الأزمة الاقتصادية تسبب هجرة عكسية

f_Foreign workers stand in line to take a bus that will transport them to where they live at the end of their shift at a construction site in Dubai on April 16, 2008.



أدى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة المشاعر العدائية للعمالة الأجنبية في الدول المتقدمة إلى انخفاض موجات الهجرة إليها لتصل أدنى مستوياتها منذ الكساد الكبير.

 

وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن التقارير الحكومية والمعلومات المستقاة من منظمات مستقلة تشير إلى أن تدفق المهاجرين من الدول الفقيرة إلى الغنية تباطأ بصورة كبيرة لأول مرة في عدة عقود إضافة إلى أن عددا متزايدا من المهاجرين بدؤوا بالعودة إلى بلادهم الأصلية.

 

ومن ضمن العمالة العائدة عمال طرق من بنغلاديش وخادمات من الفلبين وعمال مصانع من إندونيسيا وفيتنام وعمال بناء من المكسيك إضافة إلى مصرفيين ومحامين ومتخصصين في العقارات كانوا يعملون في سنغافورة ودبي.

 

وقالت الصحيفة إن الهجرة من المكسيك إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 13% في الربع الأول من العام الحالي بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي, بينما فاق عدد المكسيكيين العائدين إلى بلادهم عدد القادمين إلى الولايات المتحدة.

 

وتتوقع إندونيسيا عودة ستين ألفا من مواطنيها من ماليزيا وكوريا الجنوبية ودول أخرى قريبة هذا العام بعد فقدان وظائفهم.

 

كما تتوقع الهند عودة عشرات الآلاف من مواطنيها من دبي بعد انكماش سوق العمل هناك.

 

أما في بريطانيا فإن عدد العمال القادمين من دول الاتحاد الأوروبي مثل بولندا والتشيك انخفض بنسبة 55% في الربع الأول من 2009 بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.

 

وتعود العمالة إلى مواطنها الأصلية في معظم البلدان المصدرة لها من نيبال إلى طاجيكستان.

 

ويقول ديليب راثا خبير شؤون الهجرة بالبنك الدولي إن بعض العمال أصبحوا يفضلون عدم الهجرة على الإطلاق، واصفا هذا الوضع بأنه جديد جدا وغير مسبوق.

  

انخفاض التحويلات

وتقول وول ستريت إن هذا التغير في اتجاه الهجرة وفلسفتها قد يترك تأثيرات خطيرة على الدول المتقدمة خاصة حيث لا يتزايد عدد السكان بنسبة تساعد في ملء الأماكن التي تخليها العمالة الأجنبية العائدة، أو في دفع تعويضات الرعاية الاجتماعية.

 

فقد كانت العمالة الأجنبية العالية الكفاءة مصدرا مهما للضرائب في بعض المدن كما ملأ أبناء المهاجرين فصول المدارس الخاصة والجامعات. أما في الدول النامية فقد انخفضت تحويلات العمالة المهاجرة ما يعني انخفاض الدخل في هذه الدول وبالتالي انخفاض النمو الاقتصادي.

 

وتعتمد دول مثل المكسيك وفيتنام والفلبين بصورة كبيرة على تحويلات المغتربين.

 

ويقول البنك الدولي إن تحويلات العمالة المهاجرة ستنخفض بنسبة 8% هذا العام بعد ارتفاعها إلى 305 مليارات دولار في 2008 أي ضعف الرقم المسجل في عام 2002.

 

ويتساءل المحللون عن ما إذا كانت موجة الهجرة المعاكسة من الدول المتقدمة سوف تستمر بعد فترة الركود الاقتصادي وستكون بحجم كبير كما يتوقعون.

 

وقد سعى العديد من العمال الأجانب جاهدين إلى تحقيق الاستقرار في الدول المضيفة وقد يكون هؤلاء غير راغبين في العودة حتى في حال فقدانهم وظائفهم.

 

"
البنك الدولي يقول إن تحويلات العمالة المهاجرة ستنخفض بنسبة 8% هذا العام بعد ارتفاعها إلى 305 مليارات دولار في 2008 وهو ضعف الرقم المسجل في عام 2002
"

 لكن محللين يقولون إن الاتجاه الكبير في الهجرة المعاكسة قد يستمر لفترة طويلة، خاصة في حال إعطاء العائدين دفعة لاقتصادات بلادهم أو في حال حاجة الوضع الاقتصادي في الدول المتقدمة إلى وقت طويل للتعافي.

