ما بعد الدولار

قضايا اقتصادية - ما بعد الدولار / خوسيه أنطونيو أوكامبو

خوسيه أنطونيو أوكامبو*

مؤتمر بريتون وودز والتعاون الاقتصادي
تعزيز العملة العالمية الحقيقية
تخصيص حقوق السحب الخاصة

مؤتمر بريتون وودز والتعاون الاقتصادي
إنه لمما يحمل دلالة رمزية أن تعقد قمة دول البريكس في فولتاريزا بالبرازيل بعد سبعة عقود بالضبط من انعقاد مؤتمر بريتون وودز الذي أنشأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكانت نتيجة اجتماع قمة مجموعة دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) الإعلان عن تأسيس بنك التنمية الجديد، الذي سيحشد الموارد لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة، فضلا عن الاتفاق على ترتيبات احتياطية لتوفير السيولة من خلال مقايضة العملات.

كان مؤتمر بريتون وودز أحد أعظم أمثلة التاريخ من التعاون الاقتصادي الدولي، ورغم أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بعد بما إذا كانت مبادرات دول البريكس سوف تنجح، فإنها تمثل تحديا كبيرا لمؤسسات بريتون وودز، التي ينبغي لها أن تستجيب. وتشكل إعادة النظر في الدور الذي يلعبه الدولار الأميركي في النظام النقدي الدولي مثالا واضحا لهذا.

القضية ليست مسألة عدالة فحسب، فوفقا للخبير الاقتصادي البلجيكي روبرت تريفين يتسم النظام النقدي الدولي الذي يقوم على عملة وطنية بعدم الاستقرار

كان ربط الدول لأسعار صرف عملاتها بالدولار الأميركي من بين السمات الرئيسية التي ميزت نظام بريتون وودز. ورغم انتهاء العمل بهذا النظام فعليا في العام 1971، ظل دور الدولار الأميركي المركزي في النظام النقدي الدولي باقيا، وهي الحقيقة التي أصبحت بلدان عديدة غير مستعدة لتقبلها.

إن عدم الرضا عن الدور الذي يلعبه الدولار عملة احتياطية عالمية مهيمنة ليس جديدا، ففي ستينيات القرن العشرين شجب وزير المالية الفرنسي (والرئيس لاحقا) فاليري جيسكار ديستان في عبارة شهيرة "الامتياز الباهظ" الذي أضفته مكانة الدولار على الولايات المتحدة.

والقضية ليست مسألة عدالة فحسب، فوفقا للخبير الاقتصادي البلجيكي روبرت تريفين، يتسم النظام النقدي الدولي الذي يقوم على عملة وطنية بعدم الاستقرار، نظرا للتوترات الناجمة عن ذلك بين المصالح المتباينة حتما بين الدولة المصدرة والنظام الدولي ككل.

تعزيز العملة العالمية الحقيقية
أطلق تريفين تحذيره هذا قبل أكثر من خمسين عاما، ولكن هذا التحذير اكتسب مؤخرا أهمية إضافية، بعد أن أصبح العالم مع صعود الصين غير راغب في التسامح مع عدم الاستقرار الناجم عن النظام الذي يهيمن عليه الدولار. ولكن الحل لا يكمن في إحلال الرنمينبي محل الدولار، ولكن في تعزيز دور العملة العالمية الحقيقية الوحيدة: حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي.

بعد إنشاء حقوق السحب الخاصة في العام 1969، التزم أعضاء صندوق النقد الدولي بجعلها "الأصل الاحتياطي الرئيسي في النظام النقدي الدولي"، وفقا لما ورد في بنود الاتفاق. ولكن الطريقة الغريبة التي تم بها تبني حقوق السحب الخاصة كانت سببا في الحد من جدواها.

رغم أن البلدان المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سحبت من مخصصاتها، فإن البلدان النامية، خاصة البلدان ذات الدخل المنخفض، كانت المستخدم الرئيسي لها

فبادئ ذي بدء، تسبب الفصل بين حساب حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي وحسابه العام في استحالة استخدام حقوق السحب الخاصة لتمويل إقراض صندوق النقد الدولي. فضلاً عن ذلك، فرغم تكديس البلدان للفائدة على حيازاتها من حقوق السحب الخاصة، فإنها لا بد أن تسدد فائدة على المخصصات التي تتلقاها. أو بعبارة أخرى، تشكل حقوق السحب الخاصة أصلا وخصما في الوقت نفسه، فتعمل خط ائتمان مضمونا لحائزيها، وهو من أشكال تسهيلات السحب على المكشوف غير المشروط.

