الرسّام المقاتل.. حين تلتقي الريشة مع البندقية

سوريا- لوحة للرسام إسماعيل خليفةالذي يقاتل إلى جانب الثوار
لوحات خليفة تحكي عن محنة التطلع للحرية في سوريا (الجزيرة نت)

علاء الدين عرنوس-ريف دمشق

قد تبدو المقاربة فجة للوهلة الأولى، لكنها مشروعة وممكنة، خصوصا أنها حدثت بسوريا، حيث يمكن للمتناقضات جميعا أن تجتمع على نحو صارخ وتبدو وكأنها قابلة للتصديق.

على نحوٍ غير متوقع، بات إسماعيل خليفة خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق واحدا من أبرع المقاتلين في صفوف المعارضة على خطوط التماس، بل وأكثرهم اندفاعا إلى ميادين القتال رغم اعترافه بأنه لم يحمل بندقية من قبل.

خليفة الذي لم يمتهن حرفة أخرى سوى الرسم منذ أكثر من عشرين عاما، لم يتوقف نضاله عند حد رسم الملصقات الثورية عشية المظاهرات التي شارك في التنظيم لها والإعداد لها في ضواحي دمشق، ولم تردع أنشطته السلمية مداهمة منزله ومرسمه عدة مرات من قبل الأمن وملاحقته.

في مرسمه الصغير على مقربة من خطوط رباط الثوار بمنطقة الأربعين جنوب دمشق، كان اللقاء معه في حديث طويل حول علاقته بالثورة رساما ومقاتلا.

نقطة التحول التي غيرت مسار حياة خليفة مع الثورة بدأت مع حادثة مقتل سيدتين مع طفل رضيع أمام عينيه بنيران قناص تابع للحرس الجمهوري قرب مشفى الرضا بمنطقة الأربعين جنوب دمشق، حيث يشارك في انتشال جثثهم، وفق روايته.

يقول خليفة للجزيرة نت إنه لا يستطيع إلى اليوم نسيان مشهد الطفل ووالدته وجدته تحت زخات الرصاص التي أجهزت عليهم، ليضيف "كثيرا ما أحاول إقناع نفسي بأن ما جرى مجرد هلوسات لجريمة لم تحصل، لكنها كانت أقسى من أن تنسى".

‪إسماعيل خليفة يوزع وقته بين الرسم للثورة والقتال إلى جانب مسلحيها‬ (الجزيرة نت)
‪إسماعيل خليفة يوزع وقته بين الرسم للثورة والقتال إلى جانب مسلحيها‬ (الجزيرة نت)

حوار خليفة مع القنّاص والقتلة عبر عشرات اللوحات يختصر سؤالا واحدا حول الذنب الذي اقترفه أولئك الأبرياء، لينتهي إلى أن "خيارنا الأخير مع الجيران وأبناء المنطقة كان بنسف مبنى القناص ووضع حد لقتل المزيد من الأبرياء".

يواظب إسماعيل على الخلوة لساعات طويلة في مرسمه الصغير في جوار منزله قبل أن يحين موعد نوبة الحراسة على الجبهة. وفي أحيان كثيرة يصطحب معه معدات الرسم إلى الجبهة لتصوير عمل ما.

يبرر خليفة لجوءه إلى السلاح بالقول "اللوحات وحدها لن تمنع المزيد من الموت، لكنها ستشهد على مرحلة سوداء في تاريخ هذا الشعب".

أما "السلاح الذي بيدي فستنتهِي مهمته حين لا نعود للحاجة إليه، فلكل شخص منا عمله وشغفه".

ويستدرك قائلا "حقنا الطبيعي بالدفاع عن أعراضنا كان الدافع الرئيسي لحمل السلاح، فالنشاط السلمي لم يعد كافيا أمام كل هذا التمادي من جهة النظام".

رغم انغماسه في العمل المسلح، فإن خليفة وجد وقتا كافيا للإشراف على معرضٍ جماعي لأطفال المدارس المحاصرين، وإقامة ورشات العمل لتمكين مهاراتهم.

لوحات خليفة تتطلع للانعتاق من زمن الأغلال إلى غد الحرية (الجزيرة نت)
لوحات خليفة تتطلع للانعتاق من زمن الأغلال إلى غد الحرية (الجزيرة نت)

يقول خليفة "رغم أجواء الحرب يبقى الرسم أداة مثلى للتعبير عن مشاعر وآمال الأطفال. للفن التشكيلي أثر كبير في نقل واقعهم واستقراء مستقبلهم".

ويرى خليفة أن الثورة لم تفجر بعد طاقاتها الكامنة على مستوى الفن، فهي على حد تعبيره "لا تزال في مخاضها العسير ولا يزال الفن التشكيلي بعيدا عن الاحتكاك اليومي بشؤون الناس وآمالهم".

ويضيف "أسعى للرسم دوما في الأماكن العامة وبين الناس وفي المدارس رغم مشاغل الحرب، فالفن التشكيلي -ككل الفنون الأخرى- يخفف من حدة ألم الأبرياء المحاصرين".

مشاركات خليفة توزعت بين كفر سوسة وداريّا ومعضمية الشام، واستمر في إنجاز اللوحات الزيتية والملصقات الثورية والأعمال الفنية الأخرى مستخدما الأدوات البدائية ومواد خام مختلفة بعد تضاؤل معداته.

ورغم كل ما يبديه خليفة من تقبل للنقد حول لوحاته "المحاصرة" فإن لمتابعيه من المهتمين بالفن التشكيلي رأيا آخر، حيث يرون أن الأعمال التي أنجزها تحت القصف وعلى هامش المعارك لا تحتمل النقد.

وعلى حد تعبير أحد زوار مرسمه فإن لوحات خليفة طارئة وفي زمنٍ طارئ.

المصدر : الجزيرة