الحياة تعود لمسرح الرشيد ببغداد بعد إهمال طويل

تعاني العروض المسرحية العراقية من كثرة الأعمال الهابطة والتي تعرف محليا بالمسرح التجاري.
إعادة افتتاح مسرح الرشيد في بغداد خطوة اعتُبرت رمزية لكن من شأنها تنشيط الحركة الثقافية بالعراق (الجزيرة نت)

مروان الجبوري-بغداد

بالتزامن مع اليوم العالمي للمسرح، أعيد الاثنين افتتاح مسرح الرشيد في بغداد بعد أكثر من 13 عاما على تدميره جراء القصف الجوي في الأيام الأولى للغزو الأميركي للعراق، وقد أعيد تأهيل المسرح وترميمه على يد فرق تطوعية بعد إهمال طويل.

وربما لا يعد هذا الحدث الثقافي عاديا في بلد تعصف به نيران الحروب والأزمات منذ عقود، حيث لا يوجد المسرح عادة على قائمة اهتمامات المواطن المزدحمة بأولويات الأمن والمعيشة. لكنه يؤشر إلى تعافٍ نسبي تعيشه بعض قطاعات الثقافة العراقية، كما يقول المتحدث باسم وزارة الثقافة عمران العبيدي.

وقال العبيدي للجزيرة نت إن هذا الافتتاح "رمزي" وقام به فنانون وشبان متطوعون بجهود ذاتية بسيطة، وقد تم تقديم بعض العروض المسرحية والفنية على خشبته في حفل الافتتاح. لكن تأهيل المسرح وإعادته صالحا للعروض الفنية يحتاجان إلى أكثر من هذا.

فقد أدى القصف الأميركي, وما تلاه من حرق وتخريب, إلى أضرار كبيرة في بناية المسرح، تضررت منها قاعات العرض وغرف الأزياء والإكسسوارات ومعدات الصوت والإضاءة وغير ذلك. ويستبعد العبيدي عودة العروض إلى المسرح قريبا، متوقعا ألا تسمح الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد بذلك.

‪يشكو الفنانون المسرحيون بالعراق من غياب الدعم الحكومي‬ (الجزيرة نت)
‪يشكو الفنانون المسرحيون بالعراق من غياب الدعم الحكومي‬ (الجزيرة نت)

إعادة الحياة
ورغم قدم الحركة الفنية وعراقتها في بغداد, فإنها تفتقر إلى مسارح ودور سينما مؤهلة، حيث يشكو غالبها من القِدم وعدم القدرة على استقبال العروض الفنية الجديدة. وقد لقيت الدعوة التي أطلقها فنانون لإعادة الحياة لمسرح الرشيد استجابة فرق تطوعية وشباب مثقفين، كما يقول الفنان والمخرج أحد حسن موسى, وهو أحد المشاركين في الحملة.

ويرسم موسى -في حديث للجزيرة نت- صورة قاتمة عن شكل المسرح حين بدؤوا العمل فيه. فقد كان عبارة عن مكب أنقاض كبير، بينما كانت الجدران مدمرة ومفتوحة على الشارع، وجميع الغرف مهدمة ومقاعد المتفرجين أنقاض، كما أنه كان بلا بوابات، وفقا لروايته.

ويضيف أنهم حاولوا إصلاح هذا الوضع وفق إمكاناتهم البسيطة، فقاموا بتنظيف المسرح وإعادة الخشبة، واستطاعوا ترميم الواجهة، وغلق الفجوات, وإعادة التيار الكهربائي ومنظومة الصوت، ليتبع ذلك تقديم عروض مسرحية قصيرة, وقراءات شعرية, وعزف على العود.

أما الفنان المسرحي نزار علوان فوصف عودة المسرح بأنه إنجاز كبير للثقافة العراقية رغم كل الظروف الراهنة, وانتقد غياب الدور الحكومي في إعمار المؤسسات الثقافية التي تضررت من الحرب والعنف. وبرر لجوء بعض الممثلين إلى ما سماه "المسرح الجماهيري" لغياب دعم وزارة الثقافة ومؤسسات الدولة لهم، مبديا تحفظه على وصف هذا النوع من الأعمال المسرحية بـ"التجاري".

‪قدم المسرح العراقي العديد من الأسماء التي تركت بصماتها بالعراق والعالم العربي‬ (الجزيرة نت)
‪قدم المسرح العراقي العديد من الأسماء التي تركت بصماتها بالعراق والعالم العربي‬ (الجزيرة نت)

المسرح التجاري
وقد قدمت الحركة المسرحية في العراق أسماء تركت بصماتها عراقيا وعربيا، مثل يوسف العاني وسامي عبد الحميد وحقي الشبلي وخليل شوقي وبدري حسون فريد وآخرين.

وشهدت الحياة الفنية العراقية عصرها الذهبي في سبعينيات القرن الماضي، تلتها فترات تدهور وركود خاصة في عقد التسعينيات وما بعده، حيث لم يعد المسرح مقصدا للعائلة العراقية أو النخب المثقفة، كما كان في الماضي.

ويصف فنانون الكثير من الأعمال المعروضة حاليا بـ"الرديئة" والهابطة فنيا، حيث يغلب عليها "الإسفاف" والهزل دون أية مضامين أو رسائل، كما تقول آن خالد, وهي مخرجة وممثلة مسرحية.

وتعزو آن تدهوره كذلك إلى الأوضاع الأمنية المضطربة التي لا تشجع الناس على الذهاب إلى الأماكن العامة، بالإضافة إلى مقص الرقابة الذي ما زال فاعلا بوجود خطوط حمراء سياسية ودينية. وتضيف أن هجرة بعض رواد المسرح, ورحيل بعضهم, حرم الفنانين الشباب من الاستفادة من خبراتهم والتأثر بهم.

وتخشى المخرجة العراقية من الهبوط الذي أصبح سمة الكثير من الأعمال المسرحية الجديدة التي تعرف بـ"المسرح التجاري" والذي يتميز بسطحية مواضيعه وعدم مراعاته لتقاليد وأعراف المجتمع، لدرجة استخدام ألفاظ نابية وخادشة للحياء، كما تحول بعضها إلى عروض فنية راقصة، لا تصلح لحضور العائلات.

المصدر : الجزيرة