ورغم ذلك، أثبتت حقوق السحب الخاصة كونها مفيدة، فبعد التخصيصات الأولية في الفترة 1970-1972، أصدر الصندوق المزيد منها لزيادة السيولة العالمية في أزمات دولية كبرى في الفترة 1979-1981، وفي العام 1997، ثم بشكل خاص في العام 2009 الذي شهد الإصدار الأكبر على الإطلاق، ما يعادل 250 مليار دولار أميركي.

ورغم أن البلدان المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سحبت من مخصصاتها، فإن البلدان النامية، خاصة البلدان ذات الدخل المنخفض، كانت المستخدم الرئيسي لها. والواقع أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها البلدان النامية (باستثناء الصين) المشاركة في خلق المال الدولي.

تخصيص حقوق السحب الخاصة
وتشير تقديرات عديدة إلى أن العالم قادر على استيعاب مخصصات سنوية تعادل 200 إلى 300 مليار دولار أو حتى أكثر، نظرا للطلب الإضافي على الاحتياطيات. وقد دفع هذا كثيرين، بما في ذلك محافظ بنك الشعب الصيني تشو شياو تشيوان، ولجنة ستيجليتز التي تدعمها الأمم المتحدة، ومبادرة القصر الملكي، بقيادة مايكل كامديسوس المدير الإداري السابق لصندوق النقد الدولي، ومؤسسة تريفين الدولية إلى المطالبة بإدخال تغييرات على النظام النقدي الدولي.

تشير تقديرات عديدة إلى أن العالم قادر على استيعاب مخصصات سنوية تعادل 200 إلى 300 مليار دولار أو حتى أكثر، نظرا للطلب الإضافي على الاحتياطيات

وفي العام 1979، قام جاك بولاك الخبير الاقتصادي لدى صندوق النقد الدولي، والذي كان جزءا من الوفد الهولندي في مؤتمر بريتون وودز، بتحديد الخطوط العريضة لخطة تهدف إلى القيام بهذا على وجه التحديد. وتتضمن توصياته في المقام الأول جعل كل تعاملات صندوق النقد الدولي بحقوق السحب الخاصة، الذي سوف يتطلب إنهاء الانفصال بين حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي وحساباته العامة.

وتتلخص أبسط وسيلة لتحقيق هذه الرؤية في تخصيص حقوق السحب الخاصة بوصفها أصلا احتياطيا كاملا، وبوسع البلدان إما استخدامه أو إيداعه في حسابات صندوق النقد الدولي. وسوف يستخدم صندوق النقد الدولي هذه الودائع لتمويل عمليات الإقراض بدلا من الاضطرار إلى الاعتماد على مخصصات الحصص أو ترتيبات الاقتراض من البلدان الأعضاء.

ومن الممكن إضافة تدابير أخرى، فلتلبية الطلب العالي على العملة من قِبَل البلدان النامية، وتعزيز دورها في الوقت نفسه في خلق المال الدولي، يمكن إنشاء صيغة خاصة لإعطائها حصة أكبر في مخصصات حقوق السحب الخاصة مقارنة بما تحصل عليه الآن.

ومن الممكن أيضا تشجيع الاستخدام الخاص لحقوق السحب الخاصة، ولو أن هذا من المرجح أن يلقى معارضة قوية من قِبَل البلدان التي تصدر العملات الاحتياطية الدولية حاليا، خاصة الولايات المتحدة. وإبقاء حقوق السحب الخاصة بوصفها "أموال بنك مركزي" محضة من شأنه أن يزيل هذه المعارضة، ويمكن حقوق السحب الخاصة من تكميل وتثبيت استقرار النظام الحالي، بدلا من الانقلاب عليه.

وتماما كما أعاد إطار بريتون وودز النظام إلى الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الإطار النقدي الجديد الذي يرتكز على عملة دولية حقيقية من الممكن أن يعزز الاستقرار الاقتصادي والمالي المطلوب بشدة. وسوف يستفيد الجميع من هذا، حتى الولايات المتحدة.

________
* أستاذ في جامعة كولومبيا، وقد شغل منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ومنصب وزير مالية كولومبيا. وهو المؤلف المشارك (مع لويس بيرتولا) لكتاب "التنمية الاقتصادية في أميركا اللاتينية منذ الاستقلال". 

المصدر : بروجيكت سينديكيت