"رسائل فحماوية" يخطها الشيخ رائد صلاح

غلاف كتاب "رسائل فحماوية" للشيخ رائد صلاح

عرض: محمد محسن وتد-أم الفحم

يغوص رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح في كتابه "رسائل فحماوية" في سيرة ومسيرة الشعب الفلسطيني والمحطات الفارقة التي عاشها منذ النكبة، عبر سلسلة مقالات تحمل رسائل تعالج قضايا سياسية ومجتمعية.

وإن كان الشيخ صلاح -القابع في السجون الإسرائيلية- خصّ في كتابه ورسائله مسقط رأسه أم الفحم كنموذج، فإن خطابه وجوهر الرسائل يعدان أعم وأشمل، ويبحثان في تاريخ وواقع وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني، ملتزما بأسلوب وصف الواقع تارة أو أسلوب مدح هذا الواقع تارة أخرى، أو بأسلوب تقييمه وإبراز محاسنه ومساوئه تارة ثالثة، أو بأسلوب النصح وتقديم الاقتراحات بهدف تصحيح ما فيه من عيوب تارة رابعة، أو بأسلوب التنبيه والتعجب والتذكير والتوبيخ تارة خامسة.

ويتضمن الكتاب، الصادر في شهر يوليو/تموز 2016، والممتد على 407 صفحات، حلقات ومقالات أسبوعية دونها الشيخ صلاح بين عامي 2013 وأواخر 2015، عكس خلالها حتمية العلاقات بين أبناء الشعب الفلسطيني من جهة والصراع مع المؤسسة الإسرائيلية من جهة ثانية، وجدلية العلاقة بين قيادات الأحزاب والحركات والجماهير والتباين في المواقف والآراء والدور المنشود من الجميع للحفاظ على الثوابت.

قراءة ورؤيا 
يناقش الشيخ صلاح عبر طرح قراءة ورؤيا متكاملة للشعب الفلسطيني من خلال استشهاده بتجربته في مدينة أم الفحم، حيث انتخب لرئاسة البلدية عام 1989، مستعرضا في رسائله مسيرة التربية والتعليم والتحديات التي تواجهها في ظل فرض المناهج الإسرائيلية، حيث حرص على إبراز دور المدرسة، والمعلم، والطالب، والأهالي بالبناء المجتمعي وتخطي العراقيل والتحصن من مشاريع "الإسرلة".

الشيخ صلاح يتناول في كتابه تجربته كرئيس لبلدية أم الفحم والمسؤولية الفحماوية في إدارة شؤون الناس والبناء المجتمعي الذي أسس إلى انطلاقة الحركة الإسلامية الشمالية ووضع النواة لتجربة إدارة الحكم المحلي العربي وإعادة بناء الأحزاب والحركات السياسية وجمعيات العمل المدني

يتناول الشيخ صلاح في كتابه تجربته كرئيس لبلدية أم الفحم والمسؤولية الفحماوية في إدارة شؤون الناس والبناء المجتمعي الذي أسس إلى انطلاقة الحركة الإسلامية الشمالية ووضع النواة لتجربة إدارة الحكم المحلي العربي وإعادة بناء الأحزاب والحركات السياسية وجمعيات العمل المدني، بالتوازي مع ترسيم التعامل بندية مع سياسات المؤسسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي 48 والقضية الفلسطينية والقدس المحتلة والأقصى.

وينتقل المؤلف في رسائله إلى مسيرة الحياة السياسية بأم الفحم كنموذج مصغر عن الشعب الفلسطيني، ويبحث بالعمق في سيرة ومسيرة الأحزاب والحركات السياسية وما المرجو منها، ولا ينسى دور الإعلام وأهمية الحياة الثقافية والأدبية والفنية، إذ حرص في هذه الرسائل على حفظ الذكريات التي لا تنسى، مرسخا بذلك الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.

ذكريات ومحطات
اختار الكاتب في سلسلة أخرى من مقالاته رسم لوحة أدبية راقية، كأنها ريشة رسام وسط الطبيعة الخلابة التي تصور مشاهد فلسطين ما قبل النكبة، وينتقل من خلال السرد التاريخي لترسيخ العلاقة والذاكرة بالقرى المهجرة والمدمرة في شوق وحنين للعودة في رسالة رافضة لأي مساومة على حقوق اللاجئين.

يسرد الشيخ صلاح ذكريات أبت أن تموت وما زالت تعيش في وجدانه، حيث وثق في رسائله محطات النضال لفلسطينيي 48، والتأسيس لمجتمع عصامي ومعارك الصمود في خيام الاعتصام دفاعا عن الأرض والمسكن والمظاهرات نصرة لغزة والتأكيد على الثوابت الفلسطينية وقوافل شد الرحال للقدس والأقصى.

ويصف الكتاب حكايات من الواقع المجتمعي للشعب الفلسطيني من خلال معالجة العديد من القضايا والآفات الاجتماعية التي تنتشر بين أوساط الشبان، مع تسليط الضوء على شبكات الإسقاط للمخابرات الإسرائيلية، التي تترصد الشبان، وضرورة التحصن المجتمعي وبناء الإنسان من خلال عدم الاستسلام للفشل، ودحض الانحراف وتقويمه بالمحفزات الإيجابية، وبث الخير ومشاعر التفاؤل من خلال استذكار العادات والتقاليد التي سادت في المجتمع، وكيف كانت هذه العادات موجهة للخير في حياة الشعب الفلسطيني.

