وصفة شفاء لليورو

France's President Nicolas Sarkozy (front L) and Germany's Chancellor Angela Merkel (front R) walk together during a Euro Zone leaders summit in Brussels

اليورو وحّد الأعداء السابقين بأوروبا (رويترز-أرشيف) 

توحيد الأعداء السابقين من خلال عملة موحدة كان الإنجاز السياسي التاريخي لأوروبا. واليوم يتم اختبار حقيقي للعلاقات بينهم كما لم يحدث من قبل.

 

وفي تحليل بعنوان "كيف تعالج مشكلات اليورو؟" قالت صحيفة فايننشال تايمز إن اليورو لم يصل بعد إلى حافة الانهيار لكن هناك حاجة إلى قيادة سياسية أفضل من أجل وقف تآكل الدعم السياسي.

 

لقد كان مشروع الاتحاد النقدي دائما سياسيا كما كان اقتصاديا، ولم يتغير إلى اليوم. فإذا كان اليورو قد وقع تحت ضغوط فلن تكون تلك تحديات اقتصادية كبيرة سواء تمثلت في الإفلاس الحكومي أو في انخفاض سعر الصرف. فقد استطاع اليورو دعم السوق الأوروبية الموحدة بنجاح عبر إزالة الاضطراب الناتج عن الفروق بين أسعار صرف العملات المختلفة، كما أزال الخطر الذي يمثله خفض أسعار صرف العملات والمنافسة الناتجة عن ذلك.

 

تحد سياسي

لكن التحدي الذي يواجه استمرار اليورو هو تحد سياسي. فهناك روابط قوية تربط منطقة اليورو بحيث لا توجد طريقة لطرد عضو كما أن جميع الزعماء السياسيين ملتزمون بالبقاء في منطقة اليورو. وحتى إذا قرروا الخروج منها فإن ذلك سيكون بتكلفة عالية.

 

لكن الضغوط على العملة الأوروبية الموحدة كبيرة. وإذا أراد زعماء منطقة اليورو للعملة الأوروبية الموحدة البقاء فيجب عليهم التفاوض للتوصل إلى صيغة سياسية لتحل محل الاتفاقية التي أوجدت اليورو. فقد تخلت ألمانيا عن المارك الألماني مقابل أن تتبع أوروبا طريقة الانضباط الألمانية.

 

وقالت فايننشال تايمز إنه يمكن حماية هذا المفهوم عن طريق إرساء ثلاث قواعد رئيسية: بنك مركزي أوروبي مستقل يستطيع مكافحة التضخم، ومعاهدة للاستقرار والنمو تفرض المنطق المالي الصحيح, ومنع أي عمليات إنقاذ للدول.

 

ومن بين هذه القواعد الرئيسية الثلاث يتم حاليا تنفيذ الأولى فقط. حتى إن مسألة استقلال البنك المركزي الأوروبي مسألة مهزوزة.

 

فقد راوغت دول مثل فرنسا وألمانيا للخروج على نصوص معاهدة الاستقرار والنمو. وأحجمت الدول عن معاقبة دولة عضو في منطقة اليورو.

 

ولقد ولت أيام الرخاء عندما كان بالإمكان أن تؤدي الضغوط لضمان الالتزام إلى نتائج إيجابية. كما أن الاقتراض الحكومي الزائد لم يكن هو السبب الوحيد في زيادة المديونية.

 

فعلى سبيل المثال كانت إسبانيا تعاني من مشكلات اقتصادية حتى مع وجود فوائض مالية قبل الأزمة. وبالمقارنة, فقد كانت مديونيتها أقل من ألمانيا. لكن غياب الانضباط أدى إلى تأخير إصلاحات ضرورية من أجل النمو المستمر.

 

وكان يمكن للتدفقات الكبيرة لرأس المال في أوروبا المساعدة في تنفيذ إصلاحات لكنها بدلا من ذلك مولت الزيادة في الاستهلاك وأضاعت الاستثمارات.

 

ومع استمرار فترة الطفرة تم خرق القوانين دون عقاب.

 

أما الآن فينظر لدعم أوروبا للجزء الجنوبي منها على أنه خطة إنقاذ من قبل الاتحاد الأوروبي، حيث يدفع الكريم المال لينقذ المسرف.

 


اليورو استطاع دعم السوق الأوروبية الموحدة بنجاح (الأوروبية)
اليورو استطاع دعم السوق الأوروبية الموحدة بنجاح (الأوروبية)

ويزيد من هذه النظرة الشعور الذي يحس به زعماء المنطقة بأن إفلاس دولة عضو لا يمكن تحمله. فقد أصبحت الفقرة في اتفاق الاتحاد النقدي التي تمنع الإنقاذ فقرة تمنع الإفلاس مما أدى إلى تعزيز شعور دافع الضرائب في ألمانيا بأنه يتم استغفاله.

