"بصمة شباب".. كونشرتو فلسطيني يشدو للحرية
محمد محسن وتد-باقة الغربية
واحتشد جمهور واسع من فلسطينيي 48 والجيل الشاب على وجه الخصوص حول خشبة المسرح للاستماع والاستمتاع بالعرض الذي قدمته فرقة "أوركسترا الفن" بقيادة المايسترو وعازف الكمان محمد خلف.
وحملت سهرة هذه الفرقة عنوان "عطر الياسمين" تكريما للشعب التونسي صاحب الانتفاضة العربية الأولى ضد الاستبداد. واستطاعت الفرقة أن تمزج بين إيقاعات آلات عربية وغربية بنكهة فنية متميزة أطربت الجمهور، فجاء الأداء حاملا معاني ودلالات صقل الهوية العربية في ظل التحديات الإسرائيلية، وعاكسا حلم التواصل مع العالم العربي والتطلع إلى التمازج الحضاري والثقافي.
وانتشى الجمهور طربا وعاش جوا فنيا غير مسبوق زينته ألحان ومعزوفات كلاسيكية عربية شرقية لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمد القصبجي، كما أنها لم تخل من إيقاعات ومعزوفات كلاسيكية غربية.
هوية وانتماء
وعلى وقع أنين الكمان الذي دمج بين مشاعر الحزن والفرح، ونغمات أوتار العود وألحان البيانو وتقاسيم صوت التشيلو ووقع صدى الإيقاع بمفردات أنغام الناي الشجي، قدم المايسترو محمد موسى خلف معزوفات من تأليفه، حملت رسائل وطنية وسياسة شدت للحرية والاستقلال، حيث حلق عاليا في "سماء فلسطين" وعزف "غربة" وناجى "الوطن" ومسك الختام توّجه بمعزوفة "غزة لك السلام".
وسعى المايسترو خلف خلال حديثه للجزيرة نت لمحاكاة واقع القضية الفلسطينية من خلال الفن والموسيقى، حيث يرى أن آلة الكمان التي نشأ عليها وتتلمذ على مسيرتها هي بمثابة سلاح للحب والتسامح لتحريك المشاعر وتغذية العقول، كما أنه من خلال عروضه ومعزوفاته التي تحمل رسائل سياسية ووطنية يعبّر عن مشاعر الجيل الشاب وطموحه.
ويصوّر عازف الكمان من خلال الألحان والأنغام عن الواقع الذي يعيشه كغيره من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، وبصورة فنية وإبداعية ترسم ملامح الهوية العربية للنشء حين يكون الشدو للحرية والاستقلال والطفولة والإنسانية.
لكن خلف -كغيره من فلسطينيي 48- يشكو من حالة العزلة عن المحيط العربي ويتوق إلى لحظة كسر الحصار والتحليق في الفضاء الفني للعالم العربي، حيث يقدم "سماء فلسطين" على خشبات العرض في كل مكان.
رسائل وحصار
حالة الحصار الفني ذاتها يعيشها عازف القانون الشاب عطاف بشارات، لكنه يستعير من خلال الموسيقى العربية الشرقية نمطا معيشيا توارثه عن أسرته يعبر إلى الذاكرة على مشهد التراث، ويتحدث بإسهاب عن تنمية موهبته الفنية التي رسمت ملامح شخصيته وهويته وعززت لديه مشاعر الانتماء للعروبة، وسط ما يعيشه من تأثيرات الموسيقى الإسرائيلية التي لم تنل من هويته الفنية والثقافية.
وأكد في حديثه للجزيرة نت أن الجيل الفني الجديد لفلسطينيي 48 وجد في الموسيقى التي اختلطت بمحاور السياسة، ملاذا للتعبير عن الرأي وفضاء للمشاعر. بيد أن بشارات إلى جانب هذا التوجه يرى في الفن الذي يقدمه التزاما للإنسانية، ويطمح عبر رسالته إلى إحداث تغيير ثقافي وحضاري نحو الحرية والتحرر للشعوب المستضعفة بجميع أنحاء العالم.
من جانبه، يرى المنسق الإعلامي لرابطة الأكاديمية المنظمة للكونشرتو محمد بدران أن المبادرة بهذه الفعاليات الفنية والمهرجانات الثقافية تأتي إيمانا بدور الموسيقى وأهميتها في إيصال الرسائل إلى المجتمع الفلسطيني، وكذا المساهمة في تعزيز الانتماء وصقل الشخصية والهوية الفنية ومد جسور التواصل مع الامتداد للعالم العربي.
وقال بدران للجزيرة نت إن الموسيقى الشرقية تشكل لفلسطينيي 48 البوصلة الحضارية والثقافية، فالموسيقى والعرب متلازمان منذ فجر التاريخ، وحتى الشعر العربي كان يغنى ويعزف بالألحان، وبالتالي نسعى من خلال هذه الفعاليات لتحصين النشء من تأثيرات الموسيقى الإسرائيلية وصقل هوية فنية عربية.