القنبلة اليونانية الموقوتة

الكاتب: يانوس بابانتونيو

undefined

يانوس بابانتونيو

الركود والبطالة والديون
تعهدات اليونان الخارجية
علاقة أثينا بمنطقة اليورو

تنطوي الانتخابات القادمة في اليونان على مخاطر كبرى. والواقع أن النتائج قد تحدد إن كانت اليونان ستظل في منطقة اليورو أم لا، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار بعيدة المدى بالنسبة لبقية الاتحاد النقدي.

يُعدّ حزب سيريزا -الحزب الراديكالي اليساري الذي ارتفعت شعبيته إلى عنان السماء وسط الأزمة الاقتصادية لليونان– الأوفر حظاً في الانتخابات، وإن كان من غير المرجح أن يفوز بالعدد الكافي من المقاعد البرلمانية لكي يحكم وحده. بل من المحتمل أن يقود حكومة ائتلافية، وإن لم يكن من الواضح مع أي أحزاب أخرى.

ويمثل البرنامج الاقتصادي عنصراً أساسياً في البرنامج الانتخابي لسيريزا، وهو مصمم على مواجهة الآثار المترتبة على إجراءات التقشف الصارمة الذي اضطرت أثينا لتحمله طيلة الفترة الماضية على مدى أربع سنوات ونصف، في مقابل عمليات الإنقاذ من قبل الترويكا التي تتألف من البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والمفوضية الأوروبية. فقد تم تخفيض الرواتب بنسبة 40% في المتوسط، بينما يعاني أبناء الطبقة المتوسطة من وطأة الضرائب العقارية الجديدة.

البرنامج الاقتصادي يشكل عنصراً أساسياً في البرنامج الانتخابي لحزب سيريزا، وهو مصمم لمواجهة الآثار المترتبة على إجراءات التقشف الصارمة الذي اضطرت أثينا لتحمله طيلة الفترة الماضية على مدى أربع سنوات ونصف

الركود والبطالة والديون
ونتيجة لهذا انزلقت اليونان إلى حالة من الركود العميق والممتد، مع انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 25% عن مستويات ما قبل الأزمة. والأمر الأسوأ هو أن معدل البطالة بلغ نحو 26%، ويفوق 50% في صفوف الشباب.

ومع هذا فإنه من المقرر أن تلغى أغلب إعانات البطالة بعد 12 شهرا، مع فقدان العاطلين لفترات طويلة غالباً القدرة على الاستفادة من نظام الرعاية الصحية في الدولة. أضف إلى ذلك زيادة بنسبة 30% في أسعار الأدوية، ليصبح من السهل أن ترى لماذا يتفكك المجتمع اليوناني.

بالطبع، قد تكون هذه التضحيات مستحقة لأنها تساعد اليونان على خفض دينها العام إلى مستويات قابلة للتحمل. ولكن في نهاية 2014 بلغ الدين العام 175% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد الزيادة التي سجلها عن مستوى 2009 الذي كان بحدود 127%.

كما يتطلب سداد أقساط هذا الدين تحقيق فوائض أولية في الميزانية تعادل 4% على الأقل من الناتج إلى غاية عام 2022، وهي النتيجة التي تتطلب زيادة النمو، ولكن تحت وطأة التقشف المالي القاسي يصبح تحقيق مثل هذا النمو أمراً غير وارد.

ولهذا السبب وعد سيريزا بإطلاق برنامج إنفاق جديد ضخم، بما في ذلك قسائم الكهرباء والغذاء المجانية للفقراء، وزيادة معاشات التقاعد الحكومية إلى مستويات ما قبل الأزمة، وهو ما قد يتكلف نحو 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وستساعد زيادة الضرائب المفروضة على ذوي الدخول المرتفعة وأصحاب الأملاك الضخمة في تمويل هذه النفقات، بينما تعمل الزيادات في الحد الأدنى للأجور على إكمال جهود إعادة توزيع الدخول.

كما وعد الحزب اليساري الراديكالي بإلغاء تدابير تحرير سوق العمل ووقف برامج الخصخصة. وأخيرا، يخطط الحزب لإعادة التفاوض على ديون البلاد مع المقرضين، على أمل شطب الجزء الأكبر من التزامات الدين.

