السترات الصفراء قسمت المثقفين في فرنسا

حركة السترات الصفراء تواصل تصعيدها ضد الحكومة وتدخل أسبوعها الثالث من الاحتجاجات. خاص الجزيرة نت.
هذه الحركة مثلت فرصة ذهبية لكل من اليسار الثوري واليمين في الوقت نفسه (الجزيرة)

تبدو حركة السترات الصفراء عامل إجماع ورمزا للاتحاد الفكري، إذ جمعت بين تيارات فكرية مختلفة، فالليبراليون والاشتراكيون وغيرهم من أصحاب الفكر والأيديولوجيا تبنوا كلهم قضيتها، ولكن وراء هذا الإجماع الظاهر تناقضات واختلافات كثيرة، وفق ما يرى الكاتب نيكولاس تروينش في مقال تحليلي بجريدة لوموند.

إن الجزء الكبير من المثقفين الإعلاميين يحصر الفرنسيين في ثنائيات، الطبقة الكادحة مقابل الطبقة البرجوازية، وأهل المدن مقابل سكان الأرياف، في حين يرى الخبير الجغرافي كريستوف غيي أن الغرب يعيش نهاية عصر الطبقة.

ويسايره في ذلك الكاتب الساخر أريك زمور الذي يقسم بدوره فرنسا إلى قسمين، فرنسا السترات الصفر وتضم غالبية الرجال البيض الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاما، ويتحلون بجميع الفضائل من الإحساس بالكرامة إلى تبني المثل العليا المميزة للفرنسيين، مقابل فرنسا الأخرى المكونة من الأقليات اليسارية والحركات النسوية التي سيرت مظاهرات السبت 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

 حالة من الشعبوية
ويواصل الكاتب أن "فرنسا تعيش اليوم حالة من الشعبوية"، حسب الفيلسوفة البلجيكية شانتال موف مؤلفة كتاب "من أجل شعوبية يسارية"، والتي ترى أن ظاهرة الاستقطاب هذه تقسم فرنسا إلى قسمين فرنسا فوقية وفرنسا دونية.

لكن الفيلسوف بيرنارد هنري لفي مدير مجلة "قواعد اللعبة" يرى في هذه الوضعية تعارضا بين أولئك الذين ما زالوا يتذكرون المظاهرات الفاشية التي جمعت الحمر والسمر، وأولئك الذين فقدوا تلك الذاكرة.

الليبراليون والبيئيون يرون أن هذه الانتفاضة ليست ثورية، بل على العكس تحمل عوامل انزلاق نحو السلطوية (الجزيرة)
الليبراليون والبيئيون يرون أن هذه الانتفاضة ليست ثورية، بل على العكس تحمل عوامل انزلاق نحو السلطوية (الجزيرة)

بيد أن الليبراليين والبيئيين يرون أن هذه الانتفاضة ليست ثورية، بل هي على العكس تضم عوامل انزلاق نحو السلطوية، "ففي عام 1968 كان النضال ضد وجود جنرال في الحكم، واليوم تطالب السترات الصفر بولوج جنرال إلى السلطة"، كما يقول القائد السابق لقوات حركة 22 مارس.

الشعب هو ما ينقص
ورغم هذه النظرة الثنائية بين السواد والصفرة، يرى الكاتب وجهات نظر أخرى متعددة لقراءة المشهد الفرنسي تتراوح ما بين مؤيد للحركة ورافض ومشكك في الأيديولوجيا وجميع القوالب التقليدية القديمة.

ويشير إلى أن المؤرخة ماريون فونتين تبدو حائرة أمام حركة ما زالت بالنسبة لها غير مفهومة في جوهرها، رغم تبنيها من طرف الأغلبية.

ويخلص الكاتب إلى أن هذه الحركة شكلت فرصة ذهبية لكل من اليسار الثوري واليمين في الوقت نفسه، إذ سمحت لليسار بتعبئة مناضليهم ضد الليبرالية الجديدة والأزمة المناخية بعد أن كانوا عاجزين عن ذلك. وبالنسبة لليمينيين الذين كانوا يحلمون بثورة البيض الصغار، كانت فرصة لأنهم فشلوا في التعبئة رغم موجة الشعوبية التي تكتسح الغرب بسبب نجاح الرئيس إيمانويل ماكرون في الرئاسيات.

القنوات والهواتف الذكية
وسجل الكاتب اختلاف المحللين الذين يثني طرف منهم على أخلاق ومسؤولية الطبقات الشعبية في الحركة، بينما البعض الآخر يرى عكس ذلك، معتقدا أن تأثير القنوات والهواتف الذكية هو الفرق بين اليوم وعام 1936.

يقول المؤرخ ديجيرارد نواريل "أنا مقتنع أنه لو كانت القنوات الإخبارية والهواتف الذكية موجودة في عام 1936 ستسجل بالقطع عبارات مناهضة للأجانب، وفي منتهى العنصرية أثناء الإضرابات آنذاك".

ويختم الصحفي مقاله بمقارنة بين الحركة النخبوية نوي دبو (Nuit debout) وحركة السترات الصفر الشعبية من خلال ثنائيات ملفتة للانتباه بسبب قوة رمزيتها مثل المقابلة بين من يسافرون بالطائرات ومن يركبون الشاحنات.

المصدر : لوموند