الرواية السودانية في 60 عاما

غلاف الرواية السودانية في 60 عاما

محمد نجيب محمد علي-الخرطوم

 

أعاد البروفسير محمد المهدي بشرى ذاكرة السرد السوداني في تأريخ جديد لهذا الضرب من الإبداع، في كتابه الموسوم بـ"الرواية السودانية في 60 عاما"، واشتغل الكتاب على عنوان فرعي حمل اسم "المركز والهامش".

وحصر بشرى الرواية السودانية في مراحل ما قبل الاستقلال وما بعده والتجارب الروائية التي أخذت بالمدرسة التقليدية والحديثة والتجريب في سرد متكامل شمل الشكل الروائي وتعدد الأصوات، وما عملت عليه الرواية السودانية في مناقشة العوامل الاجتماعية والمتغيرات السياسية والاقتصادية، وهي كلها تحولات اصطحبها الباحث في تجميع صورة واضحة للسرد السوداني.

بشرى: الرواية السودانية ظلت منذ بداياتها تبحث عن تأصيل وهوية (الجزيرة)
بشرى: الرواية السودانية ظلت منذ بداياتها تبحث عن تأصيل وهوية (الجزيرة)

واعتمد البروفسير محمد المهدي بشرى على دراسات سابقة سودانية وعربية تناولت الرواية السودانية متمثلة في كتابة كبار الكتاب السودانيين أمثال الطيب صالح وإبراهيم إسحق، مشيرا إلى أن "دراسات معاوية نور كرائد من رواد الحداثة في السودان حول الرواية لم تترك أية أصداء في الرواية السودانية الرائدة التي كتبت بعد أكثر من عقد من الزمان من دراسات معاوية المنشورة في الصحافة المصرية".

ويضيف بشرى أن الرواية السودانية ظلت منذ بداياتها تبحث عن تأصيل وهوية، كما انتبهت إلى قيمة التراث حيث عمل محمد عثمان هاشم على تحويل أسطورة "تاجوج" التي جرت أحداثها في شرق السودان إلى نص سردي بعنوان "تاجوج.. مأساة الحب والجمال"، في العام 1948.

شمال وجنوب
أضاء الباحث في دراسته صورة الشمال في البنية السردية التي تناولت الجنوب وصورة الجنوب في العقل الجمعي الشمالي، واتكأ على الصورة الأشمل في الذاكرة الجماعية للحرب الأهلية بين الجانبين وتداخلات أهل الشمال والجنوب، وأعطى مثالا لذلك رواية "مندكرو" لمروان حامد الرشيد، و"آخر أيام شاب جنوبي" للروائي والقاص أمير صالح جبريل، وخلص إلى القول إن رواية "مندكرو" كتبت بانحياز واضح للجنوبيين، وصورتهم كضحايا لقهر الشمال، لكنها حملت رؤيا تؤكد أن الجنوب والشمال سيندمجان ويتوحدان كوجدان واحد.

وتناول الباحث الخطاب المنقوص كما يراه كقراءة في الخطاب النقدي في إبداع الطيب صالح وأثره في توصيل الثقافة السودانية بكل خصوصيتها وتفردها في العالم العربي من خلال كتاباته، مشيرا إلى ضرورة قراءة صالح بصورة جديدة تسعى إلى سبر غور ما كتبه من خلال نماذج تعتمد على التحليل العلمي والنظرة الشاملة.

ويفرد الباحث حيزا واضحا لقص وسرد إبراهيم إسحق وما قام به في معالجة بيئته ولغته العامية التي يتحدثها سكان إقليم دارفور، وأضاف أن الناقد مجذوب عيدروس في دراسته لإبراهيم إسحق أوضح أنه استفاد من مخزونه الهائل من الحكايات الشعبية ومزج التراث مع المادة التاريخية ومنجزات الرواية الأوروبية، وأنه حاول بذلك المزج في رواياته أن يبلغ ذرى الرواية العالمية في نماذجها الأثيرة عند فولكنر وشولوخوف وجيمس جويس.

نون النسوة والجيل الصاعد
وأفرد البروفسير بشرى مساحة واسعة لتأثير السرد النسوي في الحكي السوداني ودوره في وضع المرأة السودانية في مسارها الأدبي ضمن كوكبة الرائدات العربيات الحداثويات اللواتي تناولن المسكوت عنه في المجتمعات العربية، واضعا الراحلة ملكة الدار محمد عبد الله كرائدة للكتابة النسائية والسردية في السودان، وبثينة خضر مكي في محاولتها معالجة القضايا الاجتماعية الطارئة بقالب ينحاز تماما للمرأة مع محاولة وضع الرجل في صورة الظالم ووضع المرأة في صورة الضحية للمجتمع الذكوري.

الصاوي: الكتاب أغفل أسماء روائية جديدة (الجزيرة)
الصاوي: الكتاب أغفل أسماء روائية جديدة (الجزيرة)

ويشير البروفسير محمد المهدي بشرى إلى أن الرواية السودانية "ظلت منذ بدايتها ترصد وتوثق التحولات الاجتماعية والثقافية في السودان". وردا على سؤال من الجزيرة نت حول ما أراده في عنوانه الفرعي الداخلي "المركز والهامش"، يحيلنا بشرى إلى رواية "إنهم بشر" للروائي السوداني الراحل خليل عبد الله الحاج التي تناولت شريحة العمال في مدينة أم درمان وحياتهم الصعبة في أربعينيات القرن المنصرم، معتبرا هذه الرواية رائدة "مدرسة الهامش" التي ظهرت كمدرسة مختلفة لها أسئلة متشابكة مع المركز.

ويرى الناقد د. مصطفى الصاوي أن كتاب "الرواية السودانية في 60 عاما" جمع بين الرصد التاريخي والتحليل الفني والإشارات المعمقة إلى الرواية السودانية ببنياتها المختلفة وتحولاتها العميقة، ويقول إنه كان يتمنى لو أن الكتاب تناول أسماء روائية جديدة وضعت بصمتها في السرد السوداني.

ويجاريه في الرأي الناقد عامر محمد أحمد، موضحا أنه "رغم تعمق البروفسير مهدي في قراءته على المستوى الاجتماعي والثقافي للرواية السودانية، فإنه أغفل أحد أهم أصوات السرد السوداني في نصف قرن: الكاتب الروائي والقاص عيسى الحلو"، ويضيف من جهة ثانية أن تبحر البروفسير بشرى في علم الفلكلور أتاح له فتح خزانة أرشيف سردي واسع ساهم في صياغة سؤال الهوية السودانية، وتتبع مسارات الكتابة السودانية الروائية للمرأة وبعض كبار الكتاب.

المصدر : الجزيرة