التجارة الدولية والأرانب

التجارة الدولية والأرانب - اسم الكاتب : تايهو بارك - ملخص المقالة: تدلّ بحوث نظرية وتجريبية على أن فتح التجارة من الممكن أن يحفز نمو الناتج المحلي الإجمالي لدى أي بلد، ولكن زيادة حجم الفطيرة لا يضمن تقاسمها بعدالة.

undefined

– فتح التجارة والتدخل المطلوب
– التوازن المناسب
– الإرادة اللازمة
– منظمة التجارة والهيئات الدولية

يقول المثل القديم "إذا طاردت أرنبين في آن واحد فإن كليهما سوف يفر منك". ورغم ذلك فإن هذا هو على وجه التحديد المطلوب من العديد من الحكومات، ملاحقة هدفي النمو الاقتصادي وعدالة التوزيع. الواقع أن الهدفين، وإن لم يكن بوسعنا أن نعتبرهما متوافقين، فإن هناك قِلة من الأدوات السياسية التي قد تساعد في تحقيق الهدفين بنفس الوقت.

تشكل هذه الفكرة أهمية بالغة في مجال السياسات التجارية. وتدل عِدة بحوث نظرية وتجريبية على أن فتح التجارة من الممكن أن يحفز نمو الناتج المحلي الإجمالي لدى أي بلد. ولكن زيادة حجم الفطيرة لا يضمن تقاسمها بالتساوي والعدل.

غالباً ما يكون تقاسم زيادة النمو الناجمة عن فتح التجارة غير متساو، وهنا يصبح لزاماً على الحكومة أن تتدخل بالاستعانة بأدواتها التقليدية، فضلاً عن السياسات التكميلية للمساعدة على التكيف

فتح التجارة والتدخل المطلوب
فغالباً يكون تقاسم زيادة النمو الناجمة عن فتح التجارة غير متساو؛ وعلاوة على ذلك، في العديد من الحالات، يحصل البعض على حصة أصغر من تلك التي كانوا يحصلون عليها من قبل.

وهنا يصبح لزاماً على الحكومة أن تتدخل بالاستعانة بأدواتها التقليدية، الضرائب وإعادة التوزيع، فضلاً عن السياسات التكميلية مثل شبكات الأمان الاجتماعي والمساعدة على التكيف.

على نحو مماثل، ومن منظور عالمي، فإن فتح التجارة من الممكن أن يساهم في النمو الاقتصادي العالمي الإجمالي، ولكنه لا يضمن عدالة توزيع الفوائد بين الدول. ويزعم البعض أن أي دولة لن تخسر من فتح التجارة بالأرقام المطلقة؛ وإلا فإنها لن تشارك في اتفاقيات التجارة الحرة.

ورغم هذا فإن التوزيع غير المتساوي للفوائد نتيجة لفتح التجارة العالمية يعني أن بعض الدول، وخاصة الأقل تقدما، تكسب القليل بالأرقام النسبية، بل وربما تتعرض للضرر.

وهذا ما يفسر القلق المتزايد حول الدور الذي تلعبه التجارة في التنمية، على الرغم من حقيقة واضحة مفادها أن زيادة التجارة العالمية كانت سبباً في انتشال مئات الملايين من البشر من قبضة الفقر في العقود الأخيرة.

فخلافاً للدول الفردية، لا توجد سلطة مركزية قادرة على فرض إعادة توزيع الثروات على مستوى العالم، وبالتالي فإن مشكلة العدالة لابد أن تعالج من خلال تفويض التنمية الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من مفاوضات التجارة العالمية.

التوازن المناسب
ويكمن أحد الجوانب الأساسية في هذه المخاوف المرتبطة بالتنمية في تحديد مستوى التوازن المناسب في أي اتفاقية تجارية. إن "المعاملة الخاصة والتفضيلية" هي المصطلح الفني المستخدم في مفاوضات التجارة للإشارة إلى ضرورة تحويل التوازن نحو الدول النامية، مع تحديد مستوى هذه المعاملة من قِبَل الأطراف المشاركة في المحادثات.

ولكن رغم أن الميل في مفاوضات التجارة الحالية إلى السماح للدول النامية بفتح أسواقها بدرجة أقل من غيرها يساعد في تحقيق قدر أعظم من التوازن، فإن هذا من شأنه أن يقوض الأهداف الأصلية المتمثلة في تحسين الكفاءة وتعزيز النمو. كما يفشل هذا الاتجاه في تشجيع المزيد من التجارة بين بلدان الجنوب.

وفي نهاية المطاف، فإن هذا التركيز على الجانب الدفاعي من تحرير التجارة يجعل المفاوضات أكثر صعوبة. على سبيل المثال، إحدى القضايا المهمة التي تعوق تقدم أجندة الدوحة للتجارة الحرة من محادثات التجارة العالمية التابعة لمنظمة التجارة العالمية تدور حول مدى فتح الدول النامية الكبرى لأسواقها.

