السحر الأدبي لهاري بوتر
*وليام جليسون
لقد كانت سلسلة هاري بوتر خلال العقدين الماضيين تتألف من سبع روايات، فقد طبع منها 450 مليون نسخة بما في ذلك نسخ مترجمة لأكثر من 72 لغة، كما حولت تلك الروايات إلى ثمانية أفلام تمكنت من تحقيق إيرادات تصل إلى سبعة مليارات دولار، وحققت الألعاب والبضائع المرتبطة بسلسلة هاري بوتر سبعة مليارات دولار أخرى، وبالنسبة إلى أولئك الذين ينتمون لفئات عمرية محددة ولديهم عقلية أدبية فإن من الصعب تذكر يوم لم تكن فيه الجماهير حول العالم مفتونة بسحر إبداع رولينغ.
لذا كان من المذهل بالنسبة لي أن أتذكر الاستقبال السيئ لرواية "هاري بوتر وحجر الساحر" من قبل طلابي في خريف سنة 1999 عندما ظهرت تلك الرواية في المنهاج الدراسي لمقرر تعليمي في جامعة برينستون يتعلق بالأدب الشعبي "روائع الأدب الأميركي" والذي كنت أدرسه منذ سنة 1993.
إن المقرر الذي يستعرض الأدب الشعبي من القرن الـ17 وحتى عصرنا الحاضر يحث الطلاب على النظر في كيف ولماذا تتمكن روائع الأدب من أن تفتن الجماهير وتأسرهم، وفي نهاية كل مقرر كنت أسمح للطلاب باختيار الكتاب الأخير من أجل اختبار الذوق الشعبي، وفي سنة 1999 اختاروا رواية هاري بوتر.
هوس بلا حدود
لقد أصاب هوس بوتر الشواطئ الأميركية بقوة في تلك السنة، وفي يونيو/حزيران أسرع ناشر السلسلة في الولايات المتحدة بإرسال طبعة الغلاف للرواية الثانية من سلسلة هاري بوتر "هاري بوتر وحجرة الأسرار" للمكتبات، كما نشر الرواية الثالثة "هاري بوتر وسجين ازكابان" مع الطبعة الورقية لحجر الساحر بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 1999.
وبحلول نهاية ذلك الشهر احتلت روايات رولينغ المراكز الثلاثة الأولى في قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأفضل مبيعات الكتب الخيالية، كما قامت مجلة تايم بوضع صورة الساحر الذي يرتدي النظارات على صحفة الغلاف في المجلة، حيث لم يكن من الممكن أن تذهب إلى أي مكان بدون أن ترى هاري، وكان طلابي متلهفين إلى معرفة سبب كل هذه الضجة.
لكنهم شعروا بخيبة أمل كبيرة، حيث إنه بالنسبة لهم كانت روايات هاري بوتر عبارة عن ثرثرة متواضعة لا يمكنها أن تضاهي روائع الروايات من فترة طفولتهم مثل سجلات نارنيا وسيد الخواتم، وعلى الرغم من مرور سنوات قليلة على طفولتهم فلقد انتقدوا بشدة روايات هاري بوتر وأظهروا نفس حماسة الناقدين البالغين المشهورين بالانتقادات السلبية مستخدمين عبارات مثل "مقلدة" و"مكتوبة بشكل سيئ"، و"نمطية"، و"مقرفة"، فبالنسبة لهم لم يتمتع هاري بأي سحر أو دفء أو سرعة البديهة أو خفة الدم.
إن نفور طلابي كان مفاجئا لي ولكني أدركت متأخرا أنه كان يجب ألا أتفاجأ، فعلى الرغم من أن البالغين شكلوا نسبة كبيرة من جمهور هاري بوتر منذ البداية كان هؤلاء الطلبة لا ينتمون للفئة العمرية المناسبة التي يمكنها تقدير تلك الظاهرة في مرحلة انتشارها.
