كنوز ثقافية عربية تحت الماء.. أوان الحماية

مشهد عام للاجتماع الاقليمي العربي
مشهد عام للاجتماع الإقليمي العربي حول التراث المغمور بالمياه (الجزيرة)

نزار الفراوي-الرباط

يرقد العالم العربي على كنوز لا تحصى من التراث الثقافي المغمور بالمياه. ففي مجال جغرافي تعاقبت عليه تيارات حضارية عديدة، تختزن المجالات البحرية والنهرية نفائس نادرا ما تصل إلى كشف أسرارها مجهودات الدول في مجال التنقيب الأثري، بل كثيرا ما تكون عرضة للنهب والاستغلال غير الشرعي أو الاندثار.

في أعماق النيل ودجلة والفرات، أو في مجاهل الأطلسي وأغوار البحر المتوسط والأحمر والخليج، تسكن مخلفات عجيبة لا تقدر بثمن. حطام سفن تجارية، وقطع أثرية، وأسلحة المعارك البحرية، ومسكوكات توثق ذاكرة غابرة، في انتظار عمليات مسح وتنقيب منتظمة تنتشلها وتضعها رهن إشارة التاريخ الوطني والإنساني.

من هذا المنطلق، تجد الدول العربية نفسها مدعوة إلى مواكبة الاهتمام الذي يوليه المنتظم الدولي، وخصوصا اليونيسكو، والاستفادة من الخبرات المتراكمة، لحماية هذا التراث وتثمينه، الأمر الذي كان محور الاجتماع الإقليمي الثاني للدول العربية حول التراث المغمور بالمياه، والذي احتضنته الرباط مؤخرا.

حتى اليوم، تسع دول عربية صادقت على اتفاقية اليونيسكو لعام 2001 بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه من مجموع 55 دولة قامت بذلك، حسب مسؤول المنظمة الأممية لمنطقة المغرب العربي، الذي شجع باقي الدول العربية على الانخراط في هذا المسار.

مايكل ميلوارد: البحث العلمي الأركيولوجي مكن من إنقاذ العديد من الكنوز(الجزيرة)
مايكل ميلوارد: البحث العلمي الأركيولوجي مكن من إنقاذ العديد من الكنوز(الجزيرة)

حضارات متعددة
وقال مايكل ميلوارد أمام ممثلين عن الدول العربية وخبراء دوليين في مجال البحث وحماية التراث المغمور بالمياه، إن المنطقة العربية عرفت حضارات متعددة عبرت البحار للتجارة والنقل، ومجالات برية تعرضت لغمر المياه في التاريخ القديم، ومنشآت ساحلية غارقة والآلاف من قطع الحطام الرابضة في الأطلسي والمتوسط والبحر الأحمر ومجاري مياه النيل.

وسجل أن البحث العلمي الأركيولوجي مكن من إنقاذ العديد من هذه الكنوز والحفاظ عليها على غرار الاكتشافات الهامة التي سجلت في الإسكندرية وأبوقير، ومدينة المهدية بتونس، والمواقع المغمورة بصبراتة وأبولونيا في ليبيا، مما يجعل البحث العلمي في المنطقة العربية واجبا مطلقا وأفقا واسعا للمستقبل.

لكنه حذر، في المقابل، من مخاطر صيد الكنوز والتجارة غير المشروعة في القطع الأثرية وخطر التمدد العشوائي للإنشاءات العمرانية.

أما وزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي فشدد من جانبه على أهمية مضاعفة البحوث المنجزة، خصوصا أنها أثمرت، خلال السبع سنوات الأخيرة، في حوض أبوقير بمصر، اكتشافات استثنائية على غرار العثور على بقايا معابد أوزيريس بالمدينتين الغارقتين هرقليون وكانوبوس، والمئات من اللقى التي تعود إلى فترة مصر القديمة.

الأبحاث أثمرت، خلال السبع سنوات الأخيرة في حوض أبوقير بمصر، اكتشافات استثنائية على غرار العثور على بقايا معابد أوزيريس بالمدينتين الغارقتين هرقليون وكانوبوس..

مهمة صعبة
لكنه أقر بأن المحافظة على التراث الثقافي المغمور بالمياه وتثمينه مهمة فائقة الصعوبة. فمن جهة، تتطلب الاستكشافات إمكانيات تقنية مكلفة ومهارات عالية، ومن جهة أخرى، تستدعي المحافظة على القطع الأثرية المغمورة والتعريف بها توفير ظروف غاية في التعقيد، ناهيك عن التعبئة الأمنية الضرورية لمحاربة السرقة والتهريب والاتجار غير المشروع في القطع.

وتطبيقا للتوصيات الدولية في هذا المجال، عرض الوزير تجربة وطنية قامت على إحداث بنية مختصة باسم "المركز الوطني للتراث الثقافي المغمور بالمياه"، يتولى التنقيب وجرد وتسجيل وتصنيف وحفظ وتثمين التراث المغمور بالمياه، والمساهمة في تكوين الكفاءات المطلوبة وفي تكثيف البحوث في هذا المجال، وتنسيق وتتبع تنفيذ العمليات المنجزة بأعماق البحار والتهيئة الساحلية التي قد يكون لها تأثير على التراث الثقافي المغمور.

العجلة تتحرك ببطء والوعي في بدايته على درب تلبية النداء الذي أطلقته المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا من أجل إيلاء التراث المغمور بالمياه العناية نفسها التي أولتها الإنسانية مبكرا للتراث المنظور على الأرض.

المصدر : الجزيرة