مصر.. سخط محلي ودولي بسبب دراما رمضانية

تبني دراما مصرية لروايات مؤسسات أمنية مصرية أثار استنكارا ورفضا محليا ودوليا صورة تجمع ملصقي دعاية لمسلسلي "كلبش 2" و "أبو عمر المصري" والتجميع خاص للجزيرة نت
أثار مسلسل كلبش 2 أثار انتقادات محلية في حين انتقدت السودان مسلسل أبو عمر المصري (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لم تكد تمر أيام على بداية شهر رمضان حتى أثارت عدة مسلسلات مصرية ردود أفعال ساخطة على خلفية ما تضمنته من محتوى يروج لروايات المؤسسات الأمنية المصرية بشأن معارضي النظام وتعاطيها معهم، وكذلك مشاهد استعدت إحدى دول الجوار (السودان) رسميا وشعبيا.

ورصد مراقبون هذا العام زيادة جرعة المسلسلات التي تقوم على محتوى يمجد دور المؤسسات الأمنية بمصر، ويتناول رؤية النظام التي يروج لها بشأن حربه على "الإرهاب"، وأخرى تروج لرؤى السلطة السياسية وتسعى لتحسين صورتها.

ويأتي في مقدمة هذه المسلسلات مسلسل "كلبش 2" الذي يذاع جزؤه الثاني هذا العام، ويقوم على تقديم صورة مثالية ودعائية لضابط شرطة يتولى الإشراف على سجن طرة شديد الحراسة (العقرب) سيئ السمعة.

ودفعت حلقاته الأولى أهالي معتقلي العقرب لتدشين حملة بمواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة المسلسل الذي ترى أنه يقدم "محتوى مضللا" ويسعى لتجميل الصورة الذهنية لسجن العقرب، وينقل "صورة مغلوطة، ومدلسة، وكاذبة عن طبيعة السجن وظروفه غير الآدمية وغير الإنسانية وخلفية المعتقلين فيه" حسب صفحة "رابطة أهالي معتقلي العقرب".

وكان أمير كرارة بطل المسلسل قد أكد في حوار مع إحدى الصحف المحلية أن المسلسل حظي بدعم كامل من وزارة الداخلية، تمثل في توفير العناصر البشرية والمادية من أفراد شرطة ومدرعات وأسلحة وذخيرة، مبديا سعادته باحتفاء قيادات أمنية بجزء المسلسل الأول، كونه حقق ما يسعون لتحقيقه منذ 10 سنوات.

رسمي وشعبي
فيما دفع مسلسل "أبو عمر المصري"، الخرطوم لتقديم "احتجاج رسمي" لدى القاهرة على ما قدمه من محتوى في حلقاته الأولى، حيث أظهر السودان ساحة مستباحة لمنظمات إرهابية، واعتبرت الخارجية السودانية في بيان لها المسلسل "عملا مسيئا للشعبين الشقيقين"، مطالبة السلطات المصرية المعنية بوضع حد لذلك.

وتزامن التصعيد الرسمي للخرطوم مع تصعيد شعبي، حيث شن نشطاء سودانيون حملة بمواقع التواصل الاجتماعي على المسلسل والنظام المصري، الأمر الذي دفع مصر للإعلان من خلال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (رسمي) مكرم محمد أحمد عن حذف بعض مشاهد المسلسل التي قد تسيء لدولة السودان.

ويتوقع مراقبون أن تلحق مسلسلات أخرى لمسلسلي "كلبش 2″ و"أبو عمر المصري" في إثارة الجدل والرفض خلال رمضان، بعد عرض ما تقدمه من محتوى ينطلق من "وجهة نظر" النظام التي يريد أن يمليها على المشاهد المصري، أبرزها مسلسلات "طايع"، و"نسر الصعيد"، و"أمر واقع"، و"السهام المارقة"، و"فوق السحاب"، وغيرها.

مدير قناة "الشرق" الفضائية أحمد عبده يؤكد أن السلطات المصرية توزع مضامين سياسية على المنتجين بتوجيه مباشر، تستهدف تثبيتها في عقول المصريين من خلال الدراما الرمضانية، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه المسلسلات لها تأثير على قطاعات ليست قليلة من المجتمع.

فيما يكشف الناقد والمنتج الفني أيمن عبد الرازق عن وجود توجه رسمي لأن تركز الدراما على تمجيد دور المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث أوصى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام صناع الدراما بأن يعملوا على ذلك بما يملكون من قدرة وأدوات في أعمالهم القادمة.

أيمن عبد الرازق: النظام يرى الدراما إحدى أدواته في شن حرب نفسية على معارضيه (الجزيرة)
أيمن عبد الرازق: النظام يرى الدراما إحدى أدواته في شن حرب نفسية على معارضيه (الجزيرة)

 حرب نفسية
ويشير عبد الرزاق في حديثه للجزيرة نت إلى أن النظام يرى الدراما إحدى أدواته في شن حرب نفسية على معارضيه، ويعمل على ذلك من خلال شركات تتبع له ويديرها أبناء أجهزة أمنية، ومن تلك الشركات شركة "سينرجي" التي يملكها تامر مرسي ويديرها ضابط المخابرات السابق ياسر سليم.

ويرى أن الدراما سلاح مؤثر يدغدغ مشاعر العامة الذين تُسَيِّرُهم العواطف، ويتأثرون بحبهم لبعض الممثلين المشاهير، ذاهبا إلى أن هذه المسلسلات سيكون لها نسب تأثير ليست بالقليلة، خاصة بين الطبقات البسيطة التي لم تنل حظا كافيا من التعليم والثقافة.

بدوره يلفت المخرج أحمد أبو الفتوح النظر إلى أن استغلال الدراما من قبل الأجهزة الأمنية ليس حديثا، وظهر قبل الانقلاب العسكري وفض اعتصامي رابعة والنهضة من خلال مضامين استدعت مخاوف من وجود جماعات إرهابية، وأوجد حالة شحن كبيرة ضدها، ما أثمر تقبلا لدى شريحة واسعة للانتهاكات التي حدثت بعد ذلك.

أحمد أبو الفتوح: استغلال الدراما من قبل الأجهزة الأمنية ليس حديثا لكنه زاد بشكل كبير بعد الانقلاب (الجزيرة)
أحمد أبو الفتوح: استغلال الدراما من قبل الأجهزة الأمنية ليس حديثا لكنه زاد بشكل كبير بعد الانقلاب (الجزيرة)

لكنه يرى في حديثه للجزيرة نت أن هذا التوجه زاد بشكل كبير بعد الانقلاب، وبات توجيه الدراما واضحا بشكل فج وصارخ، وظهر من خلال المسلسلات التي تقدم رسالة تضخيم لدور الشرطة والجيش وحربهما على الإرهاب، معتبرا هذا التدخل "الفج" يقدم منتجات "رديئة" لا تتماس مع الواقع ولا تعبر عنه.

أما مسؤولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور سلمى أشرف فاعتبرت اعتماد النظام المصري على الدراما لتمرير "صورة غير حقيقية" لتعامل أجهزتها الأمنية مع معارضيه يأتي في إطار محاولاتها المستميتة لتحصيل قبول شعبي ودولي مفتقد.

وترى في حديثها للجزيرة نت أن صناع الدراما الذين يتعاطون مع توجيهات النظام في هذا الإطار يرتكبون بذلك جريمة حقوقية بالتحريض على العنف تجاه شريحة من المجتمع، كما يتحملون مسؤولية أخلاقية بتزييفهم الواقع والحقائق وتبديلهم الأدوار بجعل الضحية متهما والعكس.

المصدر : الجزيرة