أنامل صغيرة ترسم أحلاما كبيرة في القدس

طالب دويك يعلم الفتيات بالأقصى.
الفنان المقدسي طالب دويك يعلم الفتيات فنون الرسم في باحات الحرم القدسي (الجزيرة)

بيسان العمري-القدس

غزت ريشات صغيرات تحملها أنامل الطفولة المقدسية ساحات المسجد الأقصى لترسم الباحات التي طالما امتلأت ببقايا رصاص وقنابل جيش الاحتلال الإسرائيلي في صورة تختلف لهذا اليوم.

فقد وضعت رنين جمجوم (16 عاما) ورفيقاتها أقلام الرصاص وأوراق الرسم بالقرب منهن ليرسمن بالألوان المائية ما تلاحظه أعينهن من الطبيعة، وامتزجت الألوان الزاهية لتنتج لوحات تستعرض المشاهد الطبيعية الدائرة في باحات الحرم القدسي في الشهر الفضيل.

وتقول رنين جمجوم للجزيرة نت "كان شعورا رائعا وأحسست بأنني أدافع عن الأقصى من خلال رسوماتي وأول ما أمسك بالألوان أشعر بالحرية لأرسم ما أريد".
 
اصطحب الفنان المقدسي طالب دويك مجموعة من الفتيات، أعمارهن بين 8 و16 عاما، في جولة  لباحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة ضمن دورة للرسم يقدمها لهن في مركز الحياة للثقافة والفنون، القريب من أسوار القدس القديمة، وجلس معهن في الساحات لالتقاط مشاهد مميزة لشهر  رمضان في باحات الأقصى وتوافد المصلين عليه من كل صوب.

التقت رنين رفيقاتها قبل ساعة من بدء درس الرسم الجديد لتعرض على أستاذها -طالب دويك- ما أنهته هي ورفيقاتها من رسوم لمسجد قبة الصخرة، ليأخذن منه ملاحظاته لتنهي كل واحدة منهن لوحتها وتبدأ رسم لوحة جديدة.

فتيات يرسمن في باحات الأقصى ضمن دورة لتعريف الأطفال بفن العمارة الإسلامي(الجزيرة)
فتيات يرسمن في باحات الأقصى ضمن دورة لتعريف الأطفال بفن العمارة الإسلامي(الجزيرة)

مكونات الوطن
يقدم مركز الحياة للثقافة والفنون، الذي افتتح قبل أكثر من عام ويتبع نادي هلال القدس الرياضي، دورات مختلفة لأطفال القدس ونسائها، منها دورات تعليم اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ودورات تعليم التطريز التراثي الفلسطيني، ودورات تعليم الرسم للأطفال.  

ويصرّ دويك على اصطحاب الأطفال المشاركين معه في دورات الرسم إلى باحات الأقصى ليعرّفهم على فن العمارة الإسلامي، وما يميز مسجد قبة الصخرة عن غيره من حيث الشكل الهندسي والألوان.

وقال دويك إن زيارة الطلاب الصغار للحرم القدسي مناسبة لأخذ معلومات عن تراث وفن الزخارف، وما تشكلت منه قبة الصخرة مثل الفسيفساء والقيشاني والنحاس والذهب، وبذلك يتعرّف الطفل من خلال الرسم على أهم ما يكوّن وطنه ويميزه.

يعلّم دويك طلابه الصغار خلال 12 لقاء الرسم بالرصاص أولا، ثم ينتقل معهم لرسم الطبيعة الصامتة بشكل مباشر، ويعلمهم مزج الألوان، ثم يعلمهم استخدام ألوان الزيت على القماش مباشرة، وتنتهي الدورة بشهادة ومعرض للوحات الفتيات والفتيان.

طالب دويك يستعيد مع الصغار طفولته التي حرم منها بعد حرب 1967(الجزيرة)
طالب دويك يستعيد مع الصغار طفولته التي حرم منها بعد حرب 1967(الجزيرة)

طفولة مقدسية
ويأمل دويك أن يقدر الأطفال الفن الفلسطيني، ويعتزوا بهويتهم الثقافية، مشيرا إلى أنه يعطيهم محاضرة عن فن العمارة بالقدس والبناء المعماري الفريد لمسجد قبة الصخرة، ثم يطلب منهم أن يرسموا مشهدا طبيعيا أمامهم من باحات الأقصى.

يعيد دويك طفولته مع هؤلاء الصغار اليوم، متذكرا طفولته التي حرم منها بعد طرد الاحتلال الإسرائيلي عائلته من منزلها داخل الأسوار إبان حرب 1967.

ويقول للجزيرة "تذوقت جمال القدس وعادات الناس وتقاليدهم منذ الطفولة؛ فأبوابها وشبابيكها وقناطيرها، وصارت كلها جزءا مني، وهذا ما أحاول نقله لهؤلاء الصغار".

يطلق دويك رسالته كفنان، مؤكدا أنه يهدف إلى إيجاد جيل ذواق للفن، ويتمتع بالتوازن النفسي ويقول "عاش أطفالنا فترات كلها عنف ودم أثرت على شخصية الطفل وأصبح الطفل متمردا وعصبيا، يرى نفسه رجلا، من المفروض أن يتمتع بطفولته وأنا أحاول الوصول إلى ذلك من خلال الفن".

المصدر : الجزيرة