هل تعبر أزمة أوروبا الأطلسي؟

r_Italy's Prime Minister Silvio Berlusconi, France's President Nicolas Sarkozy, Germany's Chancellor Angela Merkel and U.S. President Barack Obama (L to R) discuss as they take part in the traditional family photo during the G20 Summit of major world economies in Cannes November 3, 2011

يقول المؤرخ الاقتصادي الأميركي المعروف نيال فيرغوسون إن أزمة الديون التي تمر بها قارة أوروبا قد تنتقل في أي لحظة إلى الولايات المتحدة، رغم الأحاديث الكثيرة التي تتكرر في أوساط الخبراء والمحللين الاقتصاديين عن أن الحالة الأميركية مختلفة عن نظيرتها الأوروبية.

وتساءل فيرغوسون، في مقالة له في موقع ديلي بيست التابع لمجلة نيوزويك الأميركية، عن مدى قدرة الولايات المتحدة على الإفلات من أزمة الديون التي تلتف حول عنق اليونان وإيطاليا.

وأضاف المؤرخ، الذي يحاضر في جامعة هارفرد، "نشرت أخيرا كتابا حول أزمة الحضارة الغربية، واليوم يبدو سؤال الأزمة أكثر إلحاحا بعدما أصبحت أثينا وروما، مهد فلسفة الغرب وفكره السياسي وقوانينه ولغاته وثقافته، بين أنياب طاعون الديون".

"
أميركا التي تعاني من ضعف شديد في الإنفاق الاستهلاكي بحاجة لأسواق أوروبا لتصرِّف فيها منتجاتها كي يعود اقتصادها للنمو مجددا
"

ثلاثة أسباب
وأوضح فيرغوسون أن الأسباب التي تستوجب على الأميركيين الاهتمام بأزمة أوروبا هي أن الولايات المتحدة التي تعاني من ضعف شديد في الإنفاق الاستهلاكي بفعل أزمة وول ستريت بحاجة إلى أسواق أوروبا لتصرِّف فيها منتجاتها كي يعود اقتصادها للنمو مجددا فوق النسبة البائسة الحالية وتنعش سوق العمل قليلا.

"ثمة أحاديث كثيرة عن أن حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين بلغ مستويات قياسية، لكن الحقيقة أن تجارة الولايات المتحدة مع دول الاتحاد الأوروبي أكبر من تجارتها مع الصين بثلاث مرات".

وأضاف المؤرخ الاقتصادي أنه إلى غاية شهر مارس/آذار الماضي بدا أن حركة التجارة الأميركية مع أوروبا في اتجاه صعودي، لكن الأزمة الأوروبية وضعت حدا لذلك، بعدما اضطرت حكومات منطقة اليورو إلى تقليص نفقاتها في إطار خطط التقشف الحاد، وهو ما أدى إلى انكماش اقتصادات كثير من دول القارة وارتفاع مستويات البطالة فيها.

أبعاد الأزمة
"ونتيجة لذلك –يضيف فيرغوسون- فقد أصبح وقوع أوروبا في ركود ثان أمرا محتوما وفقا للرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، وهذا خبر سيئ لقطاع الصادرات الأميركية الموجهة إلى الأسواق الأوروبية".

وأضاف أن أزمة أوروبا ليست محصورة في ديون حكوماتها، فثمة عدد كبير غير محدد من البنوك الأوروبية ستفلس حتما إذا ما شطبت أو قلصت قيمة السندات الحكومية التي بحوزتها.

وفي ظل عالم مصرفي معولم ولما كانت المصارف الأوروبية مكشوفة على أزمة الرهن العقاري بأميركا، فإن معظم المصارف الأميركية الكبرى مكشوفة بدرجة ما على السندات أو المصارف الأوروبية.

"
قبل أشهر قليلة فقط لم يكن لدى أحد قلق من حجم ديون روما، وفجأة ودون سابق إنذار عمت حالة من الهلع وصعدت كلفة اقتراض إيطاليا من الأسواق المالية 
"

دينامية الديون
والسبب الثالث الذي يوجب على الأميركيين الاهتمام بأزمة أوروبا يتجاوز في أهميته خطر تكرار الأزمة المالية، الخطر الأكبر هو أن ما يحدث في أوروبا اليوم قد يحدث لاحقا في الولايات المتحدة.

قبل أشهر قليلة فقط لم يكن لدى أحد قلق من حجم ديون إيطاليا التي تعادل 121% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفجأة ودون سابق إنذار عمت حالة من الهلع وصعدت كلفة اقتراض إيطاليا من الأسواق المالية من 3.5% إلى 7.5%.

ويذكر فيرغوسون أن حجم الديون الفدرالية بأميركا اليوم يعادل نحو 100% من ناتجها المحلي الإجمالي، في حين لم تكن تتجاوز قبل أربع سنوات فقط 62%. ويقدر صندوق النقد الدولي أن تبلغ ديون أميركا مستوى 115% بحلول العام 2016.

اختلاف أميركا
"طبعا هناك من الاقتصاديين من يصر على أن هذه ليست مشكلة، لأن الولايات المتحدة -على عكس إيطاليا- بوسعها طباعة ما تشاء من الأوراق النقدية، وبالتالي فهي قادرة على التحكم في قيمة ديونها رفعا وخفضا تبعا لقيمة الدولار"، على حد تعبير المؤرخ.

ويخلص فيرغوسون بالقول "لو كنت مستثمرا أجنبيا (وبالمناسبة نصف ديون القطاع الخاص المستحقة على واشنطن يملكها مستثمرون أجانب) فلن أجد عزاء في مثل هذه التبريرات ولن تشعرني بالطمأنينة، وفي لحظة ما قد أطلب تعويضا عن هذه المخاطر التي تحيق بالديون الأميركية كأن أطلب فائدة أعلى، وذلك ما حصل مع إيطاليا".

المصدر : نيوزويك