مرايا.. دهشة السرد السوداني

كتاب مرايا للكاتبة السودانية صباح سنهوري
المجموعة القصصية "مرايا" أحدث إنتاج القاصة السودانية الشابة صباح سنهوري (الجزيرة)
محمد نجيب محمد علي-الخرطوم
 
صدرت قبل أيام عن دار ميريت بالقاهرة المجموعة القصصية الأولى "مرايا" للقاصة السودانية الشابة صباح سنهوري (مواليد 1990)، وفي سن الثامنة عشرة نالت جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في دورتها الأولى عام 2009 عن قصتها "العزلة".

وقد مثل فوزها مفاجأة مدوية في الشارع الثقافي السوداني وأوساط النقاد، إذ لم يعرف اسمها من قبل إلا عند إعلان فوزها صبيحة السادس من أبريل/نيسان 2009. ولم يكتف النقاد بالمفاجأة وسرت همهمات بأن نص الكاتبة أكبر من عمرها.

ورأى آخرون أن العبقرية تبدأ في سن الثامنة عشرة يوم خرجت فرانسواز ساغان إلى العالم في ذات السن معلنة عن كاتبة مثلت علامة فارقة في دنيا الكتابة.

يقول نقاد متابعون للشأن الثقافي إن صباح سنهوري قد خرجت من معطف انفجار الكتابة وبداية عصر التدوين الإلكتروني، إذ تمثل جيلها بطلاقة الحرف وحرفة الكتابة، كما لم يعرف في تاريخ الكتابة السودانية أنثى في سنها وصلت إلى إثارة كل هذه الدهشة.

القاصة السودانية الشابة صباح سنهوري لا تزال تدرس في الجامعة (الجزيرة)
القاصة السودانية الشابة صباح سنهوري لا تزال تدرس في الجامعة (الجزيرة)

تجليات سردية
المجموعة القصصية "مرايا" -التي تبدأ بـ"عبق" وتستمر بـ "آنود" و"غشاء" و"خطوط" و"ثورة" وتنتهي بـ"العزلة"- تقع في 56 صفحة ما بين القصة القصيرة والأقصوصة، وما يلفت النظر أن قصتها "العزلة" قد جاءت في آخر المجموعة القصصية، وهي القصة الأم لتجربتها في الكتابة، وقد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، كما أخرجها في معالجة سينمائية المخرج الأردني برهان سعادة.

وقصة العزلة في سردها ترتكز على جو حار وحار جدا وخانق، وكأن هذه البقعة هي المكان الوحيد الذي وظفت الشمس لأجله، وفي هذا المكان وصل الهواء إلى سن التقاعد مع تركيب منتظم في هذا المكان. إلا أن نص "تقاطع" الذي يبدأ بـ"انطلقت الرصاصة صوبي تماما، أراها، تقتل الهواء، الجزيئات، الفراغ، تقتلهم جميعا في طريقها لقتلي، هل أنا شخص مهم لهذه الدرجة؟! ربما".

وهي ترسم أيضا طريق عزلة الكتابة النفسية المتجاورة والمتجاوزة للمسكوت عنه والمبنية على تراتيبية سردية وجودية وفلسفية. وتطرح صباح من خلال قصصها أزمة جيلها بكل عنفوانها، وتختط في طريق السرد الكتابة "النفسوسياسية" التي ترتكز أيضا على دافع سياسي واجتماعي متغير جراء أزمات داخلية يعيشها هذا الجيل ما بين واقعه وحياته المتخيلة، عبر تشابكه بالوسائط الحديثة وانفتاحه على العالم جزئيا وكليا، وتأثره الواضح بكل ما يدور في العالم وهو في غرفته الصغيرة يلاعب "الماوس" أو يداعب "الريموت".

تقول صباح سنهوري للجزيرة نت إنها لا تعرف حتى الآن ماذا تريد أن تقول، ولكنها تهتم بالإنسان في أي مكان وأي زمان، وتتعمد أن لا يكون هنالك مكان محدد أو زمان محدد في كتاباتها، رغم أن كل كتاباتها واقعية.

وأضافت الطالبة الجامعية التي تدرس اللغة الفرنسية أنها تقرأ روايات سيكولوجية مع اهتمام منذ نشأتها الأولى بقراءة السرد الروسي الذي اهتم بالوصف والتفاصيل.

الصاوي: جيل الشباب يؤكد امتلاكه موهبة فذة لكتابة القصة(الجزيرة)
الصاوي: جيل الشباب يؤكد امتلاكه موهبة فذة لكتابة القصة(الجزيرة)

طرائق جديدة
يقول الناقد الدكتور مصطفى الصاوي للجزيرة نت إن "مرايا" صباح سنهوري تؤكد أن هذا الجيل من الشباب الواعد يمتلك موهبة فذة ويجترح طرائق جديدة لكتابة القصة. ويؤكد الصاوي أن صباح قد ردت بشكل من الأشكال على بعض من أشار إلى أنها لم تتجاوز قصتها الأولى "العزلة".

بل إن البعض وصف قصتها بأنها مستوحاة من ترجمة ما، ويضيف الصاوي -وهو أستاذ النقد بالجامعات السودانية- أن اطلاعه على هذه النصوص يشير إلى أنها تسير في الاتجاه الصحيح وفقا للطريقة التي اجترحتها في كتابة القصة القصيرة.

في حين يذهب الناقد عامر محمد أحمد إلى القول إن العبقرية تتجلى في السن الصغيرة على حسب مقاييس شرقية وغربية للعبقري الذي يقول ما يقول ويذهب مبكرا.

ويشير عامر إلى أن تجربة صباح تحتاج إلى الغوص في داخل النص مع القراءة الصحيحة، إذ إن تجاوز خطوط القراءة دون تبصر قد يحمل عليها أو يحملها ما لا طاقة لها به، وكذلك تقرأ كل كتابة متجاوزة لفتى أو فتاة صغيرة في سنها وتجربتها.

المصدر : الجزيرة