جلال برجس.. الاقتراب الواقعي من بوابة الافتراضي

الكاتب الأردني جلال برجس
جلال برجس: أتابع وسائل التواصل الاجتماعي للاقتراب من أمزجة الناس وميولهم وأفكارهم (الجزيرة)

في هذا الشهر الفضيل لا تختلف قراءات الكاتب الأردني جلال برجس عن باقي الشهور الأخرى، لكنه يعترف بأن حنينا يشتد فيه لأجداده، فيجد نفسه مجرورا إلى فضاءات التراث، بما يكمن فيه من إجابات عن أسئلة الحاضر.

في الحلقة الرابعة من سلسلة حوارية خاصة برمضان، يقول جلال برجس -الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2015- إن لديه هاجسا روائيا يختمر، وهو ما يعني أن القراءات التي ينشغل بها هذه الأيام ستمتد إلى ما بعد شهر رمضان المبارك.

ورغم ارتباطه الوثيق بالكتاب الورقي، يبدو برجس مستسلما لسلطان العالم الرقمي وسطوته، لكنه يكيف ذلك التعامل في اتجاه إبداعي، فتصبح منصات التواصل الاجتماعي بوابة للاقتراب من شخصيات أعماله وذلك بالاقتراب من أمزجة الناس وميولهم وأفكارهم، من خلال ما يقذفون به في ملكوت النت من اعترافات وتأملات وانتقادات. وفي ما يلي نص الحوار:

undefined إلى أي حد تتأثر عاداتكم القرائية بحلول رمضان وطقوسه الخاصة؟ وما حجم البعدين الروحي والتراثي في ما ستقرؤونه خلال هذا الشهر؟

لا أرى أن عاداتي القرائية تتأثر كثيراً في شهر رمضان، فقد اعتدتها بل أدمنتها بالمعنى الإيجابي للمفردة. ولا تختلف قراءاتي كثيراً في هذا الشهر عن باقي الشهور الأخرى، إلا في حنيني الذي يزداد لأجدادي، إذ أجدني أعود إلى فضاءات التراث، وأنظر إليها بعين الحاضر.

فثمة متعة على أكثر من صعيد في اكتشاف الإجابات حينما نجدها في التراث الذي علينا قراءته بأدوات أكثر وعياً، خاصة حينما نجد واقعنا الآن ليس كما نتمنى، وليس كما يجب للإنسانية أن تكون عليه.  

وعودتي هذه المرة ستبتعد كثيراً إلى الوراء، إلى حيث "سيدنا آدم"، فثمة هاجس روائي يعصف بالبال وسيأخذني حتماً إلى كتابته؛ لهذا أظن أن القراءات التي أنشغل بها هذه الأيام ستمتد حتى إلى ما بعد شهر رمضان المبارك. دون أن تقصي حاجتي الروحية لعدد من القراءات والتأملات التي لها أن تزيل ما يتراكم على زجاج الروح من رماد خلفه الاحتراب الإنساني، وطغيان السواد على البياض. 

undefined

undefined ما حجم تأثير وصدى السياسة وشؤون الساعة ببلدك وخارجه في ما تعتزمون قراءته خلال رمضان؟
القراءة برأيي تحتاج إلى وقت خاص بسمات معينة مثلها مثل الكتابة؛ أحياناً لا ننجح في قراءة كتاب معين في وقت معين، وفي أحيان أخرى نقبل عليه بكل شغف، وذلك يعود إلى عدة عوامل أهمها ما يحيط بنا من ظروف.

