أوروبا بين شقي الرحى

(FILE) A file photograph showing a general view showing the Euro sign in front of the European Central Bank (R) in Frankfurt am Main, Germany, late 28 November 2011. Media reports on 02 April 2012 state that unemployment across
undefined

أعرب المواطنون الأوروبيون خلال احتجاجات جرت في عواصم من باريس إلى براغ في الأيام الماضية عن غضبهم إزاء إجراءات التقشف التي فرضتها عليهم أزمة الدين الأوروبي.

ورغم أن الألم الذي تسببت فيه الإجراءات الحكومية بخفض الخدمات الاجتماعية قد دفع بالمحتجين إلى الشوارع وأدى إلى زيادة الدعم للأحزاب اليسارية، فإنه من غير الواضح حتى الآن ما هي البدائل الاقتصادية لحل الأزمة؟

التقشف لن يفضي للنمو
وتقول صحيفة نيويورك تايمز في تحليل إن الاقتصاديين يرون أن رفض إجراءات التقشف الحكومية من أجل زيادة الإنفاق لن يؤدي إلى النمو الاقتصادي.

وتضيف أن حكومات في أوروبا مثل الحكومة الإسباينة تجد صعوبة حتى في تسديد ديونها، فما بالنا بتقديمها لأموال إنقاذ؟

وحتى في ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي يستطيع عجز موازنتها تحمل زيادة في الإنفاق- لا ترغب الحكومة في مثل هذه الزيادة.

كذلك لا ترغب الحكومة الهولندية في زيادة الإنفاق، ويشهد على ذلك الخلاف الذي أطاح بالحكومة أمس وكان يتركز على الجدل إزاء قضية التقشف الاقتصادي والنمو.

ويقول يورغ كريمر -كبير اقتصاديي كوميرتس بنك في فرانكفورت- إن المرحلة الحالية من أزمة الدين السيادي تتسم بالتعقيد.

وقد هبطت الأسواق الأوروبية بشدة أمس بسبب إجراءات التقشف والاتجاه للبيع في السوق الأميركية.

وفيما يترنح عدد أكبر من الأسواق الأوروبية على حافة الركود أو تسقط فيه، بدأ نخبة من صانعي السياسة يتساءلون عن ما إن كانت ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي قد ذهبا بعيدا في التأكيد بأن الالتزام بتطبيق السياسات المالية هو مطلب للنمو.

القضية الأساسية  التي تواجه منطقة اليورو هي كيفية الخلاص من الحلقة المفرغة، وهي أن إجراءات خفض الموازنة تخفض النمو بالضرورة، وترفع معدل البطالة وهي إجراءات بالتالي تقلص إيرادات الحكومات من الضرائب

وقالت نيويورك تايمز إن وحدة منطقة اليورو تقع حاليا تحت ضغوط  شديدة، حيث يشعر بعض الأوروبيين بعدم الرضى إزاء تأكيدت ألمانيا بأنه يجب على كل دول المنطقة الالتزام بتعهداتها بخفض عجز الموازنة إلى ما دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقالت المديرة العالمة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد يوم السبت الماضي إن اندفاع العالم بدون تمييز نحو التقشف قد يثبت في نهاية الأمر فشله.

لكنها اعترفت في نفس الوقت بالأزمة التي يواجهها الزعماء الأوروبيون الذين لا يملكون في معظم الأحيان الموارد لتعزيز مشروعات الخدمات العامة والبرامج الاجتماعية لتخفيف نسبة البطالة المرتفعة وهبوط الأجور.

وكرر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر أثناء اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في الأسبوع الماضي دعوته لأوروبا إلى التخلي -على الأقل بصورة مؤقتة- عن إجراءات التقشف والبدء في إجراءات حفز اقتصادي كالتي بدأها الرئيس الأميركي باراك أوباما لحفز الاقتصاد في 2009.

لكن الولايات المتحدة، بحسب نيويورك تايمز، تستطيع تمويل العجز المتفاقم في موازنتها بسبب الشره المستمر للعالم للسندات الأميركية.

