ثورة العبير.. رواية تخلد ذاكرة شعب

ثورة العبير.. رواية وذاكرة ثورة
"ثورة العبير" توثيق روائي لثورة فبراير السلمية باليمن (الجزيرة)

عبد الغني المقرمي-صنعاء

تكتسب رواية "ثورة العبير" للقاص اليمني خالد العلواني الصادرة منتصف مارس/آذار مشروعيتها من الفضاء السردي الذي دارت أحداثها فيه، خاصة أنها تشكّلت وترعرعت في أحضان ثورة فبراير السلمية.

ولأن العنوان عتبة الدخول إلى النص، فقد حضرت الثورة منذ العنوان، بل وفي مفتتحه، ومن باب الاحتفاء اللغوي بالثورة في هذا الإطار، فقد جاء العنوان "ثورة العبير" خبرا لمبتدأ حُذف استعجالا لخبره، والتقدير "هذه ثورة العبير".

وتنسحب دلالة العنوان على فصول القصة الـ14، فكل فصل من هذه الفصول يمثل حقلاً مشحوناً بالثورة، حافلا بالصراع بين إرادتين: إرادة التشبث بالقديم بما هو عليه من ظلم واستبداد إبقاء لمصالح غير مشروعة، وإرادة التغيير والخلاص من أغلال استعباد الإنسان لأخيه الإنسان. وقد ظل هذا الصراع محتدماً على مدى فصول الرواية يأخذ أبعادا وأشكالاً مختلفة، نجح المؤلف إلى حد كبير في سَوْقِها بأسلوب سردي شيق.

ورغم التأثر الواضح للمؤلف بأسماء سردية معروفة على النطاق العربي، فإن ذلك لم يَحُلْ بينه وبينَ أن يستنطق الواقع اليمني بأبعاده الإنسانية والبيئية، وخصوصية منفردة لمجتمع ثورة العبير، إذ حضر الواقع اليمني بكثافة في كل أطوار الرواية، مفصحا عن ألوان زاخرة من العادات والتقاليد والفلكلور الشعبي، وهي المواضيع التي تعنى الرواية العربية الحديثة بالتعريف بها، وبإلحاحٍ شديد.

‪خالد العلواني يستلهم من الثورة اليمنية تفاصيل الأحداث التي ضمنها روايته‬ (الجزيرة)
‪خالد العلواني يستلهم من الثورة اليمنية تفاصيل الأحداث التي ضمنها روايته‬ (الجزيرة)

أحداث وأبطال
تدور أحداث الرواية حول أسرتين يمنيتين، محور الارتكاز في الأسرة الأولى (عبير) البطلة اليتيمة ذات الـ17 ربيعا، والتي نشأت في حضن عمها بإحدى قرى محافظة إب، أجمل المحافظات الشمالية، بينما يمثل محور الارتكاز في الأسرة الثانية (هيثم) ذو العشرين ربيعا، والذي نشأ في كنف أمه المطلّقة في مدينة عدن الجنوبية، تلك المدينة المثقلة حباً وبساطة. وللتأكيد على وشائج القربى بين المدينتين اللتين يمثلهما البطلان، فإن عبير وهيثم أبناء عمومة، وبسبب ذلك يتبادلان حباً بحب، ويعيشان قصة غرام نبيلة تمتدُّ من أسوار القلب إلى خنادق الثورة، ومن ثم فإن الحب والثورة كانا المحددين اللذين يوجهان مجريات الرواية، خاصة في فصولها الأخيرة حيث يقف البطلان على مسافة واحدة من مساقط الوجع وبشارات النصر.

"عبير" هي الثورة، هكذا أرادها المؤلف، وأكَّدها في ثنايا الرواية بذلك التمازج الذي وصل حد التماهي بين الاثنتين: فكلتاهما قادمتان من وسط مضطرب ومتباين حد التناقض، وكلتاهما تحملان مشروعاً تغييرياً، وكلتاهما تُجَابَهان بأدوات الانشداد إلى الماضي، وكلتاهما تقفان في نهاية الرواية على مآلات مفتوحة وقراءات مخاتلة.

رغم التأثر الواضح للمؤلف بأسماء سردية معروفة على النطاق العربي، فإن ذلك لم يَحُلْ بينه وبينَ أن يستنطق الواقع اليمني بأبعاده الإنسانية والبيئية

حشد المؤلف في روايته كثيراً من أعلام ثورة فبراير وأحداثها، مفصلاً تارة ومجملاً تارة أخرى، وكأنه بذلك لا يُخضع عمله الروائي لأدوات هذا الفن وحسب، بل يقدم إلى جانب ذلك سيرة سردية لثورة فبراير الشعبية.

ومن المؤكد أن الروائي وهو يقدم هذا الفضاء السردي لثورة العبير كثيرا ما استنطق ذاكرته المثقلة بمواجد ثورة عاشها في ميادين الرفض وساحات الاعتصام، وشهد فيها مخالب الموتِ، ومعارج الشهداء.

بين الشعر والنثر
وعلى المسار النقدي جاءت ثورة العبير رداً عملياً على الادعاء غير الدقيق الذي طُرح غير مرة في عدد من التناولات النقدية للنتاج الأدبي لثورة فبراير اليمنية، والتي ذهبت إلى تخلف الأجناس الأدبية وخلو الساحة إلا من النص الشعري وحده، سواء كان قصائد منشورة أو أناشيد مغناة.

ومع التسليم بتسيّد الشعر بمنابره المختلفة ليس فقط في المشهد الثوري اليمني وإنما في جميع بلدان الربيع العربي، فإن ذلك لا يمنع حضور السرد بأشكاله المختلفة، وإنْ بدرجة أقل، ذلك أن العمل السردي يقوم على الاشتغالات الطويلة، إضافة إلى أن عملية نشره وإيصاله إلى القارئ مطبوعا في كتاب أقل مرونة من النص الشعري، وهي أمور معروفة في واقع الحياة الأدبية.

"ثورة العبير" الرواية البكر للقاص خالد العلواني، تبشَّر باسم من "العيار الثقيل" في المشهد السردي اليمني، مسكون بالحداثة، مخلص للجمال، لا يرى في اللغة وعاءً لنقل المشاعر والأحاسيس فحسب، بل أداة تغير مهمّة، تختزل مشروع الغد الذي بشرت به ثورات الربيع في ديوان شعر، وتختزل مشروع الغد في الكلمة الثورة التي تنتصر لمجد الإنسان وكرامة الوطن.

صدرت "ثورة العبير" في 317 ورقة من القطع المتوسط عن مكتبة خالد بن الوليد في العاصمة صنعاء.

المصدر : الجزيرة