الترجمة بين العرب وجيرانهم.. جسر يفتقر للترميم

تصميم غلاف كتب نماذج من مقال( الترجمة بين العرب وجيرانهم.. جسر يفتقر للترميم)

هيثم حسين

تشكل الترجمة جسرا للتواصل بين الشعوب، وتساهم في التعريف بثقافات وحضارات الشعوب الأخرى، وهي تؤدي أدوارا مهمة في تبديد التصورات المسبقة والأحكام النمطية لما تحمله من تنوير وتسليط للأضواء على واقع الناس في مختلف تفاصيل حياتهم.

ولا يخفى أن هناك إقبالا على الترجمات من اللغات الأوروبية عادة، وقد حققت الترجمة دورا مهما في اكتشاف الآخر، لكن ما يثير التساؤل هو الأسباب الكامنة وراء انقطاع التواصل مع الشعوب المجاورة للعالم العربي.

وعن واقع الترجمة من العربية إلى التركية والفارسية والكردية، والصعوبات التي تحول دون إنجاز كمٍّ أكثر عبر التشجيع والدعم والرغبة في اكتشاف الجار والشريك، وعن كيفية تفاعل القارئ مع الترجمات، استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من المترجمين والمتخصصين في مجال الترجمة.

‪غسان حمدان: السياسة والكراهية يحولان دون تفعيل الترجمة بالشكل المطلوب‬ (الجزيرة)
‪غسان حمدان: السياسة والكراهية يحولان دون تفعيل الترجمة بالشكل المطلوب‬ (الجزيرة)

شبه قطيعة
يرى الكاتب والمترجم السوري عبد القادر عبداللي -المقيم في أنقرة، والذي ساهم بترجمة العديد من الكتب من اللغة التركية إلى العربية- أنه لا يختلف وضع الترجمة من التركية إلى العربية عن وضعها من العربية إلى التركية.

ويعود إلى التاريخ فيقول "قديما، في المراحل العثمانية والسلجوقية وما قبلهما كان المثقف التركي يجيد العربية ولم يكن بحاجة إلى الترجمة، واقتصرت هذه العملية على ترجمة القرآن الكريم والحديث الشريف، لذلك يمكن القول إن حركة الترجمة من العربية إلى التركية نشطت في أواخر القرن التاسع عشر، ولكنها ركزت أيضا على الكتب التراثية والدينية. وإذا تمَّ التطرق إلى الأدب فقد كانت الترجمات تتناول الكتب ذات المضمون التاريخي الإسلامي مثل كتب جرجي زيدان ونجيب الكيلاني".

وبالانتقال إلى الواقع، يقول عبداللي "حديثا، وخلال العقدين الأخيرين نشطت عملية الترجمة من العربية إلى التركية بشكل مباشر قليلا، وبدأ يتصدى لها أشخاص محترفون لديهم ذائقة أدبية واطلاع على واقع الأدب العربي، وقدمت بعض الروايات والمجموعات الشعرية لكتاب معاصرين أمثال أدونيس والشهاوي وبنيس وغيرهم.. ولكن واقع النشر غاية في السوء، ونادرا ما تقبل دار نشر كبرى نشر رواية أو مجموعة شعرية أو قصص من الأدب العربي".

أما باستعراض الكمٍّ المنتج في الترجمة من العربية إلى التركية خلال ما يقارب قرنا ونصف قرن، يكون الرقم التقريبي مريعا من حيث اللامبالاة بالآخر والتجاهل الذي يضمره، إذ يؤكد عبداللي أن الرقم لا يتجاوز أربعمائة عنوان.

ثم يردف قائلا "وهذا الرقم يقارب ما ترجم من التركية إلى العربية. هذا عن الكم، أما عن الكيف فحدث ولا حرج، ونحن متشابهون أيضا في هذا المجال، مثلما لدينا شعر منسوب إلى ناظم حكمت ولا علاقة لهذا الشاعر به، هم لديهم نماذج من هذا النوع".

عدم اهتمام
من جانبه، يشير المترجم غسان حمدان -الذي يترجم من الفارسية وإليها- إلى أن هناك أسبابا عدة يمكن اعتبارها من أهم الموانع التي تقف أمام الترجمة، وهو يجملها في "عدم اهتمام الناشرين، وعدم معرفة القراء والناشرين بأدباء العرب وكذلك الرقابة".

عبداللي: خلال العقدين الأخيرين نشطت عملية الترجمة من العربية إلى التركية بشكل مباشر قليلا، وبدأ يتصدى لها أشخاص محترفون لديهم ذائقة أدبية واطلاع على واقع الأدب العربي

ويجد حمدان أن هذا الأمر ينطبق على العالم العربي أيضا "بمعنى أن هناك عدم اهتمام بما يجري من حركة ثقافية في دول الجوار، بل إن تركيزنا كله على الأدب الغربي أو ننتظر من يفوز بالجوائز الكبرى كالبوكر أو النوبل أو الغونكور. وكما نعلم لا يريد الناشر أن يقدم على مجازفة بنشر رواية لروائي عربي لا يعرفه غير الأكاديميين".