الهوية والثوابت
ويسعى الشيخ صلاح من خلال "رسائل فحماوية" إلى إثراء الوعي بين أبناء الشعب الفلسطيني بكل أماكن تواجده، وتقوية اللحمة المجتمعية، والحفاظ على الهوية والثوابت والأرض والمقدسات والامتداد الإسلامي العروبي لفلسطين.

وعلى هذا النحو، يسوق المؤلف إلى الثوابت الجماعية للفلسطينيين، فإذا كان لا إكراه في الدين فمن البديهي أنه لا إكراه في السياسة، وإذا كان لا إكراه في السياسة فهذا يعني من وجهة نظر الشيخ صلاح أن تتعدد الآراء السياسية، وتتعدد المواقف والأحزاب والحركات السياسية، وكل هذا التعدد هو تعدد مشروع ما دام ينضبط بالثوابت الفلسطينية.

وخلال كتابة هذه الرسائل، يقول الشيخ صلاح في مقدمة كتابه "لم أتجاهل واجب الوقوف عند بعض القضايا الحساسة التي تهم جيل الشباب، سواء كانوا من أم الفحم أو سائر مجتمعنا الفلسطيني، وبعض القضايا السياسية التي لا يجوز إغماض العين عنها وحجر القلم عن علاجها، سواء كانت فحماوية أو فلسطينية أو إسلامية أو عروبية، وعند بعض القضايا العبادية والتربوية والدعوية".

الشيخ صلاح يروي في رسائله علاقته بالأقصى الذي يعيش في وجدانه، ويعدّه معلما وتاجا للحضارة الإسلامية والعربية ورافعة ومُولد عزيمة وباعث إرادة كان ولا يزال منذ عشرات القرون يوقظ العرب والمسلمين من نومهم

وتعمد المؤلف الالتزام عن سبق إصرار بخطاب الأمل وتجديد الهمة والعزيمة وشحذ الإرادة ورفع المعنويات ودحر اليأس والإحباط والتثبيط والتحرر من ثقافة الهزيمة، وما كان الشيخ صلاح ليغفل في رسائله قضية القدس والأقصى التي تعد أهم القضايا الحارقة في حياة الشعب الفلسطيني، وهي جبهة الصراع الأولى بين أصحاب الحق الوحيد الأبدي وبين الاحتلال الإسرائيلي.

القدس والأقصى
وبين الأدب والفن وأطيافه وفرسانه، دون الشيخ صلاح عشقه للقدس التي يراها ملتقى الجغرافية الإسلامية العربية وملتقى تاريخها بحاضرها وحاضرها بمستقبلها وملتقى حضارتها التي كلما انقضت تمادت، وكلما قيل اندثرت انتصبت، وكلما قيل شاخت تجددت زهرة شبابها من جديد، ويرى في القدس وإن بدت غير حزينة لهذا التاريخ فهي خير عامود لهذا الحاضر وخير أمل لهذا المستقبل وخير مدد لهذه الحضارة.

ويروي الشيخ صلاح في رسائله علاقته بالأقصى الذي يعيش في وجدانه ويعدّه معلما وتاجا للحضارة الإسلامية والعربية ورافعة ومُولد عزيمة وباعث إرادة كان ولا يزال منذ عشرات القرون يوقظ العرب والمسلمين من نومهم، وينبههم من غفوتهم، وينهضهم من عثراتهم، ويقيمهم من كبوتهم، ويحررهم من إحباطهم، فالأقصى كما كان لا يعمر فيه ظالم، ولا يخلد فيه مستعمر ولا يطمئن فيه محتل.

وبحنكة ومهارة شعرية وأدبية يأخذنا شيخ الأقصى إلى سنوات قضاها بدهاليز وظلام السجن ووراء القضبان دفاعا عن المدينة المقدسة، قائلا "يا ظلام السجن لا تتكبر ولا تتجبر ولا تتنفس ولا تتبخر ولا تتيه غرورا وتعربد موتورا وتضحك مسعورا ولا تأخذك العزة بالإثم ولا تصرف حياتك بالتستر على الظلم ولا تحكم على رعاياك بسوء الظن والرجم فمن أنت وإن فرضت سوادا لا نور فيه؟! ومن أنت وإن نصبت قضبان حديد صماء بكماء عمياء لا شعور فيها ولا إحساس؟!"

واختار الشيخ صلاح وقبيل دخوله السجن، حيث سيمضي فيه 11 شهرا، أن يوجه رسالة للعالمين العربي والإسلامي "سلفا أقول نحن شعب يحب الحرية ولا يحب السجون ولكن إن كان لا بد من السجن كثمن لنصرة القدس والأقصى فمرحبا بالسجون، إنني بعد انتهاء مدة سجني سأعود إليكم وسنلتقي بحارات القدس وساحات الأقصى هاتفين: جاء الحق وزهق الباطل إن الاحتلال الإسرائيلي كان زهوقا".

المصدر : الجزيرة