بعد غياب العمالقة.. الشعر الفلسطيني إلى أين؟

الشاعر الراحل محمود درويش والشاعر سميح القاسم ويتوسطهما مدير مؤسسة محمود درويش
محمود درويش (يمين) وسميح القاسم (يسار) من أعلام الشعر الفلسطيني المعاصر (الجزيرة)

وديع عواودة-حيفا

لم تحمل القصائد وطنا وأرضا كما حملت فلسطين، كانت القضية عنوانا رئيسيا للمدونة الشعرية الفلسطينية والعربية في العقود الماضية، وكما جعل الشعر فلسطين بوصلته، رفعت فلسطين أيضا شعراءها إلى ذرى عالية من الإبداع والشهرة والمجد.

أنبتت الأرض والقضية والوطن السليب أجيالا من الشعراء، في حقبة شديدة الخصوبة على المستوى السياسي والفكري والاجتماعي، وكانت المحبطات العديدة من النكبة إلى النكسة إلى جرائم الاحتلال والمنفى محرضا على القول والكتابة ونسج خيوط تجربة شعرية متفردة تحت عنوان "فلسطين".

كيف حال القصيدة الفلسطينية اليوم بعد أن رحل كثيرون من رموزها كمحمود درويش وسميح القاسم، وطه محمد علي وتوفيق زياد ومعين بسيسو، وقبلهم كثيرون؟ وهل يقوى شعراء اليوم على إغناء المدونة الشعرية الفلسطينية في ظل التحولات التي تشهدها الساحة الشعرية فلسطينيا وعربيا؟

الجزيرة نت استطلعت آراء مجموعة من المبدعين والنقاد الفلسطينيين، فتباينت تقييماتهم حول موقع الشعر الفلسطيني اليوم، لكنهم اتفقوا على أن القصيدة الفلسطينية باقية رغم رحيل رموزها الكبار.

ويتحفظ الأديب حنا أبو حنا -الذي تتلمذ شعراء كثيرون على يده- على المبالغات والمقارنات، ويقول إنه لو سئل الراحل محمود درويش لقال إن المسافة ما زالت طويلة أمام بلوغ الشعر الفلسطيني القمة.

ويرى أبو حنا أن لكل واحد من شعراء فلسطين التاريخية مساهماته، وذوقه ولونه الشعري، وهم سوية يشكلون سيمفونية أدبية واحدة.

‪أبو حنا: الأدب العربي بشكل عام يعيش حالة معاناة في الوقت الراهن‬ (الجزيرة)
‪أبو حنا: الأدب العربي بشكل عام يعيش حالة معاناة في الوقت الراهن‬ (الجزيرة)

حالة انحسار
ويؤكد أبو حنا -الذي كتب مقدمتي الديوان الأول لدرويش "أوراق الزيتون" وللديوان الأول للقاسم "مواكب الشمس" أن هناك مجموعة واعدة من الشعراء الفلسطينيين الشباب يتمتعون بطاقة شعرية هامة سواء بالأسلوب التقليدي أو عبر قصيدة النثر.

كما يلاحظ تراجعا في جودة الشعر الفلسطيني الراهن نتيجة تراجع اللغة العربية وازدياد العزوف عن القراءة، وكغيره من المشاركين في تقييم الشعر الفلسطيني الراهن تحفظ على التطرق لأسماء شعراء جدد.

وبرأيه فإن الأدب العربي بشكل عام يكابد أيضا حالة معاناة رغم وجود عدد من الأدباء الكبار، لافتا لخطورة انحسار المطالعة.

ويتابع "لا شك أن الواقع المأساوي الناجم عن النكبة، خاصة لدى فلسطينيي الداخل ومواجهتهم حالة حصار ثقافي وسياسي طيلة عقود، ساهم في ظهور شعراء كبار".

من جهته، يرى الباحث في الأدب د. رياض كامل مشهد الشعر الفلسطيني المعاصر من زاوية مختلفة، ويحذر من نعي الشعر الفلسطيني كلما رحل شاعر مهم.

رياض كامل: هناك شعراء جدد يشقون بخطى ثابتة(الجزيرة)
رياض كامل: هناك شعراء جدد يشقون بخطى ثابتة(الجزيرة)

الشعر والمقاومة
ويبدي كامل تفاؤلا كبيرا بأن الشعر يتبدل ويتجدد بوجود ما يبشر خيرا، مشيرا إلى أن "الشعر الخطابي كان مسيطرا ثم حل بدلا عنه شعر له وسائل وأساليب تتجاوب مع متطلبات العصر، وتمكن من فرض ذاته على القراء بعدما سادت ثقافة الإصغاء".

وفي الوقت الراهن، يرى كامل شعراء شبابا يشقون الطريق بأسلوب جديد ووسائل فنية جديدة، لافتا إلى حراك أدبي نسوي مهم، مرجحا تطور الرواية والقصة أيضا.

ويشير لوجود جيل من الشعراء يشق طريقه، بدأت ثمار أعماله تلقى تجاوبا وتؤتي أكلها، لكنه يتفق مع أبي حنا بأن هناك أزمة قراءة أكثر مما هي أزمة إبداع، معتبرا أنه ليس من باب العدالة قياس عطاء هؤلاء الشباب بما أبدعه الشعراء الكبار السابقون. ويقترح "التروي قليلا ومنح  الفرصة لجيل الشباب".

وبرأي الشاعر محمود مرعي، فإن وقتا طويلا سيمر حتى يولد بالوطن العربي خليفة لدرويش الشاعر، بلغته وصياغاته وتراكيبه وصوره.

ورغم ملاحظته عن تراجع الشعر الفلسطيني الراهن، يعتقد أن صلاحية القصيدة  في فلسطين وخارجها لن تنتهي لأنها غذاء للوجدان.

ويرى أن الشعر الفلسطيني المقاوم موجود قبل درويش والقاسم وسيظل بعدهما، ويستذكر بهذا السياق إبراهيم وفدوى طوقان وعبد الرحيم محمود ومطلق عبد الخالق وراشد حسين ومحمود دسوقي، وغيرهم.

أنبتت الأرض والقضية والوطن السليب أجيالا من الشعراء، في حقبة شديدة الخصوبة على المستوى السياسي والفكري والاجتماعي

حامل القضية
من جهته، يؤكد رئيس الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين داخل أراضي 1948 عدم توقف تجربة الشعر الفلسطيني على كبار مبدعيه من الأجيال الماضية، موضحا أنه لا يمكن لدور شعر المقاومة والممانعة الفلسطيني أن ينتهي طالما بقيت القضية الفلسطينية معلّقة.

ولكن سامي مهنا يؤكد بالمقابل أنه ينبغي على هذا الشعر من ناحية فنية ومضمون أن يعي التغيرات ورصدها، ويتفاعل معها مواكبة واستباقا، وأن يطمح للتجديد على القائم والإضافة عليه.

ويقر بوجود خلل بالشعر الموجود اليوم لأن غالبية ما يكتب من شعرٍ سياسي يدور في دوائر التقليد، متفقا بهذا السياق مع آخرين يكتفون بالتلميح لتراجع جودة الشعر الفلسطيني الراهن، لكنه يشير أيضا لحالات إبداعية بالمشهد الشعري العربي الفلسطيني الراهن تبشّر بتجربة راقية.

ويتفق مهنا مع أبي حنا حول دور الظروف السياسية في نحت التجربة الشعرية، مشيرا إلى أن "شعرنا اليوم يحمل شعلة التطور التي لا تزال خافتة إعلاميا، بسبب تغير الظروف السياسية".

المصدر : الجزيرة