 

وقالت فايننشال تايمز إن إدارة الزعماء الأوروبيين للأزمة إدارة غير ناجحة، كما أن فهمهم لطبيعتها لم يكن كافيا. فقد أدت المعارضة التلقائية لتدخل صندوق النقد الدولي إلى إعاقة اتخاذ موقف حاسم بشأن اليونان.

 

إعادة الهيكلة

ويتحدث بعض الزعماء الأوروبيين عن اليونان كما لو أن فشلها في تسديد القروض سيكون له نفس آثار انهيار بنك ليمان براذرز الأميركي الذي مثل أوج الأزمة المالية بالولايات المتحدة. فالمقاربة هنا مغرية حيث يشترك الاثنان في تعاظم الديون وعدم الشفافية وهروب الأموال والتسبب في انتقال عدوى. لكن وصفة الدواء ذاتها يجب أن تصلح لليونان وللدول الأخرى التي تعاني من نفس المشكلة. فيجب ضمان عدم انهيار اليونان عن طريق إعادة الهيكلة إذا فشل برنامج صندوق النقد الدولي، كما اقترح وزير المالية الألماني ولفغانغ شوبل.

 

كما يجب منع العدوى من الوصول إلى الاقتصادات الأخرى بكل طريقة ممكنة. فإذا كانت خطة الإنقاذ الأوروبية وقوامها نحو تريليون دولار جاهزة بصورة آلية لمساعدة الدول المفلسة فإن إفلاس واحدة لا يجب أن ينتقل لأخرى.

 

ثم إن أهم عدوى يجب التعامل معها هي تأثر القطاع المالي الخاص، خاصة المصارف الألمانية والفرنسية التي تفضل حكوماتها إنقاذها بذكاء عن طريق إنقاذ اليونان المدينة لهذه البنوك.

 

إن التأكيد على مسؤولية الدول عن أخطائها السيادية لن يضعف التماسك السياسي بمنطقة اليورو، بل على العكس فإنه سيقويه عن طريق إظهار الاتحاد النقدي بأنه ليس "اتحادا انتقاليا" مؤقتا ينقل أوروبا إلى مرحلة لاحقة فيما يفتقر إلى الشرعية الشعبية.

 

معاهدة النمو والاستقرار

وقالت فايننشال تايمز إنه يجب صياغة معاهدة جديدة للنمو والاستقرار ويتم ضمان تنفيذها، ليس كما يحدث بالنسبة للمعاهدة الأولى.

 

كما يجب وقف تدفق رؤوس الأموال من الاتحاد الأوروبي إلى الدول التي تخالف القواعد, ويجب تعليق حقها في التصويت. لكن القواعد الموثوقة هي وحدها التي تضمن النزاهة المالية وتعترف بأن هناك أشياء أخرى مطلوبة غير الإصلاح المالي. فيمكن التعامل مع العجوزات بصورة أفضل بالتزامن مع خفض الديون ومع زيادة نسبة النمو. فالنمو شرط مسبق للاستقرار ولا يمكن استبداله بشيء آخر.

 

إن الطلب من الدول المدينة خفض ديونها لن يحسن اقتصاداتها بل يزعزع استقرارها, لذلك يجب على الدول التي تملك الفوائض أن تقدم شيئا. فالإنفاق في وقت العجز يستطيع أن يدفع النمو. كما أن سياسة التقشف يجب أن تتزامن مع إجراءات لزيادة الطلب في القطاع الخاص.

 

كما يجب رفع معدل النمو في أوروبا في المستقبل عن طريق زيادة الإنتاجية. إن هذا الهدف لا تستطيع السياسات المالية أو النقدية أن تحققه, لكن يتم تحقيقه فقط بإصلاحات هيكلية عميقة تجنبتها أوروبا فترة طويلة.

 

وعلى الرغم من القلق إزاء اليورو فإن جائزة أوروبا تظل ليس استقرار عملتها بقدر ما هو ديناميكية اقتصادها الحقيقي.

 

وإذا لم تستطع منطقة اليورو التوصل إلى اتفاق سياسي فإن الدول ستتصرف بطريقة تحقق مصالحها الخاصة لكي تتجنب الأضرار التي يسببها مزيج الركود مع تنفيذ إجراءات التقشف.

كان يجب على ميركل أن تقول
كان يجب على ميركل أن تقول "إذا فشلت أوروبا فإن اليورو سيفشل" (الفرنسية-أرشيف)

 

وستعمد هذه الدول إلى تطبيق سياسات تضخمية قومية أو عن طريق السياسة النقدية الموحدة مما يؤدي إلى تقويض السياسة المستقلة التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي.

 

وإذا تم تطبيق هذه السياسة فسيصبح اليورو مهددا.

 

ولذلك فإن تجنب مثل هذا الفشل الكارثي هو المسؤولية الأولى التي تقع على عاتق زعماء منطقة اليورو.

 

ففي يوم من الأيام حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أنه "إذا فشل اليورو فإن أوروبا ستفشل"، لكن كان يجب عليها أن تقول "إذا فشلت أوروبا فإن اليورو سيفشل".

المصدر : فايننشال تايمز