 

ويعتقد اقتصاديون أن أكبر موجات للهجرة في العالم حدثت في نهاية القرن التاسع عشر عندما هرب ملايين الناس من أوروبا الشرقية ومنطقة البحر المتوسط إلى أميركا الشمالية وأستراليا وجنوب أفريقيا وأميركا الجنوبية.

  

موجة الهجرة الثانية

أما الموجة الثانية وهي الأكبر فقد حدثت بعد مائة سنة وبعد سقوط جدار برلين في 1989 في ظل التطور التكنولوجي والسياحي وتكنولوجيا الاتصالات في العالم.

 

وارتفعت هذه الموجة إلى أعلى مستوياتها في نهاية القرن الماضي والسنوات الأولى من القرن الحالي حيث زاد النمو الاقتصادي الطلب على العمال الأجانب.

 

وأصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا مرة أخرى الدول المستقبلة الرئيسية للعمالة الأجنبية إضافة إلى الإمارات وبعض الدول الأخرى حديثة الثراء.

 

وقد ارتفعت نسبة العمالة الأجنبية المهاجرة في الولايات المتحدة بنسبة 16% في 2007 من 9% في 1990.

 

لكن مع الركود الاقتصادي فإن عددا متزايدا من العمال يغادرون الإمارات ويتوقع اقتصاديون أن يبقى عدد سكان الإمارات دون تغيير هذا العام بعد أن شهد زيادة بأكثر من 6% في 2007 وفي 2008.

 

وفي سنغافورة التي ازدهرت فيها صناعة الإنشاءات فإن 75% من الزيادة في عدد السكان في الفترة من 2003 إلى 2008 جاءت من العمالة الأجنبية. لكن مع انخفاض فرص الوظائف قد يغادر سنغافورة هذا العام مائتا ألف أجنبي.

 

وفي الولايات المتحدة التي طالما اجتذبت العمال من أميركا اللاتينية، فإن عدد العمال غير المسجلين رسميا وصل إلى ذروته وربما يكون قد بدأ في التراجع.

 

ويقول مركز بيو الإسباني للإحصاءات السكانية إن عدد المهاجرين من أميركا الجنوبية انخفض أربعمائة ألف من الذروة التي وصلها وهي ثلاثة ملايين في 2006.

 

وتقول معلومات صادرة عن الحكومة المكسيكية إن الهجرة من المكسيك -وهي أكبر مصدر للعمالة إلى الولايات المتحدة- انخفضت بنسبة 13% في أول فصل من 2009. وفي نفس الوقت انخفضت معدلات العائدين إلى المكسيك من الولايات المتحدة إلى 137 ألفا من 139 ألفا.

 


بعض الدول تقدم حوافز للعمال للعودة
(الفرنسية-أرشيف)
بعض الدول تقدم حوافز للعمال للعودة
(الفرنسية-أرشيف)

 

حوافز لعودة العمالة

وتقول وول ستريت إن بعض الدول تقدم حوافز للعمال للعودة. فتقوم حكومات الدول المتقدمة بوضع العراقيل أمام تأشيرات المهاجر ما يجعل الاستقرار أمرا صعبا.

 

وقد قدمت إسبانيا واليابان عروضا نقدية للمهاجرين للعودة وإلا واجهوا قيودا أقسى على بقائهم.

 

وأعربت أستراليا مؤخرا عن رغبتها في خفض معدل الهجرة إليها بنسبة 14%. أما ماليزيا فجمدت تصاريح العمل للعمال الأجانب في بعض مناحي الاقتصاد وطلبت من أرباب العمل تسريحهم قبل الاستغناء عن أبناء البلاد الأصليين.

 

ويقول اقتصاديون إن التحول في الهجرة يمثل تحديا جديدا للوعود بتحقيق العولمة.

 

وطالما أكد اقتصاديون أن انتقال العمالة هي في مصلحة الطرفين حيث توفر فرص العمل للعمال من الدول النامية بينما تعطي أرباب العمل في الدول المتقدمة خيارات أكثر فيما يتعلق بتحسين الكفاءة وخفض التكلفة.

المصدر : وول ستريت جورنال