ويلفت حمدان إلى وجود مشكلة تمنع التقارب الثقافي ومد جسور الصداقة الأدبية، وهي السياسة وما تثيره من مشاعر الكراهية. ويقول "نعم، هناك كراهية متبادلة بين الطرفين".

ثم يستدرك "ولكن مع هذا وفي ظل مواقع التواصل الاجتماعي نرى حركة نشطة في ترجمة القصائد العربية إلى الفارسية أو بالعكس من قبل طلاب اللغة، بل رأينا صفحات خاصة لنزار قباني أو محمود درويش بالفارسية، كما أن هناك صفحة "شرقستان" التي تعني بترجمة القصائد العربية إلى الفارسية وبالعكس، صحيح أنها تساعد على مد الجسر الثقافي والتشجيع على إلقاء نظرة على أدب الضفاف الأخرى، إلا أن هذا الأمر لا يكفي بتاتا فالأدب ليس كله قصائد وإنما روايات ومسرحيات".

ويؤكد عبد القادر عبداللي أن "لجبران خليل جبران مكانة خاصة في الترجمة، فقد تُرجمت أعماله كلها تقريبا، إضافة إلى نجيب محفوظ والطيب الصالح، وطه حسين وتوفيق الحكيم ومحمد ديب"، ويشير إلى أن هذه الأعمال كلها تقريبا تُرجمت عن الإنجليزية.

ويضيف "في الحقيقة الترجمة عن لغة وسيطة كانت هي السائدة، فقد تُرجمت ألف ليلة وليلة وحتى إحدى محاولات ترجمة القرآن الكريم كانت عن لغة وسيطة، وتلعب اللغة الوسيطة دورا آخر إذ من الصعب أن يُترجم كاتب عربي لم يُترجم إلى لغة أوروبية".

‪إسماعيل: غياب النقد في مجال الترجمة ساهم في ضعف المنتج الأدبي المُترجم‬ (الجزيرة)
‪إسماعيل: غياب النقد في مجال الترجمة ساهم في ضعف المنتج الأدبي المُترجم‬ (الجزيرة)

صعوبات وتراكمات
وينوه غسان حمدان إلى أنه لا يمكن نفي وجود ترجمات فارسية للروايات العربية بشكل كامل، ويؤكد أن الأمر شبه معدوم.

ويواصل حمدان "صحيح أننا سمعنا بترجمة رواية لبهاء طاهر إلى الفارسية إلا أنها جاءت فريدة وبعد سنوات من ترجمة آخر رواية عربية قبل أكثر من عقد. في ذلك الوقت كان هناك مترجم نشط من عرب خوزستان (يوسف عزيزي بني طرف) إلا أنه خرج من البلاد بعدما سجن بتهمة نشاطات سياسية معادية، وكان قد ترجم عدة روايات لنجيب محفوظ وحنا مينة".

أما المترجم الكردي العراقي صباح إسماعيل الذي ترجم أعمالا للطيب صالح وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج وغيرهم إلى الكردية، فيجد أن ترجمة كثير من الأعمال العالمية إلى الكردية تمت عن طريق لغات وسيطة أي "العربية أو الفارسية".

ويقر إسماعيل بأنه لم تتم ترجمة سوى القليل جدا من الروائع العربية إلى اللغة الكردية، ويرى أن الصعوبات التي تواجه الترجمة من العربية إلى الكردية تتلخص في ندرة وجود كاتب خصص جهده للترجمة فقط، بل يتم اعتبار الترجمة أمرا ثانويا يأتي بعد الكتابة.

ويعتقد إسماعيل أن سبب قلة التفاعل مع الترجمات المنجزة يعود إلى "عدم الإلمام من قبل المترجمين ليس فقط باللغة التي يتم الترجمة منها، بل أيضا باللغة الأم".

ويقول "نرى مترجمين ليسوا ملمين بالمجال الذي يترجمون منه، إذن ليس من المستغرب أن نجد لغته ركيكة وغير قادرة على اللعب أو الرسم بالكلمات أو اختيار الكلمة المناسبة في مكانها الصحيح. وبالنتيجة يصبح القارئ بهذه الحالة غير متفاعل مع النص ويبتعد عنه".

كما لم يُخفِ إسماعيل أن غياب النقد في مجال الترجمة أدی إلی عدم الإحساس بالرقابة الفنية والمراجعة من قبل الآخرين.

المصدر : الجزيرة