الثقافة بمصر تحت سوط الرقابة مجددا

مقرات للرقابة على المصنفات بقصور الثقافة منعاً لأي عرض مزعج للسلطة. (تصوير خاص لمبنى قصر ثقافة الجيزة ـ الجيزة ـ مارس 2018).
مبنى قصر ثقافة الجيزة (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

أصدرت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم قرارا بإنشاء مقرات للإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية في سبع محافظات اعتبارا من أول أبريل/نيسان المقبل، في أعقاب أزمة مسرحية سليمان خاطر التي عرضت على أحد مسارح قصور الثقافة.

وقد شمل القرار قصور الثقافة بالجيزة والسادس من أكتوبر وجنوب سيناء وأسيوط وأسوان والأقصر ومرسى مطروح والبحر الأحمر.

واعتبر مسؤولون أن المسرحية غير مناسبة للعرض، ووجهت النيابة للقائمين على العمل الفني تهمة الإساءة لمؤسسات الدولة، بعد اعتقال طال أبطال العمل ومخرجه واثنين من أعضاء نادي الصيد ـحيث عُرضت المسرحيةـ وفّرا زيا شبيها بالعسكري للممثلين، لازما للعمل الفني.

وتدور أحداث المسرحية حول المجند سليمان خاطر الذي قتل عام 1985 عددا من الإسرائيليين تسللوا إلى مصر عبر الحدود، ولم يلتزموا بتهديده لهم ومطالبتهم بالرجوع.

وفي يناير/كانون الثاني 1986، أعلنت السلطات انتحار سليمان خاطر، فيما قالت شهادات غير رسمية إنه قُتل لغلق ملف القضية وعدم تعكير صفو العلاقات المصرية الإسرائيلية التي كانت في مرحلة الازدهار عقب اتفاقية السلام، وهو أمر لم يتقبله الرأي العام حينها.

المخرج محمد سامي: الدولة تمر بظروف عصيبة تستلزم صدور هذه القرارات من جانب وزارة الثقافة

تسهيل الإجراءات
ورأى مبدعون ونقاد أن خطوة وزارة الثقافة نشر فروع للرقابة على المصنفات، تكشف عن رغبة السلطة في الهيمنة على المشهد الثقافي عبر نشر أذرعها الرقابية في مختلف أنحاء البلاد.

وقادت الوزيرة الحالية عددا من المثقفين والفنانين إلى ما وصف باحتلال مقر وزارة الثقافة ومنع وزيرها علاء عبد العزيز من دخول مكتبه نهاية فترة الرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك احتجاجا على ما سموه "قمع الثقافة وأخونة الوزارة".

ودافع رئيس البيت الفني للمسرح سابقا فتوح أحمد عن قرار الوزارة الأخير، بالتأكيد على أنه لا يؤثر على المناخ الثقافي في مصر، "بل يسهل الإجراءات".

واستبعد فتوح أحمد أن يكون للقرار علاقة بمسرحية سليمان خاطر المحظورة، "فالمبدعون يعيشون في دولة قانون"، وهذا القرار جيد ومفيد لكل المبدعين برأيه.

واعتبر المتحدث أن نشر فروع الرقابة على المصنفات هو من سياسات اللامركزية التي تسعى الحكومة لتطبيقها، تيسيرا للمبدعين لا رقابة عليهم.

واتفق مع ذلك المخرج محمد سامي، موضحا أن الدولة تمرّ "بظروف عصيبة تستلزم صدور هذه القرارات من جانب وزارة الثقافة"، وأكد أن ذلك القرار لا يؤثر على مناخ الإبداع في مصر "فالأدوات الرقابية تحد من الخلل الذي أصاب الإبداع مؤخرا".

واعتبر مخرج مسلسل الأسطورة -الذي حظي بنسبة مشاهدة كبيرة- أن الوزارة عليها ألا تسعى بهذه الفروع الجديدة للمصنفات إلى تقييد حرية الإبداع، ولكن "لمواجهة الفكر الذي يدمر المجتمع".

‪الشناوي: فنانو مصر وطنيون ولا يحتاجون إلى رقابة تضيق عليهم‬  (مواقع تواصل)
‪الشناوي: فنانو مصر وطنيون ولا يحتاجون إلى رقابة تضيق عليهم‬  (مواقع تواصل)

قيود استباقية
أما الموسيقار هاني مهنى، فقد طالب وزارة الثقافة بمراقبة الأعمال بحكمة واستنارة، لتتيح حرية الإبداع كما يبتغيه مثقفو مصر، حتى لا تتحول الرقابة على المصنفات إلى سيف مسلط على حرية الإبداع.

ورغم "الظروف الاستثنائية" التي تمر بها البلاد، يؤكد مهنى على ضرورة أن تكفل الأدوات الرقابية لوزارة الثقافة في المحافظات حرية الإبداع دون تضييق، حتى يزدهر المناخ الثقافي في مصر.

واستنكر مهنى ما حدث مع مسرحية سليمان خاطر، محذرا من تكرار هذا السلوك "الذي يقتل الفن".

بدوره رأى الناقد طارق الشناوي أن الذعر من الرقابة سيطفئ جذوة الإبداع لا ريب، معتبرا أن خلق أدوات جديدة للرقابة خنقا للإبداع، وأنه "لا حاجة لأذرع رقابية جديدة" في الفن لأن "فناني مصر وطنيون".

وقال الشناوي إن هذه القرارات تحاول استباق عروض أخرى قد تكون مثيرة للجدل، وبذلك فهي قد تجاوزت كثيرا المسرحية كحدث انتهى، لتستبق العروض الجديدة برقابة سابقة على العرض.

المصدر : الجزيرة