فأخبار البلاد العربية وغيرها تأتي دون أن نسعى إليها، بالصوت والصورة عبر هواتفنا الذكية، وعلى شاشات التلفاز، وعبر محطات الراديو، وممن نلتقيهم. وهذا بالطبع يؤثر على إقبالنا على القراءة، إذ يقع المتلقي في تساؤل مفاده: ما الجدوى من الفعل القرائي والنار تلتهم كل الحقول المحيطة بنا؟

لكن الكاتب -رغم تساؤلات المتلقي فيه- يذهب إلى القراءة لاكتشاف ما يحدث، ومنهم من ينكب على القراءة لاستشراف ما يمكن أن يحدث. وفي كلتا الحالتين تغدو القراءة فعل حياة، وفعل بحث عن الإجابة، لهذا أرى أن ثمة تأثيرا وصدى لشؤون الساعة ليس في بلدي فقط وإنما على صعيد العالم كله، إذ إن أحداثاً معينة تأخذنا لقراءة مواضيع معينة ترتبط بها.

لكنني أسعى دوماً إلى أن أجعل قراءاتي على السكة ذاتها التي ارتأيتها لها، لأنها من جانب مهم هي التي تُحدث لي التوازن، وهي التي ترفد أدواتي كروائي.

undefinedما أبرز الكتب التي ستحظى باهتمامكم خلال رمضان؟ وهل بالإمكان إعطاء فكرة مقتضبة للقارئ عن واحد من أهم تلك الكتب؟ وماذا عن حيثيات اختيار ذلك الكتاب بالتحديد؟

  ليس هنالك كتاب بعينه يمكنني الحديث عنه؛ فثمة مكان في مكتبتي يحتوي كتباً لم أقرأها بعد: روايات، وكتب فكرية، ومجاميع شعرية، وكتب في السياسة، وفي الفن. وأقرأ منها في أوقات القراءة الخاصة.

undefined عموما، هل بالإمكان الحديث عن عاداتكم القرائية وحجم وطبيعة منصات القراءة (رقمية أو ورقية)؟ وهل لشبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وأخواته) تأثير ما في حجم وطبيعة ما تقرؤون؟
أنا ممن لم تحدث القطيعة بينهم وبين الكتاب الورقي، رغم سطوة التكنولوجيا بكل تجلياتها الرقمية. فانتمائي ما يزال لروح الكتاب التي لم تنجح "الرقمنة" بتمثلها رغم كل ما فعلت بصرياً؛ لهذا لي عادات بسيطة في القراءة أنتظم ببعضها منذ تعرفي بها، فهنالك كتب اقرأها في السرير قبيل النوم وفي حالة استرخاء.

وهنالك كتب اقرأها في طريقي اليومي إلى عملي الذي يأخذني للوصول إليه ساعة ونصف الساعة من الوقت، إضافة إلى قراءة شيء منها في أوقات السفر. وكتب أقرأها في مكتبي المنزلي حيث تتطلب مني تركيزاً عالياً، وغالباً تكون تلك الكتب من ذلك النوع الذي يتوفر على مضامين وأساليب ولغة يراد لها التأني.

حينما أتوقف لمدة عن القراءة أشعر بالقلم يتلعثم وقت الكتابة التي لا يمكنني الابتعاد عنها هي الأخرى، لهذا أقرأ بكثرة بل حتى بنهم، لكن ارتباطي الوثيق بالقراءة الورقية وإيماني الشديد بها لم يبعدا القراءة الرقمية بالشكل الكامل عني.

فثمة مواقع إلكترونية أتابعها بشكل مستمر، خاصة تلك التي تتوفر على مواد لا تنشر ورقياً، وتكون تلك المواقع غالباً من النوع الذي يقدم مقالات، وتحقيقات، وملفات ثقافية وفكرية. حتى أنني ممن يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي حيث اقترب من أمزجة الناس وميولهم وأفكارهم، وهذا يشكل جانباً من جوانب الاقتراب من الشخصيات، رغم أن هذا لا يكفي، وأقصد هنا إيماني بالشارع كمنجم للحكايات، وإيماني هذا بالاقتراب الواقعي من الشخصيات إنما يأتي ليحدث وقت الكتابة التجاوز من الواقعي إلى ما يعالج الواقعي.

المصدر : الجزيرة