انتقادات لقانون العمل الجديد بالجزائر

قانون العمل الجديد لا يحمي العامل من تجاوزات ارباب العمل ــ صورة لعمل
قانون العمل الجديد لا يحمي العامل من تجاوزات أرباب العمل (الجزيرة نت)

 ياسين بودهان-الجزائر

أثار مشروع قانون العمل الجديد في الجزائر الذي سيعرض قريبا على البرلمان للمناقشة والتصويت، انتقادات واسعة من طرف المنظمات النقابية وخبراء الاقتصاد، لأنهم يرون فيه قانونا يخدم مصالح أرباب العمل على حساب الطبقة العاملة.

ورغم إعلان الحكومة مبكرا عن قرارها إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، وهي الخطوة التي كانت تنتظرها الطبقة العاملة منذ سنوات لأن إلغاءها يترتب عليه زيادة رواتب لأكثر من ثلاثة ملايين عامل؛ فإن محتوى المشروع التمهيدي للقانون الجديد أثار حفيظة مختلف النقابات العمالية.

وترى النقابات في القانون ما يكرس سياسة الاستعباد، كون الكثير من بنوده ردعية وتخدم مصالح أرباب العمل، وأهمها عودة عقود العمل المؤقتة وغير الدائمة، ومنع النقابيين من المشاركة في لجان المساهمة أو التصويت في مجلس الإدارة، مما يوحي بأن المشروع الجديد يريد إنهاء جميع أشكال الحماية عن العامل.

ويعود سبب رفض النقابات العقود المؤقتة لأنها تسقط جميع الحقوق التي تكرسها مختلف قوانين العمل وتحرم العامل من الانخراط في المنظمات النقابية، الأمر الذي يجعله عرضة للمضايقات وحرمانه من حقوقه. ويمكن لرب العمل طرد العامل في أي وقت دون تمكينه من أي تعويض مادي، عكس ما تفرضه عقود العمل الدائمة.

وتنظر مختلف النقابات إلى محتوى المشروع على أنه يشكل تهديدا مباشرا للعمل النقابي، لأنه يمكن الحكومة من الاستحواذ على لجان المساهمة داخل المؤسسات الاقتصادية، بمنع النقابيين من حقهم في الترشح لها، وبالتالي تتمكن الحكومة من الانفراد بالقرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل هذه المؤسسات وخياراتها الإستراتيجية.

تحيز لأرباب العمل
وأثناء اجتماعهم الأسبوع الماضي لمناقشة المشروع، اتهم الأمناء العامون لنحو ثلاثين فدرالية ومنظمة تابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين الحكومة بالتحيز لأرباب العمل، وأكدوا على أن نصف بنود القانون تخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال. واتهم هؤلاء الحكومة باستعمال المادة 87 مكرر من قانون العمل كطعم لإسكات العمال، والتستر على البنود المجحفة للقانون.

فارس مسدور: المادة 87 مكرر من قانون العمل كانت تشكل عائقا كبيرا لتحسين المستوى المعيشي للفرد الجزائري (الجزيرة نت)
فارس مسدور: المادة 87 مكرر من قانون العمل كانت تشكل عائقا كبيرا لتحسين المستوى المعيشي للفرد الجزائري (الجزيرة نت)

من جانب آخر، تحدثت يمينة مغراوي رئيسة لجنة المرأة العاملة التابعة للنقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية التابعة هي الأخرى للاتحاد العام للعمال الجزائريين؛ عن وجود قرابة ثلاثة ملايين امرأة عاملة تمثل الفئات الهشة في مختلف الوظائف بسبب عقود العمل غير الدائمة في مختلف أشكال التشغيل المؤقت، مثل الشبكة الاجتماعية أو عقود ما قبل التشغيل التي تدوم سنتين فقط. وهذا يعرض هؤلاء النسوة -بحسب مغراوي- لمختلف أشكال التعسف والابتزاز بما في ذلك التحرش الجنسي.

وبحسب حديثها للجزيرة نت، فإن قانون العمل الجديد لا يحمي الفئات الهشة. وكأمثلة على ذلك تقول بأن المادة 583 لا تحمي المرأة العاملة -وبالأخص المرأة الحامل- وهي المادة نفسها التي تقول إنها تشجع على عمالة الأطفال، في حين تشجع المادة 483 نظام المناولة، وهو النظام الذي أثار الكثير من الانتقادات خاصة على مستوى الشركات العاملة في مناطق الجنوب الجزائري، وتم تسجيل العديد من الشكاوى من طرف العمال ضد الشركات.

إلغاء
أما الخبير الاقتصادي فارس مسدور، فقال إن إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل -والتي تسمح برفع الأجور- أمر ايجابي، لأن المادة كانت تشكل عائقا كبيرا لتحسين المستوى المعيشي للفرد الجزائري، ولمواكبة المتغيرات الاقتصادية على المستوى الكلي. لكنه أكد من جانب آخر على أن هذا القرار سيكلف خزينة الدولة الجزائرية سنويا ما يقارب عشرة مليارات دولار.

لكن الأشكال المطروحة -بحسب حديثه- هو أن تطبيق هذه المادة لن يكون في القريب العاجل، لأن الحكومة تريد تأخير تطبيق هذا القرار إلى أبعد حد ممكن، وهذا لا يعتبر في تقديره "سلوكا أخلاقيا أمام الالتزامات التي قدمت للمواطن الجزائري على المستوى السياسي".

وحمّل مسدور الاتحاد العام للعمال الجزائريين مسؤولية ما يعانيه العامل الجزائري، لأن هذه المنظمة النقابية "بدلا من أن تكون مدافعة عن حقوق العمال أصبحت موالية للحكومة، وكأن بين الاثنين عقد شراكة غير معلنة". ويضيف أن هذا معناه أن العمال لن ينالوا أبدا حقوقهم، وسيظل العامل الجزائري في دوامة ارتفاع الأجور مقابل ارتفاع الأسعار والعودة لضعف القدرة الشرائية.

ودون حصول اتفاق شامل بين الحكومة والنقابة وأرباب العمل يقضي برفع الأجور من جانب، وتخفيض الضرائب من جانب آخر؛ فإن القانون الجديد برأيه لن يؤدي إلى حل مشكلة القدرة الشرائية للعامل الجزائري، ولن يقضي على ظاهرة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري.

المصدر : الجزيرة