"أنا الشعب".. الفلاح المصري والثورة بعيون فرنسية

ملصق الفيلم - انا الشعب

نزار الفراوي-الرباط

يرصد الفيلم الوثائقي "أنا الشعب" للمخرجة الفرنسية آنا روسيون صدى الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في القرى المصرية بالصعيد، وتفاعل الفلاح المصري مع تحولاتها ومنعطفاتها المتسارعة.

ويتميز هذا العمل -الذي عُرض في إطار فعاليات الدورة 21 لمهرجان سينما المؤلف بالرباط- بفرادة على مستوى الموضوع وعلى مستوى سيرورة إنجاز الفيلم.

ويحاول الوثائقي اقتفاء آثار الثورة ومواقف شريحة من المصريين من محطات ما بعد مبارك، خارج نطاق المجال الحضري الذي تتركز عليه الأضواء.

ومن جهة أخرى، يكتسي الفيلم طابع معايشة إنسانية حميمية لمخرجة العمل مع شخصيات الفيلم ومحيطها الطبيعي والاجتماعي في واحدة من واحات الصعيد بمنطقة الأقصر.

من الحقل إلى التلفزيون
جاءت كتابة الفيلم -الذي حصد جوائز عديدة في مهرجانات دولية- منسوجة في خطين متلازمين، مما يكسبه تميزا من حيث الجمع بين إنتاج المعرفة وضمان تفاعلية السرد والشهادة.

ففي الوقت الذي تتعاقب فيه شهادات ووجهات نظر الفلاح "فراج" وزوجته وأطفاله الصغار وأصدقائه من أهل القرية حول المستجدات السياسية، تحرص المخرجة على أن يتم ذلك في خضم رصد أدق اليوميات العادية والرتيبة للفلاح المصري. 

العلاقة مع الأرض، والارتباط بالماء كناظم للحياة الاقتصادية والبقاء عموما، وأثر التعليم على الوعي الجماعي للناس، وتداعيات الانفتاح على ما يجري في البلاد والعالم من خلال القنوات الفضائية، ودلالات الطقوس الاجتماعية، وتوزيع السلطة داخل الأسرة القروية.. كلها جوانب تعطي للفيلم قيمته الأنثروبولوجية والسوسيولوجية التي لا يستهان بها.

من مشاهد الفيلم (الجزيرة)
من مشاهد الفيلم (الجزيرة)

وتقدم روسيون بعدسة "العين الغريبة" هذه المشاهد بتعاطف وحب، ودون مأساوية أو فلكلورية موجهة للاستهلاك.

يحيل العنوان "أنا الشعب" إلى أغنية أم كلثوم الوطنية الشهيرة بثقلها الرمزي، كما أنه يكشف المنطلق الأساسي للمخرجة في محاولة التعرف على طرق تفكير هذا الشعب وكيف تنبثق مواقفه وتفاعلاته مع التحولات السياسية في بلد ينشد الخروج من الاستبداد إلى الديمقراطية.

فالعنوان يحمل قدرا من "الخدعة الساخرة"، لأن هذا الشعب، وفي أي مكان، ليس أبدا على قلب رجل واحد، بل إن الواحد منه يبدل ما يبدو أنه قناعة ثابتة كلما هب إعصار جديد وحلت توازنات جديدة. وذلك كان شأن "فراج".

تحولات المواقف
لا تتخذ آنا روسيون موقف المتفرج اللاقط للشهادة الملفوظة والمعبّر عنها، والمتتبع لتفاصيل المشهد الطبيعي والاجتماعي، بل تلعب دورا استفزازيا تجاه الشخصيات.

في خضم يوميات "فراج" في الحقل، أو أثناء المشاهدة الجماعية للتلفزيون مساء، أو في لقاءات "فراج" مع أصدقائه، تتدخل آنا بتعليقات قليلة لكنها محرضة على التعبير عن مواقف متتالية تجاه ما جرى في مصر منذ نجاح ثورة  25 يناير/كانون الثاني 2011، وصولا إلى الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في العام 2013.

ولعل قوة الفيلم استمدت من عنصرين مهمين، أولهما المعايشة الحثيثة من لدن المخرجة لشخصياتها الرئيسية بحيث أصبحت جزءا من عائلة " فراج"، وثانيهما المدى الطويل لصناعة الفيلم، مما أتاح في النهاية، من خلال مونتاج سردي حيوي، تقديم ما يشبه منحى خطيا لتفاعل شريحة من المصريين مع التحولات السياسية الكبرى.

‪المخرجة الفرنسية آنا روسيون والفلاح المصري
‪المخرجة الفرنسية آنا روسيون والفلاح المصري "فراج"‬ (الجزيرة)

ويقول منتج الفيلم، المغربي كريم أيتونة إن حكاية آنا مع "أنا والشعب" بدأت في اتجاه آخر عام 2009، حيث كانت تسعى إلى تصوير شريط وثائقي عن تأثير قطاع السياحة على الريف المصري في تلك المنطقة من الصعيد، وحينما جاءت لحظة الإطاحة بمبارك، انبثقت فكرة الفيلم ليتواصل التصوير حتى عام 2013، بينما دامت مرحلة المونتاج عاما كاملا، لأن هم طاقم الفيلم كان الابتعاد به ما أمكن عن خانة الربورتاج وإعادة كتابته بما يجعله عملا سينمائيا كامل المقومات.

واعتبر أيتونة أن "أنا الشعب" ربما يكون أول عمل يسلط ضوء الكاميرا على تحولات مصر منذ 2011 خارج المكان الأسطوري لساحة التحرير والقاهرة وباقي المدن الكبرى.

وأظهر الفيلم، في نظره، أن منطق التفاعل مع الأحداث السياسية الكبرى في البلدان العربية وطبيعة الثقافة السياسية، قد لا يختلفان كثيرا بين المدن والقرى، وإن كانت هذه الأخيرة أكثر انشغالا بالأوضاع المعيشية الصعبة التي تؤطر نظرتها إلى الأشياء والعالم.

أما عن وجهة نظر المخرجة، فيرى الناقد المغربي رشدي المنيرة أنها واضحة في الاختيار الجريء بالانغماس لمدة طويلة داخل النسيج القروي للفلاح المصري، وفي رصدها لأدق التفاصيل في حياة القرية المصرية التي يرى أن جميعها تفاصيل سياسية بامتياز، وهو أمر واضح حتى قبل أن يظهر الإهداء الذي سجّلته آنا روسيون في الوثائقي "إلى أبي.. إلى كل الثوار".

يذكر أن المخرجة الفرنسية من مواليد بيروت عام 1980، ونشأت في القاهرة قبل أن تنتقل إلى فرنسا حيث واصلت دراسة اللغة والحضارة العربية.

المصدر : الجزيرة