حجي جابر.. رمضان بين الغزالي وكازانتزاكس

الكاتب الإيريتري حجي جابر
حجي جابر: أنظر إلى شبكات التواصل الاجتماعي كملهيات ومؤثرات انصرافية عن القراءة الجادة (الجزيرة)

يبدو الكاتب والإعلامي الإريتري حجي جابر وفيا لطقوسه القرائية في شهر رمضان من خلال تخصيص نسبة كبيرة من وقته لما تيسر من التراث مع تغيير بسيط هذا العام يتمثل في الانزياح عن الحامل الورقي والاستئناس بوسيط الصورة والصوت.

في هذه الحلقة الثالثة من سلسلة حوارية حول الطقوس القرائية في هذا الشهر الفضيل، يقول مؤلف "لعبة المغزل" إنه سيقتحم صرح "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي من بوابة مسموعة ومرئية، وذلك بمتابعة سلسلة دروس مسجلة للدكتور محمد سليم العوا حول الكتاب المذكور.

ولا تنحصر اهتمامات حجي جابر على عوالم الثقافة الإسلامية، إذ إن النفحة الروحانية لهذه الشهر ستقوده إلى "تقرير إلى غريكو.. سيرة ذاتية فكرية" لنيكوس كازانتزاكس بما تمثله من تجربة "تصوف" خاصة مسنودة برؤية عقدية، مختلفة ظاهريا لكنها إنسانية جوهريا. وفي ما يلي نص الحوار:

undefinedإلى أي حد تتأثر عاداتكم القرائية بحلول رمضان وطقوسه الخاصة؟ وما حجم البعدين الروحي والتراثي في ما ستقرؤونه خلال هذا الشهر؟

يحدث كثيراً أن أخصّص شهر رمضان للقراءة في التراث بالكامل أو بنسبة أكبر، ورمضان هذا العام ليس استثناء مع تعديل طفيف عبر دخول المواد السمعية والمرئية على الخطّ؛ فقد قرّرتُ مشاهدة دروس الدكتور محمد سليم العوا حول كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي، وهي دروس ثرّية تقارب الأربعين حلقة بمعدل ساعة لكل درس.

وما يميّز هذه الدروس الطريقة التي يتناول بها العوا الكتاب، والشروحات الجانبية والاستطرادات اللطيفة والالتقاطات الذكية في قالب سريع وغير مضجر، مما يجعل الأمر في آخر المطاف أشبه بالقراءة المتعددة لكتاب واحد قيّم.

undefined

كذلك أسعى للانخراط في مشاهدة حلقات اللغة العربية والشعر التي يقدّمها الموسوعيّ أستاذنا عارف حجاوي، وهي كنز كبير منثور في شبكة الإنترنت بأسلوب مشوّق وجاذب. ولعلّ هذا الاختيار يخدم فكرة ملء الوقت بين قراءة الكتب والأنشطة الحياتية بأمر نافع وخفيف على النفس. ولعارف حجاوي محاضرات ودروس في فنون شتى كالموسيقى والنحو والجغرافيا، إضافة إلى استعراضه الإذاعي البديع لمسرحيات عالمية.

undefined ما حجم تأثير وصدى السياسة وشؤون الساعة ببلدك وخارجه في ما تعتزمون قراءته خلال رمضان؟ 

أهتم بمتابعة ما يجري في إريتريا، وكل الأخبار الآتية من هناك للأسف تبعث على الأسى؛ إريتريا لا تزال ترزح تحت وطأة الاستبداد والديكتاتورية والفقر والتسلّط، لكن في المقابل هذه المتابعة لا تدخل ضمن مخصصات القراءة الجادة، هي مجرد متابعة لأهم المواقع والصحف الإلكترونية الإرترية، حيث يكفيها وقت قصير وعابر خلال اليوم.

ربما ما يكرّس ذلك هو فقر المكتبة العربية الإريترية في ما يخص المواضيع الجادة والنوعية، يمرّ وقت طويل قبل أن نسمع عن صدور كتاب مهم لا ينبغي تفويته، ولهذا أسباب عديدة كغياب دور النشر الإريترية أو تلك المهتمة بالشأن الإريتري، إضافة إلى حالة الشتات التي تصرف جهد الإريتريين وأوقاتهم في توفير سبل العيش الكريم قبل الالتفات إلى الكتابة والتدوين. ربما تنشط الإصدارات الإريترية في جانب الروايات، وهو أمر جيد لكنه ليس كافياً في آخر المطاف.

undefined ما أبرز الكتب التي ستحظى باهتمامكم خلال رمضان؟ وهل بالإمكان إعطاء فكرة مقتضبة للقارئ عن واحد من أهم تلك الكتب؟ وماذا عن حيثيات اختيار ذلك الكتاب بالتحديد؟

بدأتُ مؤخرا قراءة كتاب طالما أجّلتُه لدواعٍ عديدة، إنه "تقرير إلى غريكو.. سيرة ذاتية فكرية" لنيكوس كازانتزاكس. وهذا الكتاب يقع في نحو ستمئة صفحة عن المركز الثقافي العربي. وسبب اختياري لهذا الكتاب هو رغبتي في فهم المنابع الأولى لفكر وأدب كازانتزاكس وخطّه الروحيّ البيّن في كل كتبه و"تصوّفه" على وجه الخصوص.

لطالما كنتُ مأخوذاً بطريقة رؤية هذا الأديب للحياة، بفهمه العميق النابع من تجارب حياتية ثرية، بتفرّده الروحي ونظرته المتبصرة إلى عمق الإنسان، وأشعر أنّ هذا الكتاب مناسب للغاية لأجواء رمضان.

undefined

صحيح أن ثمة رؤية عقدية مختلفة في الظاهر، لكن في العمق يمكن تلمّس خيط روحي ناظم تجتمع حوله البشرية بعيداً عن تلك الفروق. كازانتزاكس يغوص عميقاً في فكرة الخير والحق والجمال، صحيح أنه يسلك طرقاً مختلفة وجريئة وصادمة أحياناً، لكنّ الأكيد أنه في النهاية يصل بنا إلى تلك الذرى مبلّلين بنشوة المعرفة والإدارك ومنهكين جراء كثرة الطَّرق على المألوف والسائد بحثاً عن الجوهر.
 
undefined هل بالإمكان الحديث عن عاداتكم القرائية وحجم وطبيعة منصات القراءة (رقمية أو ورقية)؟ وهل لشبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وأخواته) تأثير ما في حجم وطبيعة ما تقرؤون؟

حتى اللحظة انظر إلى شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها ملهيات ومؤثرات انصرافية عن القراءة الجادة، لكن هذا لا يدعوني لهضم دورها، فهي مصدر مهم للأخبار، وهي المنصة التي أتابع عبرها صدى أعمالي الروائية لدى القرّاء، وهي وسيلة تواصل اجتماعي تبقي حبال الود مع الأصدقاء الذين تفصلنا عنهم المسافات.

أحاول كثيراً وضع وقت محدد لتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي، أنجح أحياناً وأفشل في أغلب الأوقات. ربما يُستثنى من ذلك وجود حسابات ثقافية نشطة على هذه المواقع كحسابات ساقية وتكوين ومدونة رواية للروائي السوري هيثم حسين، فهذه تقدّم ترجمات ومقالات أدبية حصرية ومتميزة، وتصفحها يضيف ولا يخصم من الوقت والفائدة.

المصدر : الجزيرة