تتلخص الطريقة الأفضل للسعي إلى إيجاد التوازن المناسب بأي اتفاقية تجارية بمنح الدول النامية قدرة أكبر على الوصول إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك أسواق الدول النامية الأخرى

الإرادة اللازمة
وتتلخص الطريقة الأفضل للسعي إلى إيجاد التوازن في منح الدول النامية قدرة أكبر على الوصول إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك أسواق الدول النامية الأخرى.

إلا أنه في الوقت الحالي لا توجد الإرادة ولا الطاقة اللازمة لتبني هذا النهج. وبالنسبة للدول النامية التي تفتقر إلى القدرة على جانب العرض، فإن زيادة القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية تتحول إلى نقطة خلافية، حيث إن هذا يظل بعيداً عن النظر في حجم الحصة التي يجب أن تخصص لها.

وهذا يثير تخوفا آخر. فلأن مبدأ "المعونة في مقابل التجارة" -تقديم المساعدات إلى الدول النامية التي تسعى إلى تخفيف القيود التي تفرضها على التجارة- يتخذ هيئة الدعم المالي، فإن القضية العملية هنا تصبح ما إذا كان بوسع الدول المانحة أن تحافظ على مستويات التمويل، في ضوء المصاعب الاقتصادية اليوم.

وهناك فضلاً عن ذلك المشكلة الجوهرية المهملة عادة والمتمثلة في كيفية تقسيم إدارة مخططات المعونة والتجار بين المؤسسات الدولية والمحلية.

قد يكون بالإمكان أن نمسك بأرنبي التجارة العالمية بنفس الوقت. ولكن تحقيق ذلك يتطلب الاستعانة بأساليب إبداعية مبتكرة تساعد بضمان عمل التجارة العالمية في خدمة الدول النامية، وليس العكس

منظمة التجارة والهيئات الدولية
تحتفظ منظمة التجارة العالمية بالولاية القضائية بين المؤسسات الكبرى المتعددة الأطراف. والواقع أن البنك الدولي  وصندوق النقد الدولي هما المؤسستان الأفضل تجهيزاً للتعامل مع قضايا المساعدات.

وداخل الحكومات الأعضاء، فإن العلاقات مع منظمة التجارة العالمية تكون عادة مسؤولية وزارة التجارة أو وزارة الخارجية، في حين تكون المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، بما في ذلك بنوك التنمية الإقليمية، مسؤولية وزارة المالية بشكل عام.

وبالتالي فإن مبدأ المعونة في مقابل التجارة، والذي يشكل مهمة رئيسية على أجندة منظمة التجارة العالمية، يرتبط ارتباطاً ضعيفاً على المستوى المؤسسي بمفاوضات التجارة. بل وقد يكون من قبيل الدقة أن نقول إنه منفصل تماما.

ويتلخص الحل العملي هنا في المزيد من التنسيق الفعّال بين المؤسسات ذات الصلة. وتحدد اتفاقية مراكش، التي أنشأت منظمة التجارة العالمية خلفاً للاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) في عام 1994، الغرض من تحقيق قدر أعظم من التماسك بين منظمة التجارة العالمية وغيرها من الهيئات الدولية.

ويُعَد الإطار المتكامل المعزز للدول الأقل نمواً من بين المبادرات الجديرة بالذكر بشكل خاص، فهو يشمل المشاركة المكثفة والتنسيق بين الهيئات الشريكة، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.

ويتمثل النهج الأكثر طموحاً في ربط المساعدات بالتجارة بشكل صريح. ولابد من التفكير بشكل جدي في إنشاء آلية تمويل راسخة في اتفاقيات التجارة التفكير الجدي، وخاصة في مناطق مثل مفاوضات تيسير التجارة التي تديرها منظمة التجارة العالمية، حيث يشكل بناء قدرات الدول النامية قضية أساسية.

ومع هذا، فإن طلب التبرعات من الدول الأعضاء سوف يكون خطوة في الاتجاه غير الصحيح، ذلك أن منظمة التجارة العالمية ليست وكالة معونة. بل إن اتفاقيات التجارة التابعة لمنظمة التجارة العالمية قادرة على إنشاء روابط فعّالة مع بنك التنمية الإقليمية والمتعددة الأطراف، فتساعد بالتالي في تحقيق مبدأ التنسيق الدولي الأوثق المنصوص عليه في اتفاقية مراكش.

قد يكون بوسعنا أن نمسك بأرنبي التجارة العالمية في نفس الوقت. ولكن تحقيق هذه الغاية يتطلب الاستعانة بأساليب إبداعية مبتكرة تساعد في ضمان عمل التجارة العالمية في خدمة الدول النامية، وليس العكس.
ــــــــــــــــ
* وزير التجارة في كوريا الجنوبية، والمرشح لمنصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية

المصدر : بروجيكت سينديكيت