تاء التأنيث.. مهرجان "سلا" المغربي يحتفي بالمرأة

المهرجان العالمي لفيلم المرأة
جانب من المشاركات في المهرجان الدولي لفيلم المرأة بمدينة "سلا" المغربية (الجزيرة)

نزار الفراوي-الرباط

ملصقات ضخمة قاسمها المشترك وجوه نسائية تنطق بأحوال نساء العالم وأوضاعهن المختلفة.. قاعة السينما تسطع أضواؤها في قلب هذا الحي الشعبي، وخلف السواتر الأمنية يحتشد فتية الحي وفتياته.

الأمهات أيضا بجلاليبهن التقليدية، وجدن منفذا للتنصل من أعباء البيت، وها هنّ يجتمعن في لحظة دهشة واكتشاف قبالة موكب ضيوف المهرجان.

هنا مدينة "سلا" المتاخمة للعاصمة الرباط، والحدث مهرجانها الدولي لفيلم المرأة في دورته الثانية عشرة الذي افتتح أمس الاثنين.

يسدل السجاد الأحمر في الساحة التي تغلق مؤقتا أمام حركة السير.. وتحت الأضواء وعلى وقع الهتافات، تتعاقب النجمات مستعرضات زينة تنوعت بين فساتين عصرية و"قفاطين" مغربية اقتضى تقليد المهرجان أن تتألق فيها سيدات من مختلف الجنسيات.

أبعد من الاحتفالية التي باتت سنة التظاهرات الفنية، ينظر منظمو المهرجان لأفلام المرأة. وفي صلب هذا الهامش الحضري، يراد لمشروع اكتسى مع تعاقب الدورات نضجا وصيتا، أن يكون واجهة لتكريس فكرة سينما لا تعير المرأة صوتا غير صوتها، ولا تسكنها قالبا يضيق بكينونتها ووجودها الحي في المجتمع والتاريخ.

من دوائر حضارية وثقافية مختلفة يتعايش فيها الغرب والشرق، الشمال والجنوب، يستقبل هذا الموعد الفريد أفلاما تتناول أوضاع النساء عبر العالم بعمق ومصداقية، مع إعطاء الأولوية للأفلام التي أخرجتها نساء لعلهن أقدر على الغوص في عوالم المرأة واستنطاق تطلعاتها واحتياجاتها.

نضال
واثقة الخطى، وبهدوء التجربة والرحلة الطويلة في الفن والحياة، تصعد المخرجة والمنتجة التونسية المخضرمة سلمى بكار لتسلم درع تكريم تراه صدى لنضالاتها من أجل حرية النساء وكرامتهن، قدر له أن يجتاز الحدود، فيعضد قناعتها بأن البذور التي غرستها على الشاشة التونسية والعربية في السينما والتلفزيون لم تتبدد.

ومن عمق القاعة، تتطلع المخرجة المغربية الشابة أسماء المدير إلى تلك الطريق الشاقة التي مشتها رائدات كنّ قليلات لكن عنيدات وحالمات مثل سلمى، من أجل صورة للمرأة العربية تصنعها بنفسها، وصوت يطلع من أعماقها.

الوقوف خلف الكاميرا سلطة تمكّن المخرجة من فرض رؤيتها الخاصة للأشياء، ومنها وضعية بنات جنسها، لكن دون السقوط في لعبة الشعارات والنضالية الفجة.

فتناول قضية المرأة لا يعني تكريس وضعها كحلقة ضعيفة في النسيج المجتمعي. وحسب المخرجة الشابة التي لقيت تجاربها الواعدة من أفلام قصيرة وأشرطة وثائقية عرض بعضها على "الجزيرة الوثائقية" ترحيبا طيبا، ينبغي تجاوز القصص النمطية للمرأة المسلوبة الإرادة التي تعاني مظاهر التحرش والظلم والإقصاء.

مع وجود مخرجات وكاتبات، وحتى رجال بوعي حضاري رفيع، باتت المرأة تكتب نصها الخاص.. السينما إذن في الطريق لتفتح أفقا آخر لموقع المرأة في السينما كواجهة ثقافية وفنية، ترفيهية نعم، لكن ببعد اجتماعي واضح، لكونها -ولو متخيلة- مرآة حقيقية لأعطاب المجتمع، وعاكسا لتناقضاته.

‪صورة من الفيلم الجزائري
‪صورة من الفيلم الجزائري "إلى آخر الزمان" من إخراج ياسمين شويخ‬ (مواقع التواصل)

المرأة والجسد
أما اختزال المرأة في الجسد فواقع يصنع مجد السينما التجارية، غير أن أسماء المدير لا تبرئ الفنانين من المشاركة في هذا المشهد. فحد أدنى من الذكاء يجعل أي ممثل يعرف إن كان اختياره لدور ما أو مطالبته بتجسيد مشاهد معينة، مسألة مجانية أو عملية وظيفية يفرضها منطق السرد في الفيلم. والممثل -أو الممثلة- قد يكون -بقصد أو غير قصد- شريكا في ترويج صورة سلبية عنه وعن الكائن الذي يمثله.

ليس الموضوع حكرا على العالم العربي، أو الثقافات التي توصم بأنها محافظة وتقليدية، ذلك أن اختزال الكينونة النسائية واجترار الأفكار النمطية تجاه الأنثى وتقديمها كموضوع لا كفاعل، ظاهرة لا تستثني الفن السابع في العالم الحداثي المصنع.

تعميم لا يلغي الفارق، والكاتبة والصحفية الأرجنتينية المتخصصة في السينما أناليا إغلسياس التي تداوم على حضور مهرجان "سلا" منذ سنوات، تصر على التمييز بين التجارب السينمائية في أوروبا وأميركا اللاتينية التي قطعت شوطا بعيدا في منح المرأة إمكانيات التعبير عن ذاتها، وكسر القوالب الاجتماعية التي ترسمها موضوعا للرغبة، مقارنة مع سينما هوليود التي توظف المرأة أداة سهلة للإثارة والتسويق.

أما بخصوص السينما العربية التي تابعت بعض إنتاجاتها وتجاربها، فإن إغلسياس تستحضر مشهدا سينمائيا تجده نموذجا لسينما عربية تعيد إنتاج التصورات التقليدية عن كائن كأنما وجد ليثير إعجاب الآخر.

"ليس منطقيا أن تبدو سيدة قامت للتو من نومها وهي في كامل زينتها"، تقول إغلسياس التي تسجل في المقابل ظهور العديد من المخرجات العربيات اللواتي يبدين شجاعة وتحررا في التعامل مع المرأة كذات لها صوتها المستقل، خصوصا في مجال الفيلم الوثائقي، حيث لغة الواقعية والقرب تجعل السينما أصدق ربما في التعبير عن الأشياء.

المصدر : الجزيرة