لقد كان عمر هؤلاء الطلاب كبيرا جدا بالنسبة لكتب الأطفال وصغير جدا على إنجاب الأطفال (كما فعلت في تلك الفترة)، وعليه فلقد سارع هؤلاء الطلاب للتأكيد على أنه على الرغم من شعبية هاري بوتر الحالية فإن تلك السلسلة ستختفي قريبا من الذاكرة، وفي الخريف الذي تلا تلك السنة أي في سنة 2000 اختارت المجموعة اللاحقة من الطلاب رواية "حجر الساحر" كنص نهائي، وكما فعل نظراؤهم فلقد رفضوا تلك الرواية بثقة.
لقد قمت في ربيع سنة 2007 بتدريس مقرر "روائع الأدب الأميركي" مجددا بعد أن تخليت عن تدريسه لبضع سنوات، وعندما حان الوقت لأن يختار الطلاب الكتاب النهائي وقع اختيارهم على رواية "هاري بوتر وحجر الساحر" حيث استعددت نفسيا لسهام نقدهم.
لكن هذه المرة كانت دراساتهم النقدية إيجابية للغاية، فأفراد المجموعة الجديدة الذين ولدوا بين سنتي 1986 و1989 كانوا قد قرؤوا كتب رولينغ لأول مرة وهم في مرحلة ما قبل المراهقة والمراهقة المبكرة ولم يكونوا طلابا بالجامعات، مما يعني أنهم كبروا ليصحبوا شبابا بالغين مع هاري ورون وهيرموني، والشيء نفسه حصل في خريف سنة 2010 حيث بالنسبة لكلتا المجموعتين كانت عبارة "نحن كبرنا مع هاري بوتر" هي عبارة عن شعار وليس ملصقا، وذكروا أن من المستحيل أن يختفي هاري بوتر من الذاكرة.
لقد قمت بتدريس مقرر "روائع الأدب" مرتين منذ سنة 2010، وفي كلتا المرتين اختار الطلاب رواية من غير روايات هاري بوتر لإنهاء الفصل الدراسي، فهل شعر الناس بالملل من هاري بوتر؟
هذا الاحتمال غير مرجح نظرا للحفاوة التي لا تزال تلقاها السلسلة في المقرر الآخر الذي أقوم فيه بتدريس روايات رولينغ "أدب الأطفال"، وهنا كان اختياري أن أضع إحدى روايات هاري بوتر في المنهاج الدراسي، ولكن عوضا عن رواية حجر الساحر اخترت رواية "هاري بوتر وسجين ازكابان" وهي روايتي المفضلة من الروايات السبع التي تشكل سلسلة روايات هاري بوتر، وهذه الرواية هي نقطة التحول ضمن السلسلة من أدب الأطفال للأدب القصصي الخيالي للبالغين الشباب، وذلك من خلال تعاملها المعقد مع الإخلاص والخيانة والغضب والرحمة، وهي الرواية المفضلة عند العديد من طلابي.
ولكن لمتى سوف تستمر شعبية هاري بوتر؟ في كل مرة أقوم فيها بتدريس "أدب الأطفال" أبدأ بإجراء استطلاع للرأي: "ما هي الكتب الموجودة في المنهاج والتي قرأتها عندما كنت طفلا؟"، في سنة 2010 86% قرؤوا هاري بوتر وسجين أزكابان، وفي سنة 2012 ارتفع الرقم إلى 94% ولكن في السنوات التي تلتها انخفضت النسبة إلى 87% سنة 2014، و81% سنة 2016.
أعرف أن هذا كله غير علمي ولكني أشعر بالفضول، فهل ستنخفض النسبة إلى ما دون 80% في الربيع القادم عندما أقوم بتدريس مقرر "أدب الأطفال " مرة أخرى؟ هل سيتم إثبات صحة كلام طلابي من سنتي 1999 و2000 بحيث يختفي هاري بوتر من الذاكرة ويفشل في أن يصبح من الروايات الكلاسيكية الخالدة؟ أو هل هناك أمامنا نقطة توازن بحيث تحافظ النسبة على ثباتها بدون أن تنخفض؟
ربما ستعطينا الذكرى السنوية الأربعون لهاري بوتر كافة الأجوبة ولكن حتى يحين ذلك الوقت سيكون من دواعي سروري أن أستمر بدعوته إلى قاعة الدرس لدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة برينستون، الولايات المتحدة