموحدة عام 2002 غير مسؤول أبدا، مع استحقاق المناصرة الفرنسية لانضمامها قدراً كبيراً من اللوم

وثانيا، كان قسماً كبيراً من تمويل ديون اليونان قادماً من بنوك ألمانية وفرنسية حققت أرباحاً ضخمة عن طريق التوسط في القروض المقدمة من بلدانهم ومن آسيا. وقد ضخت هذه البنوك المال إلى دولة هشة كانت مصداقيتها المالية تقوم في نهاية المطاف على إنقاذها من قِبَل بلدان أخرى في منطقة اليورو.

وثالثا، كان شركاء اليونان في منطقة اليورو يحملون عصا ضخمة كانت غائبة عادة في مفاوضات الديون السياسية. وإذا لم تقبل اليونان الشروط المفروضة عليها للحفاظ على عضويتها في العملة الموحدة، فإنها تجازف بطردها من الاتحاد الأوروبي تماما.

وحتى بعد حزمتين إنقاذ، من غير الواقعي أن ننتظر من دافعي الضرائب اليونانيين البدء بسداد أقساط كبيرة في أي وقت قريب، فلن يحدث هذا ما دامت البطالة عند مستوى 25% (وأكثر من 50% بين الشباب).

والواقع أن ألمانيا وغيرها من الصقور في شمال أوروبا كانوا على حق في الإصرار على التزام اليونان بتعهداتها بشأن الإصلاح البنيوي، حتى يصبح من الممكن إحداث التقارب الاقتصادي مع بقية منطقة اليورو ذات يوم، ولكن يتعين عليهم أن يقدموا تنازلات أعمق في ما يتصل بسداد الديون، حيث لا يزال عبء الديون يخلق قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن السياسات لدى المستثمرين.

إذا تسببت التنازلات لصالح اليونان في خلق سابقة قد تستغلها بلدان أخرى، فليكن إذن. فعاجلاً وليس آجلا، سوف تحتاج بلدان أخرى على أطراف المنطقة إلى المساعدة. وإننا لنأمل أن اليونان لن تضطر إلى ترك منطقة اليورو، وإن كانت الخيارات المؤقتة مثل فرض ضوابط رأس المال قد تكون ضرورية في نهاية المطاف لمنع الانهيار المالي، ويتعين على منطقة اليورو أن تستمر في الانحناء حتى لا تنكسر.
ـــــــــــــــــ
كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.

المصدر : بروجيكت سينديكيت