رسائل المنفى.. الهجرة واللجوء بين الأدبين الفلسطيني والسوري

ندوة دولية بأسطنبول تتناول الهجرة واللجوء بين الأدبين الفلسطيني والسوري
جانب من الندوة (الجزيرة)

عمران عبد الله-إسطنبول

أقيمت بمدينة إسطنبول التركية الندوة الدولية الثانية لأدب العودة، تحت عنوان "مقاربات الهجرة واللجوء بين الأدبين الفلسطيني والسوري"، التي نظمت بالشراكة بين جامعة إسطنبول وكلية الأدبيات فيها، ومعهد الفارابي، وبيت فلسطين للشعر وثقافة العودة، في مركز المؤتمرات والثقافة لجامعة إسطنبول.

وبدأت أعمال الندوة أمس الخميس بكلمات عبد الله كزلجك مدير معهد الفارابي، وحياتي دولي عميد كلية الأدبيات بجامعة إسطنبول، ورئيس جامعة إسطنبول محمود أك، وعميد كلية الإلهيات مرتضى بدر، وبمشاركة محمود عمر خيتي رئيس الجمعية السورية للفنون التشكيلية (شام)، التي نظمت معرضاً للفنون التشكيلية على هامش الندوة.

وشارك في فعاليات الندوة التي تضمنت أربع جلسات ثلة من الأدباء والشعراء والأكاديميين والفنانين العرب والأتراك، للحديث في عدة محاور عن شعر اللجوء والعودة والشعراء المغتربين.

وقال الدكتور محمود خيتي للجزيرة نت إن معرض الفن التشكيلي شهد مشاركة 38 فنانا سوريا وجزائريا وعراقيا ومن جنسيات أخرى أيضاً، مؤكداً أن الفنانين لم يختاروا اللوحات الوطنية والثورية فقط، بل كافة نواحي الحياة، لأن ذلك يعكس الواقع أكثر.

وضم المعرض نحو ستين عملاً فنياً، بينها لوحات زيتية ونحت وتصوير، تتناول مواضيع الوطن والغربة وحنين الفنان المغترب. 

مصعب حمود: شعر العودة السوري والفلسطيني يخرج من مشكاة واحدة، لكن بعض الشعراء السوريين يخشون على أهلهم في سوريا ولا يجهرون مثل الفلسطينيين، لهذا يصعب تجميع تراثهم

زفرات الحنين
"نحن أحفاد الشعراء الذين كتبوا في خيام الهجرة عائدون". هكذا استهل سمير عطية مدير بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة كلمته.

وقال عطية إن بيت فلسطين للشعر بدأ في دمشق، وعاش بدايات تكون القصائد والقصص عن الهجرة في الأدب السوري، ثم لاحظ مجددا أعمال الأدباء الذين هاجروا خارج سوريا، وهو ما ذكرهم بأدب النكبة والنكسة.

وفي مداخلته، قال محمود خيتي إنه يرى أربع قواعد أساسية تعين الباحث على تقديم دراسة نقدية عن أدب المهاجر السوري، أهمها أنه "لا يحتاج لتمكن في اللغة ولا جمهور، بل إلى لحظات ألم وشعور إنساني بحت هو الحنين والشوق المعبر عنه بدمعة على الخد".

واعتبر خيتي أن هذا التعبير العفوي هو الأصدق، وهو سابق على النص الأدبي، مضيفاً أن "الحنين يصدر عن الفنان تجاه نفسه وتجاه إنسان آخر، مثل الجدة والحبيبة، وتجاه المكان مثل القرية والبيت، وتجاه الزمان مثل الحنين للطفولة والشباب".

محمود خيتي: الأدب الذاتي لا يحتمل الأبعاد والرؤى الفكرية والفلسفية والسياسية تحت أي ذريعة، والأدب يفسد بالصوت العالي والخطابة والوعظ

وانتقد خيتي التنمق وغياب الذاتية في شعر العودة، مؤكداً أن "أدب المهاجر يجب أن يكون أدبا ذاتيا غير وصفي، وهو ابن التعبير الانفعالي واللحظة الشعورية".

وبينما رأى الأكاديمي والناقد الأدبي مصعب حمود أن شعر العودة السوري والفلسطيني يخرج من مشكاة واحدة، لفت إلى أن بعض الشعراء السوريين يخشون على أهلهم في سوريا، ولا يجهرون مثل الفلسطينيين، لهذا يصعب تجميع تراثهم.

وقال حمود إن الشعر السوري يبدو كأنه صيحة في تظاهرة تهتف بالحرية، بينما الشعر الفلسطيني كأنه تأمل على جبل، معتبرا أن الشعر السوري يشعر بعقدة الذنب بعد خروجه من الوطن، فهو شعر اعتذاري، بينما الشعراء الفلسطينيون أكثر تأقلماً مع الواقع الجديد.

وحذّر خيتي من الوقوع في فخ تثوير أدب المهاجر، مضيفاً أن "الأدب الذاتي لا يحتمل الأبعاد والرؤى الفكرية والفلسفية والسياسية تحت أي ذريعة، والأدب يفسد بالصوت العالي والخطابة والوعظ".

لكنه حذّر أيضاً من "تكريس الأديب للخرائط الاستعمارية تحت كلمة وطن، لأن الخالق خلق الحنين قبل الحدود الجغرافية المرسومة، والغيوم لا تحتاج جوازات سفر". 

رمضان عمر: الواقعية السياسية هي التي فرضت الاتجاه نحو أدب اللجوء والعودة والشعر العربي نما وترعرع في الوقائع والحروب

مشروع ثقافي مشترك
بدوره، أثنى سمير عطية على جامعة إسطنبول ومركز الفارابي لاهتمامهما بالشراكة مع الفنانين والأدباء العرب، مؤكداً أن "أبناء النكبة الأولى يعلمون جيداً أن النسيان هو الموت، وأن الحرف الذي لا يكتب للأجيال القادمة قصيدة الوطن هو حرف لا يستحق أن يكتب".

أما الدكتور رمضان عمر الأكاديمي الفلسطيني المقيم في تركيا فلفت إلى أن "الواقعية السياسية هي التي فرضت الاتجاه نحو أدب اللجوء والعودة"، مذكراً بأن الشعر العربي نما وترعرع في الوقائع والحروب.

وعقد عمر مقارنة بين قصيدة الشاعر السوري أنس الدغيم وبين قصائد محمود درويش القديمة، إذ مثلت الحالة الثورية مع إيقاع خطابي ثائر، في حين قل فيها الهمس وتلاشت الرؤى الفلسفية.

واشتملت القصائد الثورية على لفظ جزل قوي وصوت عال مؤثر يخاطب الأذن لا العين، ولغة تحاكي عصور المتنبي، بحسب الأكاديمي الفلسطيني.

وقال عمر إن قصيدة درويش "رسالة من المنفى وأعماله الأولى كانت أقل جودة، وتحمل عنوانا صريحا ومباشرا، وهو عنوان يشبه إلى حد بعيد قصيدة المنفى للدغيم".

ونصح عمر الشعراء الجدد بالمسارعة إلى تحويل نصوصهم الشعرية لغناء، لأنها ستبقي النص محفوظاً بالانفعال، "وتنقله من العتبة الانفعالية الأولى لتشكيل الهوية".

المصدر : الجزيرة