تعهدات اليونان الخارجية
والواقع أن برنامج سيريزا الاقتصادي يهمل حقيقة مهمة مفادها أن ضبط الأوضاع المالية العامة والتدابير البنيوية لا يشكل جزءاً من تعهدات اليونان فحسب، بل إن هذا يخدم أيضاً مصلحة البلاد في الأمد البعيد. ولهذا فمن غير الممكن -ولا ينبغي- إلغاء هذه التدابير. وبدلاً من ذلك لا بد من معالجة المشاكل التي تعيب صياغتها وتنفيذها من أجل تحسين فعاليتها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

إذا تعطلت مفاوضات اليونان مع ترويكا الدائنين فإن الضغوط المالية ونقص السيولة من شأنها أن تزيد من ضعف الموقف المالي والنظام المصرفي لأثينا

هذا النهج من شأنه أن يعزز موقف سيريزا في المفاوضات الخاصة بتخفيف أعباء الديون. ومع هذا فإن البيانات الرسمية تشير إلى أن ترويكا الدائنين لن تكون ميالة إلى قبول الإطار التفاوضي لهذا الحزب، بل إنها تعتزم بدلاً من ذلك إتمام المفاوضات التي أطلقتها مع حكومة يمين الوسط المنتهية ولايتها بهدف تأمين المزيد من خفض الميزانية وإطلاق إصلاحات جديدة لسوق العمل ونظام التقاعد. وباختصار ستصر الترويكا على احترام اليونان لتعهداتها السابقة.

وإذا تعطلت المفاوضات فإن الضغوط المالية ونقص السيولة نتيجة لعجز البلاد عن الاقتراض بالتكلفة الحالية، إذ بلغت عائدات السندات لعشر سنوات 9.5%، من شأنها (هذه الضغوط) أن تزيد من ضعف الموقف المالي والنظام المصرفي.

وسيؤدي هذا بدوره إلى انهيار الثقة وإشعال شرارة اضطرابات مالية، وبالتالي تضطر البلاد للبحث عن عملية إنقاذ ثالثة ستتطلب خروج اليونان من منطقة اليورو وإدخال عملة جديدة مخفضة القيمة.

علاقة أثينا بمنطقة اليورو
وفي هذه الحالة، فإن موقف أثينا الجيوسياسي سيصاب بالضعف، وسيزداد اقتصادها ركوداً وترتفع التوترات الاجتماعية. وعلاوة على ذلك فإن عدم الاستقرار سيصبح مزمنا لأن منطقة اليورو ستتوقف عن مساندة هذه الرخاوة الضريبية والمالية من جانب أثينا.

وقد تزعم سلطات منطقة اليورو أن خروج اليونان لم يعد يشكل خطراً على المنظومة الأوروبية برمتها، وذلك نظراً لتقديم أدوات متعددة في السنوات الأخيرة لمكافحة الأزمات المالية، بما في ذلك صناديق الإنقاذ التي تدعمها الحكومة، والاتحاد المصرفي الجزئي، والضوابط المالية الأكثر شدة، والدور الجديد الذي يضطلع به البنك المركزي الأوروبي بوصفه الملاذ الأخير للإقراض. ولكن خروج أحد الأعضاء يظل يشير إلى أن سلامة منطقة اليورو ليست مضمونة، وهي الرسالة التي من غير المرجح أن تغفل عنها الأسواق.

سلطات منطقة اليورو تزعم أن خروج اليونان لم يعد يشكل خطراً على المنظومة الأوروبية برمتها، وذلك نظراً لتقديم أدوات متعددة في السنوات الأخيرة لمكافحة الأزمات المالية

إن خروج اليونان قد يكون بمثابة تحذير لدول مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، حيث أصبحت الأحزاب المناهضة لأوروبا في صعود. ولكن ذلك الخروج لن يفعل شيئاً لمعالجة المشكلة الحقيقية، وهي الفجوة الاقتصادية المتزايدة بين بلدان منطقة اليورو.

وما دامت فجوة الأداء تزداد اتساعا فإن الناخبين سيستمرون في تحدي التكامل الأوروبي. ولن يتسنى عكس هذا الاتجاه إلا من خلال المزيد من التوحيد الذي يرتكز على سياسات داعمة للنمو في البلدان المتعثرة.

ولا تزال هذه النتيجة ممكنة، ولكن فقط إذا أدركت كل الأطراف المخاطر المرتبطة بخروج اليونان من المنطقة. ويتعين على أي حكومة يقودها سيريزا أن تتبنى نهجاً معتدلاً، وأن تَعِد بالاستمرار في متابعة الإصلاح والحد من الإنفاق، في مقابل خفض كبير لأعباء الديون المستحقة عليها، وهو الخفض الذي يتعين على الدائنين أن يكونوا على استعداد لمنحه.
ـــــــــــــ
وزير الاقتصاد والمالية اليوناني السابق ورئيس مركز أبحاث السياسات التقدمية.

المصدر : بروجيكت سينديكيت