الحلقة المفرغة
وقالت الصحيفة إن القضية المركزية التي تواجه منطقة اليورو هو كيفية الخلاص من الحلقة المفرغة، وهي أن إجراءات خفض الموازنة تخفض النمو بالضرورة، وترفع معدل البطالة وهي إجراءات بالتالي تقلص إيرادات الحكومات من الضرائب. ولذلك فإن النمو الاقتصادي يبدو بعيدا عن هذه المعادلة.

وأظهرت أمس إحصاءات رسمية الأزمة التي يعاني منها اقتصاد منطقة اليورو. فقد أفادت الأرقام بأن اقتصاد إسبانيا دخل في الركود، لتضاف إلى إيطاليا وبلجيكا وهولند, وإلى جمهورية التشيك من خارج منطقة اليورو.

ويقول اقتصاديون إنه حتى ألمانيا لم تفلت من الركود في الربع الأول من العام الحالي، رغم أن الإحصاءات عن الربع المذكور لم تصدر بعد.

كما أظهر مسح أجرته مؤسسة ماركيت للأبحاث هبوط الثقة في أبريل/نيسان الجاري في منطقة اليورو.

ويقول كبير اقتصاديين مركز الإصلاح الأوروبي في لندن، سايمون تيلفورد إن الدول مضطرة إلى فرض إجراءات تقشف مالية في وقت خاطئ من الدورة الاقتصادية.

فعندما تحاول الدول تنفيذ إصلاحات مالية يأتي رد فعل المستثمرين سلبيا بسبب الخوف إزاء النمو الاقتصادي، وإذا خففت إجراءات التقشف يخشى المستثمرون على قدرة الحكومات في تسديد قروضها على المدى البعيد.

ترى ألمانيا أنه لا يمكن حل مشكلة الدين بالاستدانة وأن خفض الإنفاق هو السبيل الوحيد الذي يعطي الأمل في حل".

في نفس الوقت تزداد الاحتجاجات الشعبية في عدة دول أوروبية. لكن يبدو أنها جميعا لم تثن الحكومة الألمانية عن مطالبة أوروبا بتطبيق إجراءات التقشف.

وكرر رئيس البنك المركزي الألماني جينس فايدمان -خلال اجتماع في نيوروك أمس- أن "الحل الوحيد هو ضبط الماليات العامة حيث لا يوجد بدائل". وأضاف "إنك في النهاية لا تستطيع حل مشكلة الدين بالاستدانة، إن خفض الإنفاق هو السبيل الوحيد الذي يعطي الأمل في حل".

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن رأي فايدمان يجد آذانا صاغية في ألمانيا، لكن الأمر ليس كذلك في أوروبا حيث يعتقد العديد من الاقتصاديين وصناع السياسة أن دول منطقة اليورو تستطيع القيام بما هو أكبر لتخفيف عبء التقشف عن المواطنيين الأوروبيين.

وتقول مستشارة مؤسسة إيرنست أد يونغ، ماري ديرون إن ألمانيا تستطيع إبطاء جهودها الخاصة بتعديل موازننتها والقيام بجهود أكبر لتشجيع الاستهلاك المحلي مما سيؤثر بالإيجاب على الدول الأخرى في منطقة اليورو.

وفي الأسبوع الماضي طالب صندوق النقد الدولي أوروبا بإصدار سندات تساندها كل الدول الأوروبية وتسمى يورو بوند تستطيع تخفيف الضغوط عن كاهل الدول المدينة التي تعاني من ارتفاع العائدات على سنداتها. لكن مثل هذه الخطوة تعارضها برلين.

كما ترتفع دعوات للبنك المركزي الأوروبي لضخ أموال إضافية عن طريق استئناف إعطاء قروض للقطاع المصرفي لأجل ثلاث سنوات بفائدة منخفضة.

ويقول اقتصاديون إن الزعماء السياسيين لأوروبا ارتكبوا أخطاء بعدم تشجيع الاستثمار وخلق المزيد من الوظائف داخل حدود بلادهم بصورة كافية وعدم القيام بإجراءات يرى خبراء أنها الطريق الوحيد لنمو دائم قلما يستطيع الإنفاق الحكومي تحقيقه.

المصدر : نيويورك تايمز